انخفاض الكلفة٤٠٪ عن العام ٢٠١٧… الطاقة الشمسية بين “استدراج نوايا” قديم و”انتحال صفة”!!


أخبار بارزة, خاص 8 حزيران, 2022

كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:

بين تقصير الدولة في تأمين الكهرباء وعجزها عن معالجة أكثر الملفات هدراً للمال العام وبين عبء فواتير أصحاب المولدات، لم يعد أمام المواطن اللبناني إلّا أن يفتش عن بديل للخروج من العتمة باللجوء إلى خيار الطاقة الشمسية، إذا ما استطاع لها سبيلاً بسبب كلفتها.

وبدل إيجاد حلول مستدامة للخروج من الدوامة التي يدور فيها قطاع الكهرباء وعلى رغم أهمية الاعتماد على الطاقة المتجددة لإنتاج الطاقة إلا أن “الاستفاقة المفاجئة” في اتخاذ بعض القرارات حول هذا الموضوع أثارت تساؤلات عديدة، ومن بين هذه القرارات أو الخطوات:

– قرار مجلس الوزراء في جلسته تاريخ 12/5/2022 الموافقة على منح 11 ترخيص لإنتاج الكهرباء حصراً من الطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية تصل إلى 165 ميغاوات، على أن يبدأ الإنتاج في غضون ثلاثة أعوام إذا تمكنت التحالفات المرخّص لها من توقيع عقود شراء الطاقة، والحصول على التمويل، وتنفيذ المشاريع والربط على الشبكة وفقاً للأصول.

– توقيع مصرف الإسكان مذكّرة تفاهم مع “المركز اللبناني لحفظ الطاقة” لِدَعم آلية مَنح قروض الطاقة الشمسية على المستوى الفني والتقني-بحسب ما جاء بالبيان – لضمان تركيب أنظمة طاقة عالية الجودة بشكلٍ يمنح الأفراد ذوي الدخل المحدود والمتوسط إمكانية الحصول على كهرباء مستدامة بأسعار مقبولة، من خلال التعامل مع جهاتٍ موثوقة تتمتّع بخبرة واسعة في هذا المجال.

علامات استفهام طرحها الخبراء في هذا المجال حول التوقيت والصلاحيات والأهداف، وبحسب المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه غسّان بيضون فإن “من تذكّر موضوع الطاقة الشمسية اليوم ليس الحكومة بل وزير الطاقة ومن خلفه تاركاً المفاجأة إلى الجلسة الأخيرة للحكومة ظنّاً منه أن بإمكانه تمرير الموضوع من دون أن يسلّط الضوء عليه أي بخدعة، وهذا ما حصل”.

ورئيس الحكومة، كما رأى بيضون في حديث لموقع “هنا لبنان”، قد “تعرض إلى خداع من قِبل مَن وراء وزير الطاقة وليد فياض وأقنعوه بالموافقة على “تمرير” قرار استدراج النوايا العائد إلى عام 2017 الذي وضعه الوزير السابق سيزار أبي خليل بشكل مخالف للقانون ومرّ عليه الزمن بالاستعانة بالمركز اللبناني لحفظ الطاقة، فكان تفاهم بين رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة ووزير الطاقة على الموافقة على الطاقة الشمسية مقابل الموافقة على ملف التحضير لمناقصة تلزيم معامل الكهرباء على الغاز”.

وفي هذا الإطار سجل بيضون ملاحظات عديدة حول مخالفة القوانين ومرور الزمن وعدم اكتمال الشروط:

1- هي موافقة مخالفة للقانون لأن مجلس الوزراء لم يكن لديه أي صلاحية للموافقة على ما يتعلق بتراخيص إنتاج لأن وزير الطاقة قد بنى طلبه على القانون 288/2014 الذي أعيد العمل بموجبه بالقانون 129/2019 المنتهي الصلاحية بتاريخ 30/4/2022 أي قبل تاريخ انعقاد جلسة مجلس الوزراء حيث أدرج على جدول أعمالها بند الطاقة الشمسية، وبالتالي لم تكن لمجلس الوزراء أي صلاحية في موضوع التراخيص. وإثباتاً لاقتناع الوزير نفسه ان لا صلاحية لمجلس الوزراء في ذلك في جلسة 5/5 /2022، تقدم من مجلس الوزراء بكتاب مؤرخ في 9/5/2022 أرفقه باقتراح قانون لتمديد العمل بالقانون 288 حتى يتمكن مجلس الوزراء من إعطاء تراخيص.

