هل يُنقذ الصّندوق السّيادي لبنان من الموت السّريري؟


أخبار بارزة, خاص 28 أيار, 2022

كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:

في لعبة الشّطرنج الاقتصاديّة الماليّة، يتنافسُ ثلاثة لاعبين بدلًا من اثنين: حكومةٌ متسلّحةٌ بخطّةٍ أُلبست عنوان التّعافي، جمعيّةُ مصارف، ورابطةُ مودعين. أمّا المتفرّج فشعبٌ منهوبٌ مذلولٌ يتمّسك بأيّ “قشّة” تنتشلُه من حفرة الأزمات الّتي أُوقع فيها، وينتظر مَن سيصرخ أوّلًا “كِشّ ملك”.

إحدى التّكتيكات الموجودة في جعبة اللّاعب الثّاني، الّتي قرّر استخدامها للوصول إلى هدفه، هي إنشاء “صندوق سيادي”. تكتيكٌ يواجه معارضةً شرسةً من رابطة المودعين، الّتي ترى في طيّاته محاولةً لتقليص خسائر المصارف ورفع المسؤوليّة عن نفسها وتعويم أعضائها من جديد. وتلاقيها في هذا الاتّهام عدّة جهات معترضة.

إلّا أنّ كبير الاقتصاديّين في مجموعة “بنك بيبلوس” نسيب غبريل، أوضح في حديث لـ “هنا لبنان”، أنّ “مهمّة الصّندوق السّيادي الأساسيّة، هي تحسين إنتاجيّة المؤسّسات الّتي تملكها الدّولة والّتي لديها طابع تجاري، مثل مؤسّسة كهرباء لبنان، شركتَي الخليوي، مرفأ بيروت، مطار بيروت الدّولي، شركة طيران الشّرق الأوسط، كازينو لبنان وغيرها”.

وشرح “أنّنا رأينا مثلًا في قطاع الكهرباء، أنّ سوء الإدارة والتدخّل السّياسي أدّيا إلى هدر 5,24 مليار دولار على القطاع كسلفات خزينة، بالإضافة إلى 25 مليار دولار فوائد، أي ما مجموعه نحو 50 مليار دولار هدر من خزينة الدّولة على قطاع الكهرباء؛ والنتيجة أنّه ليس لدينا حتّى ساعتَي تغذية يوميًّا”.

وأكّد غبريل أنّ “من الضّروري تطوير إدارة هذه المرافق الحيويّة، وتحسين مستوى إنتاجيّتها، وهذا يخدم الاقتصاد اللّبناني والمواطن، إذ يُحسّن نوعيّة الخدمات ويخفّف من نفقات الأُسر في لبنان”، مبيّنًا “أنّنا بحاجة إلى شركات عالميّة تدير قطاع الكهرباء والاتّصالات، تُعيد إعمار مرفأ بيروت، وتستلم المرافق، الّتي ستبقى كلّها مُلكًا للدّولة”.

وفسّر أنّ “الهدف الأوّل للصّندوق السّيادي هو تحسين إنتاجيّة هذه المرافق، لتحسين خدماتها فيَشعر عندها النّاس بهذا التحسّن على صعيد الخدمات، وتخفيض الكلفة عليهم، وثانيًا تخفيف الأعباء التّشغيليّة عن كاهل مؤسّسات القطاع الخاص. أمّا الهدف الثّالث فزيادة إيرادات الخزينة، وبالتّالي المساعدة بتمويل الموازنة العامّة”.

وعن موقف صندوق النّقد الدّولي من فكرة إنشاء الصّندوق السّيادي، أشار غبريل إلى أنّ “صندوق النّقد لا يحبّذ استخدام موجودات الدّولة وأصولها، بموضوع إعادة هيكلة القطاع المصرفي”.

رابطة المودعين وغيرها من الجهات، أعلنت رفضها فكرة إنشاء صندوق سيادي ووجدت فيه نوعًا من “تهريبة”، أو إعفاءً من المسؤوليّة الكبرى. غير أنّ الخبير الاقتصادي والمصرفي شدّد على أنّ “المسؤوليّة شاملةٌ للخروج من الأزمة، لكنّ اليوم هناك ثلاثة أسباب أساسيّة للأزمة، هي سوء استخدام السّلطة، سوء إدارة القطاع العام وسوء إدارة الأزمة بحدّ ذاتها”.

وأعاد التّركيز على أنّ “سوء إدارة أصول الدّولة هو سبب أساسي للأزمة الحاليّة”، موضحًا أنّه “إذا تمّ حلّ مشكلة الكهرباء، فسينخفض الضّغط على الميزانيّة العامّة وعلى تمويلها، وعلى الفواتير الّتي يدفعها المشتركون، وهذا الأهم”.

كما رأى أنّ “قطاع الاتّصالات أصبح مشابهًا لقطاع الكهرباء، لأنّ هناك احتكارًا من قبل الدّولة، وهي الّتي تقرّر أسعار خدمات الاتّصالات، بظلّ غياب المنافسة. لو كانت هنالك شركةٌ ثالثةٌ، إضافةً إلى الشّركتين الموجودتين حاليًّا، وحصلت منافسة بين بعضها البعض لاستقطاب مستخدمي الخدمات الخليويّة؛ لكان وضع القطاع مختلفًا عمّا هو عليه اليوم”. ووجد أنّ “زيادة التّعرفة على الإنترنت والاتّصالات الّتي تمّ إقرارها مؤخّرًا، لا تقدّم أو تؤخّر، بل هي عبء إضافي على المواطنين”.

ووجد غبريل أنّ “مَن يعارض إنشاء الصّندوق السّيادي، لا يعرف ما هي أهدافه. من يقول إنّه يعارض الخصخصة وبيع أصول الدّولة، فليرَ قطاع المولّدات الكهربائيّة غير الشّرعي منذ نحو 50 عامًا، الّذي هو أسوأ نوع خصخصة! كما أنّ لا أحد يتكلّم عن بيع أصول الدّولة وأراضيها؛ مع الإشارة إلى أنّ الدّولة لديها عقارات بمساحة 910 ملايين متر مربّع”.

إلى ذلك، لفت إلى أنّ “لصالح المواطن والاقتصاد ورفع التّنافسيّة، يجب أن تكون إنتاجيّة المؤسّسات الّتي لديها طابع تجاري، أعلى بكثير ممّا هي عليه الآن، وهي قادرة على ذلك. أمّا من يعترض على الصّندوق، فهو يقوم بذلك مباشرةً لأسباب شعبويّة، وتحت شعار رفض بيع أصول الدّولة؛ مع العلم أن لا أحد يتكلّم عن هذا الموضوع، وأنا شخصيًّا ضدّه”.

وختم أنّه “يجب أن تكون هناك رؤية للاقتصاد مبنيّة على زيادة التّنافسيّة، واعتبار القطاع الخاص والمبادرة الفرديّة العمود الفقري للاقتصاد اللّبناني، كما أنّ من الضّروري إعادة تأهيل المبنى التحتيّة وتحسين خدمات القطاع العام؛ وهذا يحصل من خلال الصّندوق السّيادي”.

الأكيد أنّ شدّة الأزمة الاقتصاديّة والنّقديّة والماليّة بلغت مستوياتٍ لم تكن في الحسبان، والأكيد أيضًا أنّ الوقت هو المنافس الأشرس لأيّ خطّة “إنقاذيّة” كان يجب أن تُطبّق قبل سنوات، وليس اليوم. فهل يكون الصّندوق السّيادي هو الحلّ السّحري الّذي يعطي بعض الأوكسيجين لبلد يواجه الموت السّريري؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us