غياب الأكثرية المطلقة في المجلس النيابي يعطل الاستحقاقات ويعزز سيناريو الفراغ


أخبار بارزة, خاص 2 حزيران, 2022

كتبت ريمان ضو لـ “هنا لبنان”:

شكلت الجلسة الأولى للهيئة العامة للمجلس النيابي الامتحان الأول للأحجام النيابية والتوازنات السياسية الجديدة.

في قراءة أولية لما حصل، قد يخلص البعض إلى أن البرلمان الجديد، الذي تشكل لأول مرة وفق قاعدة “لا أكثرية ولا أقلية”، أبقى حزب الله قادراً على صوغ تحالفاته في إدارة الحكم وكرّست الجلسة الأكثرية النيابية، لتحالف ثنائي حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر وتيار المردة وأنتجت كتلة قادرة، رغم الخلافات التكتيكية بينهم، على التوحد في الاستحقاقات الكبرى. وعليه تحولت الأقلية المتماسكة إلى أكثرية فعلية، في حين أن الأكثرية المشتتة من خصوم الحزب تحولت إلى أقلية بسبب الشرذمة وغياب التنسيق.

وإن قاربت هذه التحليلات الواقع إلى حد ما، إلّا أن الأكيد أن الاستحقاق الانتخابي الأول أظهرَ فعلياً أنّ أحداً من القوى السياسية يمتلك أكثرية مطلقة أو موصوفة في المجلس الجديد، وأنّ الأكثرية ستتشكّل تبعاً للتوافق بين الكتل النيابية المختلفة على القضايا، ما يعني أن هذه الأكثرية ستكون على القطعة. وحزب الله الذي أمّن “النصف زائداً واحداً” لتمرير انتخاب مرشّحَيْه لرئاسة المجلس ونيابة الرئاسة، لم يستطع السيطرة على الأكثرية وهو ما برز بالتصويت المنخفض للرئيس نبيه بري عكس الولايات الست السابقة.

ويبقى أن الإنجاز الأهم، أنه للمرة الأولى يعمل مجلس النواب ديموقراطياً، فاتّضحت عورات الولايات الست السابقة خصوصاً لناحية الجهل في كيفية تطبيق النظام الداخلي وتغييب الديموقراطية لمصلحة “التوافقات المعلبة” أو ما اتّفق على تسميته “الديمقراطية التوافقية”.

وحتى الثلاثاء المقبل، موعد الجلسة النيابية لانتخاب رؤساء وأعضاء اللجان النيابية، ستتواصل الحسابات الانتخابية، وسط الحديث عن نية النواب التغييرين الترشح في جميع اللجان، بهدف تحريك عجلة المُحاسبة في ملفات مفتوحة، لا سيّما في موضوع استقلالية القضاء والعمل لإسقاط الحصانات النيابية لاستكمال التحقيقات في جريمة انفجار مرفأ بيروت.

أما الاستحقاق التالي فهو الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس الحكومة الذي يفترض أن يدعو إليها رئيس الجمهورية، ومن المتوقع أن تستغرق المفاوضات بين مختلف القوى لتشكيل حكومة، وقتًا، وتشير المعلومات لموقع “هنا لبنان” أن رئيس الجمهورية يتريث بالدعوة الى هذه الاستشارات بانتظار بلورة اسم المرشح لتولي هذه الحكومة التي سيقتصر عمرها على الخمسة أشهر التي تفصل عن انتهاء ولاية ميشال عون.

يؤكد مرجع سياسي لموقع “هنا لبنان” أن اسم رئيس الحكومة المقبل غير محسوم حتى الساعة، فبعد أن كانت الترجيحات قبل الانتخابات تصب في اتجاه إعادة تسمية ميقاتي، بعد أن نجحت حكومته في تمرير ملفّات أساسية، أبرزها الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي وإجراء الانتخابات النيابية، إلّا أن بورصة الأسماء ستخضع أيضاً لحسابات الأكثرية والأقلية.

ويضيف المرجع “أن من استطاع تأمين 65 نائباً لانتخاب نبيه بري لرئاسة المجلس، من شأنه أن يؤمن العدد نفسه لتسمية رئيس الحكومة، والطابة حاليًّا في ملعب رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، إذا ما كان سيعيد تسمية ميقاتي لرئاسة الحكومة”.

ويبدو أن التيار ليس بعيداً عن هذا الطرح خصوصًا أن رئيس الجمهورية كان قد طرح في حديثه الصحافي لجريدة “الأخبار” خيار إعادة منح الثقة لحكومة ميقاتي. أما معايير باسيل فترتبط بمدى تجاوب ميقاتي مع مطالبه خصوصاً طلب الحصول على وزارة الطاقة.

لكن ميقاتي وبحسب المرجع السياسي، قد يعيد التفكير مرتين قبل الموافقة على إعطاء هذه الوزارة لممثل باسيل، إذ حرم باسيل عبر وزير الطاقة وليد فياض، ميقاتي من إضافة إنجاز آخر إلى سجل حكومته، وهو إبرام الاتفاق مع كهرباء فرنسا عندما سحب فياض البند عن جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء في الجلسة الحكومية الأخيرة.

اسم رئيس الحكومة ليس العقدة الوحيدة بل تنسحب العقد إلى شكل هذه الحكومة، فالتصريحات الأولية بعد نتائج الانتخابات النيابية عقدت المشهد، إذ سارع رئيس التيار الوطني الحر إلى إعلانه عن رفض تشكيل حكومة تكنوقراط أو اختصاصيين معلناً تمسكه بتشكيل حكومة وفق المشروعية السياسية التي أنتجتها الانتخابات. في حين ذهب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل كل أطياف المجتمع اللبناني دون استثناء أحد. هذه الصيغة الحكومية التي رفضها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ووصفها بـ “الشوربة الوطنية”. في وقت ترفض قوى التغيير أي شكل من أشكال هذه الحكومات وتدعو إلى تشكيل حكومة تكنوقراط من المستقلين.

أما عن المخرج، فيبدو أن سيناريو الفراغ والتعطيل يتقدم على ما عداه في مقاربة الاستحقاقات الدستورية المقبلة بدءًا من تشكيل الحكومة، وانتهاءً بانتخابات رئاسة الجمهورية، ويجزم المرجع السياسي بصعوبة تأليف أيّ حكومة جديدة، حتى لو تم تكليف رئيسها، ويرجح خيار بقاء حكومة تصريف الأعمال إلى ما بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ليأتي التوافق على اسم رئيس الجمهورية والصيغة الحكوميّة معاً ضمن سلّة متكاملة.

قد يكون الفراغ الحكومي والاعتماد على حكومات تصريف الأعمال بات سمة ملازمة للعملية السياسية في لبنان، ونتائج هذه الانتخابات تفتح الباب أمام عمليات تأجيل للاستحقاقات والتعطيل بهدف تحصيل مكاسب سياسية في حصص الحكومة أو في الانتخابات الرئاسية، أو بانتظار صفقة إقليمية بالمرحلة المقبلة وفتح النقاش حول طبيعة النظام اللبناني وضرورة تعديلات دستورية جدية، في ظل ظروف اقتصادية صعبة مرشحة للانهيار الكلي، وبالتالي لن يكون أمام المجتمع الدولي سوى التدخل عبر مؤتمر دولي يُعيد صياغة ما يشبه الدستور الجديد للبنان وتحديد الصلاحيات التي لا يكون فيها مكان للعرقلة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us