2- لقد نص قانون تنظيم قطاع الكهرباء 462 /2002 على وجود هيئة ناظمة تتولى إعطاء تراخيص وأذونات إنتاج الطاقة على اختلاف أنواعها، بموجب هذا القانون ووفق أصول محددة يقتضي إجراء مناقصات في الحالات التي تتجاوز فيها القدرة المطلوبة للترخيص بالإنتاج الـ 25 ميغاوات واستدراج عروض عندما تكون أدنى من 25 ميغاوات، وبالتالي هناك مخالفة واضحة لهذا القانون إذ لا يجوز اعتماد آليات خاصة من خلال لجنة يؤلفها الوزير وتضم أعضاء من خارج الإدارة وجمعية خاصة.

مع العلم أن وزراء الطاقة منذ عام 2010 حتى اليوم يرفضون إعطاء الهيئة الناظمة أي صلاحيات في مجال التقرير ومنح الأذونات حتى تبقى الأمور تحت قبضة الوزير وسيطرته للتحكم بتوزيعها كما يشاء وما “أدراكم ما وراء التوزيع والتنفيع”.

3- استدراج النوايا الذي وضعه الوزير سيزار أبي خليل سنة 2017 يتطلب تفويض وزير الطاقة التفاوض في خلال سنة، وسنة أخرى لتعديل الاتفاقية، وسنة للتنفيذ، أي أن لا شيء ثابت في المشروع الموافق عليه.

فيما النوايا المعروضة غير نهائية وبأسعار مرتفعة نسبياً ومبنية على أن العارض هو الذي يقدم الأرض حيث سيُنفذ عليها مشروع الطاقة الشمسية ما يعني أنه أدخل في سعره تكلفة الأرض استئجاراً أو تملكاً بينما انخفضت اليوم أسعار الطاقة الشمسية وتكلفة إنتاجها عن العام 2017.

إذاً من الذي يمكنه التأكيد أن هذه الأسعار والشروط والنوايا القديمة لا تزال قائمة، ولم تُسأل الشركات عن التزامها بالعروض. وبحسب الصيغة التي وافق عليها مجلس الوزراء من الممكن أن ترتفع الأسعار لأن مجلس الوزراء طلب من الوزير أن يوافق ويعدّل ويلزّم ويتفق ويوقّع.

ووزير الطاقة مثلاً سأل شركة eni عن التزامها بعرضها عام ٢٠١٨ حول محطات التغويز فاعتذرت. ولم يطرح هذا السؤال على الشركات المرشحة للحصول على تراخيص إنتاج كهرباء من الطاقة الشمسية، بناءً على استدراج نوايا أجراه مكتب الوزير ٢٠١٧، وبالتالي هي نوايا افتراضية ومن المؤكد أنها لم تعد قائمة.

مع العلم أن كلفة الطاقة الشمسية قد انخفضت عالمياً نحو ٤٠٪ عن عام ٢٠١٧، ويتحكم في تحديد كلفتها ٣ عناصر:

-كلفة الأرض، إذ عند تلزيم الطاقة الشمسية على أرض تملكها الدولة تنخفض الكلفة على المستثمر.

-انخفاض كلفة التجهيزات والمواد الخاصة بالطاقة الشمسية عالمياً.

-البيئة الاستثمارية التي تختلف من بلد إلى آخر، ولتخفيف المخاطر في بلد كلبنان يمكن اللجوء إلى إعطاء ترخيص للمستثمر بالإنتاج والتوزيع لطمأنته.

وفيما كلفة الطاقة التي ستباع من قبل هذه الشركات الـ ١١ هي ٥،٧ سنت للكيلواط في البقاع و٦،٣سنت في كافة المناطق خارج البقاع.

إلا أن مقارنة بسيطة مع دول عقدت اتفاقات لتطوير محطات طاقة شمسية في العام ٢٠٢١ تظهر مثلاً تعاقد الحكومة الأرمينية مع شركة “مصدر” الإماراتية بعد تقديمها سعراً تنافسياً لتكلفة إنتاج الكهرباء بقيمة 2.9 سنت للكيلوواط/ساعة.

إذاً عن أي إنجاز يتحدثون والأسعار عالمياً إلى انخفاض مقارنة بالعام ٢٠١٧؟!

4-يجب أن يبنى العرض على اقتراح وزيري الطاقة والمالية، إلا أن وزير الطاقة بنى عرضه على إحالة لوزير المالية في تاريخ 22/4/2022 غير مرقمة، ولا تعني موافقته على إجراءات وزير الطاقة، وإنما يبدي فيها عدم ممانعته، ما يعني أنه ليس اقتراحًا من وزير المالية الذي لا علاقة له بالإجراءات وبالتالي بحسب بيضون هي “تركيبة وإخراج وهندسة اعتدنا عليها من وزراء الطاقة الذين تناوبوا منذ الـ 2010.”

بيضون لفت إلى أن الهدف هو وضع مفتاح تلزيم الطاقة الشمسية في الجيب، قاطعين الطريق على تلزيم الطاقة الشمسية قبل سنتين من تاريخه، متقنين ممارسة “ألعاب الخفة ” لتمرير المشاريع.

