لبناني يحول شظايا الحروب إلى مجسمات سلام إبداعية


أخبار بارزة, خاص, مباشر 14 نيسان, 2022

كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:

ينتقم من الحرب عبر تحويل شظاياها القاتلة إلى حياة، مجسمات متنوعة الأشكال والألوان والأحجام تليق بها الحياة تفوح منها رائحة الموت والدمار، جمعها من تحت أنقاض الحروب والقصف ململمًا شظايا القنابل والقذائف، لتتحوّل مجسمات فنية تمثل جزءاً من حياة كاد لبنان يفقدها مع كل حرب مرت عليه.
إنه شارل نصار، فنان لبناني ينتج الفن والإبداع من أدوات الدمار والموت، متمسّكًا بشعاره الذي لا يمكنك أن تتجاهله أثناء تجوالك بين عشرات المجسمات “من شظايا حرب إلى رسالة سلام”، في متحفه الفريد من نوعه الذي يقيمه في حديقة منزله الخلفية ببلدة رمحالا- قضاء عاليه، فن تشكيلي إبداعي، إذ ربما نجد مجسمات مصنوعة من الحديد لكن من الشظايا فهو بالأمر الصعب.
في الحرب هناك خياران لا ثالث لهما، إما الموت أو صنع الحياة منها، وشارل اختار تحويل الشظايا القاتلة إلى حياة، ويعلق في حديثه لـ “هنا لبنان” بالقول: “هذه الشظايا تجسيد فني يستلهم مزاج الحرب، ومن أهم القذائف التي تركت جرحًا في قلبي، تلك التي قتلت جيراننا وجدتي، معاناة عشناها، وإن شاء الله بتنذكر وما تنعاد؛ قذائف لم تأت من حالة سلام بل من حالة حرب ودمار” مؤكدًا أنّه لا يزال حتى اليوم مستمرًّا في تحويلها من أدوات القتل والإجرام إلى تماثيل فنية تبهج القلب وتبعث السرور لدى الزوار، توضع داخل المنازل وفي الحدائق و”تفش خلقي” من أهوال الحروب وويلاتها.
فقذيفة الهاون 240 أصبحت تنورة أم تمسك بيد ابنها، وهي من أقوى الهواهين التي سقطت فوق رؤوسنا، وهناك عازف لا يترك عوده، تفصله أمتار قليلة عن بائع كعك يجوب الشوارع، ولبناني زائر لا يزال مصرًّا على الهجرة، فجعل من صندوق ذخيرة أعجبه حقيبة لسفره.
المشاهد هنا لا تنتهي، ففي هذا المتحف تتعدد أشكال الحياة، في تحف فنية متنوعة صاغها نصار من واقع الحياة اليومية، بدءًا من فلاحة تسقي الزرع وخيال صحراء يحميها، مرورًا بمحادل استقدمت من التراث القروي لتكون تارة جسدًا بشريًّا وطورًا جسم غزال، وزمور شاحنة تدمرت في حرب 2006 بات قطعة موسيقية يمسك بها فنان، فلكل قطعة هنا حكاية تبث الحياة في الشظية الجامدة فللطيور مسارها بين الأرض والسماء وللعنكبوت بيته ولكل كائن من الكائنات مكانه الخاص.
فالمزارع والحداد والفنان والموسيقي والحرفي وغيره تحولوا إلى أدوات سلم، ويشرح نصار: “أحيانًا الفكرة تلمع أثناء لم الشظية، فأقرر ماذا سأصنع منها يدًا أو رجلًا أو رأسًا، ثم أقوم بتقسيم التماثيل ضمن فصائل وقياسات معينة”.
ويتابع: “كانت الشظايا والقذائف تسقط علينا وعلى منزلنا وحيّنا طيلة فترة الحرب الأهلية، ثم عايشت حرب تموز وأهوالها، وصولًا إلى معركة نهر البارد.. خلال كل هذه الحروب كنت أتسلّل ليلًا نهارًا لأجمع هذه الشظايا أثناء “استراحة القصف” من خلال التنسيق مع الجيش اللبناني، وأكبر كمية حصلت عليها من معركة نهر البارد، حتى بات لدي مجموعة كبيرة ورحت أتفنن بصناعتها من قطعة إلى قطعة حتى وصلنا إلى مجموعات كبيرة منها.
الشظايا تقف وراءها معاناة فمنها ما يكون عليها بارود وأخرى دم، وحول شغفه بها يوضح “الشظية هي عنوان الحرب لها معنى كبير عندي كوني ابن حداد ورثتها عن الوالد كنت أجمع الشظايا بالفطرة، وبقيت أجمع منها من الحروب، وبعد الشهادة الثانوية تخصصت في الرسم والنحت، وعندها دخلت مهنة الحدادة مع الشظايا ومع الرسم والنحت فباشرت بصنع التماثيل…
ومن هنا فالفن ينبع من ذات الإنسان ومن البيئة التي يعيش فيها، وهكذا راح نصار يزيد ثقافته في مهنته من خلال المتاحف التي يزورها داخل لبنان وخارجه، ثم يعود إلى الطبيعة التي يعيش فيها. واليوم وفي ظل الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية المريرة يركز نصار في عمل من ضمن الحدادة “نعمل في تصنيع وتركيب القواعد الحديدية للطاقة الشمسية خصوصًا في ظل الإقبال الكثيف للبنانيين على هذه الطاقة، وهذا يستغرق القسم الأكبر من وقتي الراهن”.
وحيال هذا الواقع يشدد “لست منزعجًا بل مرتاحًا لأنّني أصنع الأشياء التي أحبها وتأتي لي بالمال، وفي الواقع أنا لا أعتبر أن هناك دولة منذ أن كنت في العاشرة من عمري، ومنذ ذلك الحين وأنا أعتمد على نفسي وهذا ما جعلني أقوى مع الزمن… وهكذا أواجه التحديات والصعوبات”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us