أي رئيس جديد للجمهوريّة؟


أخبار بارزة, خاص 7 حزيران, 2022

كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:

الوقت المستقطع قبل استكمال عمليّة إعادة تكوين السلطة في هذه السنة المفصليّة ستكون آثاره أكثر سلبيّة على مجمل الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة التي تتفاقم مشاكلها دون أية حلول جذريّة أو حتى مرحليّة في محاولة للتخفيف من معاناة اللبنانيين التي وصلت إلى درجاتٍ غير مسبوقة في هذا العهد الذي شارفت أيّامه السوداء على الانتهاء.

وها هو العهد يكرّر العرف الذي كرّسه (كما كرّس سواه من خارج روحيّة الدستور والمواثيق) في تمرير الصفقات السياسيّة بعيداً عن العمل المؤسساتي وفق ما تنص عليه القوانين. المطروح اليوم تكليف شخصيّة لرئاسة الحكومة الجديدة، وهي الحكومة التي يُفترض ألا تعمّر لأكثر من أشهر معدودة إذ تنتهي مهامها مع انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة.

ولكن بما أن تيّار العهد مع حلفائه قد امتهنوا التعطيل المنهجي خلال الأعوام الماضية، فإنه من غير المستبعد إبقاء البلاد في حالة من الفراغ الرئاسي لفترة طويلة قبل التفاهم على انتخاب رئيس جديد (وهو ما حصل قبل انتخاب العماد ميشال عون في ذاك اليوم الأسود). وهذا يجعل من الحكومة العتيدة تتحمّل مسؤوليّة البلاد مع انتقال صلاحيّات الرئاسة إليها في حال حدوث الفراغ الرئاسي.

المطلوب من رئاسة الجمهوريّة عدم التأخر في الدعوة للاستشارات النيابيّة الملزمة لتسمية رئيس الحكومة وذلك يتم عبر الإقلاع الفوري عن محاولة “إسقاط” أسماء لا صفة تمثيليّة أو سياسيّة لها إلا من حيث خضوعها لتيّار العهد وسياساته. هذا الدور منوط بالمجلس النيابي، وإذا كان يحق لأي كتلة نيابيّة أن ترشح الشخصيّة التي تراها مناسبة لاعتلاء هذا المنصب، إلا أنه لا يحق لها فرضها على سائر الكتل من خلال استخدام موقع رئاسة الجمهوريّة.

لقد أدّى هذا الخلط الكبير بين موقع الرئاسة الأولى بما تمثله من مرجعيّة وطنيّة وسياسيّة ودستوريّة مفترضة وبين تيار الرئيس في سياساته الفئويّة الضيّقة ومصالحة الخاصة إلى إخراج الرئاسة من موقعها الجامع الذي يجب أن يكون على مسافة واحدة من الجميع ومن دورها الوطني العريض إلى مساراتٍ متعرّجة ومبعثرة أدّت عمليّاً إلى سقوط البلاد في انهيار غير مسبوق لن يكون الخروج منه بالأمر السهل لا سيّما مع استمرار العقليّة والنهج ذاته في مقاربة الأمور.

لذلك، من الضروري جداً العمل الحثيث على إنضاج الرأي العام اللبناني في الفترة الفاصلة عن نهاية العهد الحالي لاستيعاب ثوابت سياسيّة جديدة لا بد من مراعاتها في الاستحقاق الرئاسي المقبل إذا كان ثمّة نيّة جديّة في العبور بالبلاد نحو حقبة جديدة يكون عنوانها الرئيسي النهوض والنمو.

أولى هذه “الثوابت” يتصل بـ “لبننة” الاستحقاق قدر الإمكان. صحيحٌ أن الانتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة لم تكن يوماً عمليّة اقتراع ميكانيكيّة أو تقنيّة بقدر ما كانت بمثابة ترجمة لتسوية معينة لم تكن خالية من أبعادٍ دوليّة وإقليميّة؛ إلا أن هذا لا يلغي أن بناء التفاهم المحلي على شخصيّة معيّنة يساهم في قطع أشواط كبيرة في هذا المجال. لا بد للبنانيين أن يمسكوا بزمام المبادرة في هذا المجال بعد عقودٍ طويلة من قيام “الدولة” ولو أنها غير مكتملة العناصر.

ثاني هذه “الثوابت” يتمثّل بضرورة الإقلاع عن مقولة “الرئيس القوي” وإعادة تركيب هذا المفهوم وتعريفه بما يتلاءم مع الطبيعة اللبنانيّة المعقدة والمتنوعة. أساساً، التركيبة المحليّة بذاتها تلفظ هذا النوع من الرؤساء ليس لأنه لا يُراد لهم استلام السلطة، إنما لأن شغلهم المنصب الأول للجمهوريّة يُضعف الصيغة التشاركيّة اللبنانيّة دون أن يقدّم الحلول للمشاكل المعقدة التي تعاني منها البلاد.

رغم أن المواعيد الدستوريّة تحتّم تشكيل الحكومة قبل الانتخابات الرئاسيّة؛ ولكن بناء المناخات الوطنيّة الصحيحة المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي من الآن من شأنه أن يولد رأيًا عامًّا ضاغطًا في اتجاه احترام موعد الاستحقاق أولاً وعدم التفكير بإقامة قسريّة ممددة للرئيس الحالي في القصر الجمهوري وتالياً بالبحث عن شخصيّة توافقيّة تعبر بالبلاد نحو شاطئ الأمان.

كل ما هو خارج هذه الدائرة من التفكير سيؤدّي إلى المزيد من الانهيارات والانكسارات.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us