انتحال صفة

وعن “المركز اللبناني لحفظ الطاقة” وما تدور حوله من تساؤلات، لفت بيضون إلى أنه شكل من أشكال التحايل وانتحال صفة والإخراج القانوني لتبرير وجود جمعية خاصة لا تبغي الربح ضمن مبنى وزارة الطاقة للعمل تحت إشراف الوزير من دون أن تكون لها أي صفة أو صلاحية قانونية إن كان بإطلاق مناقصات أو استدراج عروض أو إعداد دفاتر شروط ولا يجب أن تتدخل بأي شأن يمس المصلحة العامة والمالية العامة، وما يندرج تحت صلاحيات قانون المحاسبة العمومية وإجراء المناقصات ولم تحصل على براءة ذمة من ديوان المحاسبة لغاية تاريخه. وقد اعترض القاضي إيلي معلوف في ديوان المحاسبة على وجود هذا المركز ضمن الوزارة لأنه يتولى مهامّ عامة لها علاقة بالمحاسبة العمومية و يأخذ مساهمات من الدولة ولم يبررها ولم يقدم حساباته عنها لإبراء ذمته.

هذا المركز وُجد نتيجة تفاهم بين الـ UNDP ووزارة الطاقة في إطار هبة قدمتها الـ UNDP للبنان، وكان هذا التفاهم يقتضي من الدولة أن تقدم المبنى والتجهيزات في إطار تكامل لإنجاز مشروع ما، هذا المشروع أنجز وانتهى ولم يعد للـ UNDP وجود في مبنى الوزارة فحل مكانه هذا المركز أو الجمعية بشكل مخالف للقانون.

ويخبر بيضون هنا عن خلاف في ما مضى بينه وبين الوزير سيزار أبي خليل في مجلس النواب وقال: “حاول أن يأخذ مني أمام لجنة المال والموازنة إقراراً بأن هذا المركز تابع للمديرية العامة للاستثمار بعد أن سأله النواب عن المركز بعد طلبه لـ 6 مليارات، فكان جواب أبي خليل أنه يتبع للمدير العام للاستثمار، وقد بدت على ملامحي علامات الاستغراب، وعندما سئلت يومها كان جوابي أن لا علاقة لي بهذا المركز وليس تابعاً للمديرية العامة للاستثمار، وتلقيت عقوبة في اليوم التالي وقدمت اعتراضاً أمام شورى الدولة وكُسر قرار الوزير”.

وعن توقيع مصرف الإسكان مذكرة تفاهم مع المركز، شدد بيضون على أن المصرف هو مصرف خاص والمركز لا صفة عمومية له بل جمعية خاصة وبالتالي لا مشكلة في عقد اتفاق بينهما ولكن ليس على أساس أنه يمثل وزارة الطاقة أو جزء منها.

ويشير بيضون إلى أن دور المركز اللبناني في القانون 462/2002 ينص على أن إنتاج الطاقة لغاية 1,5 ميغاوات للاستعمال الخاص لا يحتاج لترخيص أو إذن إنما فقط التقيد بالشروط البيئية والصحية والسلامة العامة.

وأمام عدم قدرة الحكومة على المساعدة في هذا المجال، لفت بيضون إلى ما أبداه مراراً بعض المتمولين والمغتربين لجهة استعدادهم لتأمين الطاقة الشمسية للمنازل، وبالتالي لتصدر الحكومة قراراً تحدد شروط السلامة العامة والبيئية والصحية وتفوّض الجهتين الرسميتين اللتين يملكان الصلاحيات والوجود القانوني أي معهد البحوث الصناعية الذي يحدد المعايير والمواصفات المقبولة لأي منتج، والبلديات بتكليفها مراقبة التنفيذ بناء على هذا التصنيف.

ورأى أن ما قاموا به هو تجاوز للبلديات ومعهد البحوث الصناعية والإتيان بهيئة لا صلاحية لها في القانون ولا وجود لها في القانون وأعطيت صلاحية الموافقة ووضع الشروط وتحديد أسماء شركات وتقديم المواطن للطلب أمامها والمراجعة وما يرافق ذلك من استنسابية ومحسوبيات. وبذلك كرّسوا وجود ودور هذا المركز الذي من الممكن أن يحابي بعض الجهات ويفضل جهة على جهة أخرى ويضع مواصفات متوفرة عند جهات غير متوفرة عند أخرى ويحقق منافع أو يساعد جهات معينة على تحقيق منافع تجارية إضافة إلى ما يمكن أن يعانيه المواطن للإفراج عن معاملته.

بين منح صلاحيات استثنائية واستئثار ببعضها واستهتار بالقوانين، نتيجة واحدة مواطن يعيش في العتمة، وقطاع الكهرباء في دوامة لم يُحلّ لغزها بعد أو بالأحرى لا نية لذلك!!..

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us