الحزب في ملجأ الحكومة


أخبار بارزة, خاص 9 حزيران, 2022

كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان” :

كان من ألعاب الصغار، في زمن مضى، لعبة لا أذكر اسمها (ربما لعبة الطاقية)، ولا أذكر اليوم بعضاً من تفاصيلها، وخلاصتها أن يطوف فتى، أو فتاة، حول دائرة يشكلها الرفاق، على إيقاع ترنيمة جماعية حاملاً، أو حاملة، محرمة يرميها، أو ترميها، خلف واحد منهم، تحدده نهاية الترنيمة، ليكون المدعو التالي للجري حول الحلقة، وللسعي، في محاولة التخلص مما يحمل، إلى توريط غيره.

هذه حالنا اليوم بعد وصول سفينة الإنتاج “إنرجين باور” إلى حقل كاريش لتبدأ عملية استخراج الغاز من الحقل المتنازَع عليه مع لبنان: الكل يريد رمي المحرمة وراء ظهر الدولة، والأعلى صوتاً هو الأكثر خوفاً من أن يكتشف أنها خلفه، وأن عضلاته لا تحميه من ورطة، حساباتها أبعد مما اعتاد على تكراره من عروض قوة يوهم الآخرين بأنها لا تقهر.

كل ذلك يجري تحت “نيران” كثيفة من التصريحات، ورسائل التشاور بين بعبدا وعين التينة والسراي، فيما المشهد العام يوحي بأن الدولة اللبنانية ليست سوى كونفيديرالية تربط بين أصحاب النفوذ، من دون اعتبار للمؤسسات، وتسمح لـ”تضامنهم” أن يقفز فوق القوانين، وحتى فوق الدستور، وهي حالة فجة أظهرها ترك الحكومة ورئيس الجمهورية لرئيس مجلس النواب التفاوض، باسم لبنان، مع الموفد الأميركي، على وضع إتفاق إطار لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، في غياب أي دور للحكومة، بينما دور مجلس النواب يفترض أن يكون لاحقاً بإقرار إطار التفاوض في مجلس الوزراء، وبدا دور بري المفتعل تطميناً لحزب الله بأن المفاوض لن يساوم العدو على رأسه، كأن أياً كان يمكنه أن يخون مصلحة لبنان إلا إذا كان من لدن الثنائي الشيعي، وفي ذلك الوجه الآخر لمنطق العهد نفسه الذي يروج مؤيدوه لصعوبة القبول بأن يدير البلاد حكومة يرأسها سني، في حال خلو سدة الرئاسة، لسبب ما.

انطلقت المفاوضات في الناقورة في مقر الأمم المتحدة، بين الطرفين عام 2020 بوساطة أميركية، وتوقفت في أيار من العام الماضي، جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها التي كان يفترض أن تقتصر على مساحة بحرية تقدر بنحو 860 كيلومتراً مربعة، بناء على خريطة أرسلت في 2011 إلى الأمم المتحدة. لكن لبنان اعتبر لاحقاً أن الخريطة استندت إلى تقديرات خاطئة، وطالب بمساحة إضافية تبلغ 1430 كيلومتراً مربعة وتشمل أجزاء من حقل «كاريش» الذي تعتبره إسرائيل ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها وليس في المنطقة المتنازع عليها.

لا يمكن لأي “ولدنة” أن تبلغ هذا الحد من الإستخفاف الذي تعاطى به العهد القوي مع قضية مصيرية، ولا يمكن لأي دولة، عظُمت أم صغرت، أن تدخل في مفاوضات مصيرية، ثم تكتشف أن المعطيات لديها تستند إلى “تقديرات خاطئة”، والأنكى أن يمر ذلك من دون تعليق أو اعتراض، ولا حتى عتب، بينما استبعاد معمل سلعاتا الكهربائي من خطة الحكومة في هذا المجال، استنفر مصالح “أمراء الظلام” وزاد عتمة البلاد، كرمى لاعتراضهم.

يملك مجلس النواب سلطة الرقابة على ما تتخذه الحكومات من قرارات، تحت أي مسمى، فيصدقها أو يرفضها، أو يطلب تعديلها، ويدخل في ذلك ترسيم الحدود باعتبارها شأناً ذا مردود اقتصادي، وليست معاهدة دولية، لكن رئيسه ليس له دستورياً، أن يقود مفاوضات دولية، أياً يكن موضوعها.

ما يهم اليوم هو على أي خط سيسير لبنان: الخط 23 أم الخط 29؟

بعد نومة أهل الكهف نحو سنتين منذ 2020، استكملت خلالهما إسرائيل أعمال التنقيب الواجبة، يستيقظ رئيس مجلس النواب، السابق العائد إلى مقعده، على ضرورة أن تجتمِع الحكومة، وتأخذ قراراً وطنياً بالإجماع بتعديل المرسوم 6433 وتبني الخط 29 وإرساله إلى الأمم المتحدة. وهو المرسوم الذي ينام عليه رئيس الجمهورية، ويواريه بين الملفات التي لها عنده حسابات تتصل بما بعد ولايته، وتسهل، في تقديره، ربما، وصول “الخليفة المنتظر” إلى بعبدا.

في هذا الوقت لا يألو “حزب الله” جهداً لتمرين عضلاته المعنوية، فيهدد أمينه العام حسن نصر الله بأن حزبه قادر على منع إسرائيل من التنقيب واستخراج النفط من المنطقة المتنازع عليها. وقال إنه «لن تجرؤ شركة في العالم أن تأتي إلى كاريش أو إلى أي مكان في المنطقة المتنازع عليها إذا أصدر حزب الله تهديداً واضحاً جدياً في هذه المسألة».

ولا يلبث نائبه الشيخ نعيم قاسم أن يوفر له مخرجاً من هذه “الحشرة”، بأن يرمي الأزمة على عاتق الدولة اللبنانية ويزعم تقديم وصفة عملية: المسألة الآن تتطلب قراراً حاسماً ورأياً حاسماً من الدولة اللبنانيّة، هل هذه الباخرة تعمل في منطقة متنازع عليها أم لا؟ هل حسمت الدولة اللبنانية مسألة الحدود وخط التفاوض أم لا؟ مضيفاً، عندما تقول الدولة إن هذه المنطقة متنازع عليها واعتدت عليها “إسرائيل” سنردّ. أما إذا لم تقل الدولة ذلك، فسننتظر حتى يحسموا هذا الأمر ويتخذوا القرار.

الحزب المعني هو الحزب نفسه الذي فتح حرب تموز 2006 من دون أن يمهل الدولة لتحمي البلد من الدمار الشامل الذي لف الوطن، وهو الحزب الذي يرسل الطائرات المسيرة عبر الحدود لتعرف بها الحكومة عبر وسائل الإعلام العالمية. لكن اليوم ستكون الحكومة من يحمي الحزب من نفسه، ومن غلوائه الإعلامية.

إذاً، حرب وقود بحرية أم لا حرب؟

يرد ديبلوماسي أوروبي: لا تصدقوا ما تسمعه آذانكم، واسألوا زوار واشنطن فلديهم حدود أدوار كل الأطراف.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us