الأشكال الجديدة للاحتلال!


أخبار بارزة, خاص 15 آذار, 2022

كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:

لم تعد سيطرة دول على دول أخرى تتم بالطرق الكلاسيكيّة والتقليديّة القديمة التي عكست نفسها في الحقبات المنصرمة على شكل احتلال مباشر أو استعمار أو انتداب، بحيث تنزل القوّات العسكريّة للدولة المحتلة وتبسط سيطرتها التامة على المرافق العامة كالثكنات والمرافئ والمطارات والقصور الرئاسيّة ووسائل الإعلام (قبل الثورة التكنولوجيّة طبعاً).

لقد انطوت هذه الحقبة تقريباً في معظم أنحاء الكرة الأرضيّة باستثناء فلسطين التي لا تزال ترزح تحت أطول احتلال وأكثرهم قبحاً منذ سنة 1948 دون أن يُعطى أي اعتبار لقرارات الأمم المتحدة والشرعيّة الدوليّة التي لم تشق طريقها إلى التنفيذ يوماً في هذا الصراع التاريخي المديد. بلى، هناك أيضاً أرخبيل تشاغوس الذي ترفض بريطانيا إعادته إلى دولة جزيرة موريشيوس في المحيط الهندي الذي لا تزال تسميه لندن “المحيط الهندي البريطاني”، على رغم قرارات الأمم المتحدة التي دعت إلى تسليمه!

لقد أصبحت سطوة الدول القويّة على الدول الضعيفة تتخذ أشكالاً مختلفة عن تلك الأساليب القديمة وذلك من خلال التغلغل التدريجي من خلال إنشاء فصائل سياسيّة وعسكريّة وتوفير الدعم لها لكي تتوسع نحو كل مفاصل المجتمع. لم تعد الدول الإقليميّة المتوسطة القوّة بحاجة للسيطرة المباشرة أو لبناء القواعد العسكريّة فهذا الخيار محجوز للدول الكبرى التي توّزع تلك القواعد على مناطق نفوذها.

بات بإمكان الدول الإقليميّة أن تحارب بشباب سواها، وأن تشعل النيران في ساحات سواها، وأن تعطل العمليّة السياسيّة والدستوريّة في بلدان سواها، وأن تمسك تالياً بناصية القرار في دول سواها دون أن تتكبّد عناء الانتقال المباشر لها، حتى أن هذه الطريقة توفر عليها مواجهة مناخات الرفض من السكان المحليين كونها ليست على تماسٍ مباشر معهم إنما تدير الدفة من خلال وكلائها وحلفائها في الداخل.

من السهل نفي خضوع لبنان في هذه اللحظة السياسيّة لأي احتلالات أجنبيّة، فليس هناك على أرضه أي جيوش محتلة، باستثناء طبعاً الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا التي لا تزال تحوم علامات الاستفهام الكبرى حول هويتها الحقيقيّة بفعل تمنّع النظام السوري عن تزويد الأمم المتحدة بالوثائق المطلوبة لإثبات تلك الهوية. ولعله من المفيد التذكير بالخرائط التي ابتُدعت من قبل بعض القادة الأمنيين لقضيّة مزارع شبعا بعد تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي سنة 2000 مباشرة، والأهداف معروفة بطبيعة الحال.

المهم أن خضوع لبنان لسطوة قوى إقليميّة بات حالة يعيشها اللبنانيون في يومياتهم السياسيّة التي أجهضت فيها كل محاولات الإصلاح فوصلت البلاد إلى تلك الحالة من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والمالي والنقدي.

لقد أدّى تحالف الممانعة والعبثيّة إلى تدمير البلاد وإسقاطها ومصادرة قرارها السيادي الوطني الحر، وحال دون أن يحافظ البلد على الحد الأدنى من ميزاته التفاضليّة التي راحت تتساقط الواحدة تلو الأخرى بفعل السياسات المريضة والمعارك الوهميّة التي كانت تُخاض دون أي مبرر وهدفها الوحيد الكسب الشعبوي الرخيص.

شعار “تحالف المافيا والميليشيا” يبدو أكثر تفاهة من شعار “كلهن يعني كلهن”. ثمّة من يصادر قرار البلد لتحقيق أجندة رعاته الإقليميين، ويدعمه من هو مستعد لبيع البلد برمته لإشباع جوعه العتيق للسلطة والمقاعد دون أن يشبع. بين هذا وذاك، ضاع لبنان!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us