بين آذار وتشرين، هل يكون أيار 2022 موعدًا لثورة جديدة؟

أخبار بارزة, خاص 18 آذار, 2022

كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:

تعدّدت المجتمعات وتنوّعت معها الأنظمة السياسيّة. التطوّر رافق الأنظمة عبر التاريخ، فانتقل الحكم من ديكتاتوريّ إلى ديمقراطيّ مترافق مع أنظمة سياسيّة ديمقراطيّة، متشابهة بالتسمية لكنّها تختلف عن بعضها من ناحية طريقة التطبيق في كلّ دولة وذلك حسب القوانين. فالمساواة تختلف بين دولةٍ وأخرى رغم إتّباع الدول نفس النظام السياسيّ، وسقف الحريّة يختلف مثله مثل تطبيق العدالة وذلك بحسب القوانين الداخليّة للدولة.

نشأ مبدأ السيادة مع نشوء فكرة الدولة في النصف الثاني للقرن السادس عشر، والحفاظ على تلك السيادة يتطلّب ثقة من كلّ فرد بمكوّنات دولته، وذلك في سبيل النضال للصمود بوجه التدخّلات. من هنا أتت ولادة دولة لبنان الكبير كبداية لمسيرة نضال رجال الاستقلال، من أجل التخلّص من الإنتداب الفرنسيّ. لكنّهم لم يعلموا أنّ تاريخ لبنان سيعيد نفسه، والسعي للاستقلال هو عنوان للتاريخ وللمستقبل. فما هو الدور الّذي لعبته ثورة 14 آذار 2005 وثورة 17 تشرين الأول 2019 بتحقيق استقلال جديد للبنان؟

الثورة هي شكل من أشكال الإنتفاضة الديمقراطيّة على الظلم والقمع، فهي التي يقوم بها الشعب على حكّام الدول. عرف العالم ثورات عديدة أحدثت مطالبها تغيراتٍ داخل المجتمعات وقلبت الموازين داخل الأوطان. وكان الوطن العربيّ قد شهد ثوراتٍ ملوّنة أحدثت تغييراتٍ داخليّة في عديدٍ من الدول. فالثورة الملوّنة هي تحرّكات سلميّة لا عنفيّة، تحرّكاتها المطلبيّة يستخدم فيها المتظاهرون أعلامًا أو شعاراتٍ بدل الأسلحة.

ثورة الأرز اللّبنانيّة في العام 2005 قلبت مقاييس السيادة؛ فبعد ثلاثة عقود من الحكم السّوري غير المباشر الذي عاشه لبنان من خلال أتباعه، جاءت ثورة الأرز لتكون الإنتفاضة على الواقع. إغتيال رئيس الحكومة “رفيق الحريري” حرّك الشارع اللبنانيّ، فكانت ثورة 14 آذار ليس فقط رداً على ثورة 8 آذار المؤيّدة للنظام السوري، بل أيضاً خريطة جديدة لإستقلال لبنان. إجتماع مجلس الأمن في العام 2004 أكّد على سلامة لبنان الإقليميّة بالإضافة إلى السيادة والإستقلال السياسيّ ضمن حدوده الداخليّة والمعترف بها دولياً. ومع تبنّي ثوّار الأرز في العام 2005 مقررات الإجتماع، كان الإصرار للحصول على استقلالٍ حرّ رافض للتبعيّة، ممّا جعل القرار 1559 سلاحاً بوجه القوات الأجنبيّة والميليشيات الداخليّة.

استقلال الأرز ترجمته إستقالة حكومة الرئيس “عمر ميقاتي” في 14 آذار بعد سلسلة من المظاهرات السلميّة. ورغم نجاحها بتحقيق إستقلال لبنان، غير أنّ التسويات الطائفيّة والمساومات الحزبيّة سرعان ما كانت سبباً جديداً لتخفيف أثر الثورة التي تحوّلت إلى ذكرى جميلة في تاريخ لبنان. فاستبدل معظم ثوّار الأرز المبادئ السامية بالمصالح السياسيّة والمحاصصة الطائفيّة والتحالفات الإنتخابيّة، ممّا أعاد مرّة جديدة استقلال لبنان المكتوب لكي يصبح مربوطاً بمطامع الداخل وأجندات الخارج.

مصالح أهل السياسة وخاصةً الأحزاب منها، أوصلت لبنان إلى الإنهيار الإقتصاديّ. فرَفْض الشعب لقمامة السياسة أوصله إلى الاعتماد على الشارع في 17 تشرين الأول 2019 كوسيلة ديمقراطية للتعبير عن رفضه القاطع لطريقة عيشه؛ ومع هذا التاريخ حفر الشعب اللّبناني انتفاضة جديدة في تاريخ لبنان.

ثورة الوجع المحقّة، المُطالبة بأبرز الحقوق حارب فيها الشباب كالشيوخ والنساء والأطفال؛ فلم تميّز بين الطوائف واتّحدت الصفوف بوجه المنظومة الفاسدة تحت شعار “كلّن يعني كلّن”. لكنّ الأحزاب السياسيّة تدخّلت بطريقةٍ أو بأخرى، فسرعان ما انقسمت الثورة إلى عدّة أطراف وتشرذم معها حلم اللّبنانيّ بلبنان جديد. انقسام الثوّار بين جزء حقيقي مستقلّ غير تابع لطرف سياسيّ، وجزء آخر مؤيّد لحزب معيّن ومهاجم للأحزاب الأخرى شوّش الرأي العام.

آمال الشعب اللّبناني بنظامٍ جديد وسلطةٍ جديدة غابت، وأصبح اليأس مرافقًا لطموح الأفراد. هجرة الشباب، غياب الرعاية الإجتماعيّة في ظل النظام المالي المنهار بالإضافة إلى عدم وجود الخطط الفعّالة لإخراجنا من جهنّم كما وُصفنا، كانت النتائج الّتي استغلّها سياسيّو معارضة الثورة لمهاجمتها.

إذا حقّقت ثورة 14 آذار استقلال لبنان عن القوات الخارجيّة بسبب توحيد المطالب، فإنّ ثورة 17 تشرين الأوّل 2019 لم تستطع بعد تحقيق الإستقلال الداخليّ عن السلطة السياسيّة الفاسدة. يترجم الإستقلال الأخير بعدم تبعيّة داخليّة للحلفاء الخارجيّين. بعد إضمحلال شعلة ثورة تشرين بين هموم ومشاكل حياة كلّ أسرة لبنانيّة، ها هو فتيل الشُعلة بدأ يشتعل من جديد بعيداً عن الشارع والتظاهرات، لكن قريباً من مبدأ تكريس النظام الديمقراطيّ كأساس الدستور في لبنان.

ثورة الشعب اليوم هي ثورة رافضة للمنظومة السياسيّة وستحاربها بإعطاء المرشّحين المستقلّين والثوار الأصوات التفضيليّة في الإنتخابات النيابيّة المقبلة. فقد أدرك الشعب اليوم أنّ الوقت وحده كفيل بإحداث التغيير التدريجيّ داخل الوطن. فهل تكون إنتخابات 15 أيار 2022 بداية التغيير الحقيقي رغم قانون الإنتخاب النسبيّ الّذي يضع الوجوه الجديدة أمام تحديات الحصول على حواصل إنتخابيّة لازمة؟ وإلى أي مدى ستحقق نتائج الإنتخابات إستقلال لبنان الداخليّ عن المنظومة الفاسدةّ الّذي بدأ في ثورة 17 تشرين؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us