“تفريخ الخبراء” ظاهرة متزايدة في لبنان في الأيام الأخيرة


أخبار بارزة, خاص 20 حزيران, 2022

كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان” :

لطالما قيل أن لبنان “بلد العجايب” حتى أن بعثة “إرفد” IRFED في الستينات تعجبت كيف أن الإقتصاد اللبناني في حال جيدة وليس من مقومات فعلية تجعله كذلك…

البعثة الشهيرة برعاية الأب لوبريه وضعت خطة إنمائية وحيدة في العام 1961 من القرن الماضي، وبقيت يتيمة بفعل مقاومة الطبقة السياسية والنظام الطائفي والتحولات السياسية والعسكرية التي إجتاحت لبنان منذ العام 1975.

أما في هذه الأيام فإن مقولة لبنان بلد العجايب تطورت لتصبح “بلد الخبراء”، خبراء في الإقتصاد والصحة والفيروسات، والنفط والغاز، وترسيم الحدود والخرائط والجيولوجيا، بلدٌ يكثر فيه العرافون والباعة ويقلُ فيه المفكرون والمنتجون، بعد أن غادرته معظم النخب الإنتاجية عبر باب الهجرة إلى بلدان تعرف قيمة كفاءاتهم وخبراتهم ليتحول لبنان مسرحاً لظاهرة ” تفريخ الخبراء”.

ظاهرة بدأت ومنذ ثورة 17 تشرين تشهد إرتفاعاً ملحوظاً في أعدادهم، تبعاً للأزمات المستجدة في الواقع اليومي للبنانيين، ولم لا؟ طالما “الحكي” في لبنان “ما عليه جمرك”، وما من جهة رسمية فاعلة فيه تحاسب على صحة المعلومات وتلاحق مطلقيها يميناً وشمالاً؟

ويعزو الأستاذ الجامعي والباحث في العلوم الإجتماعية والدراسات الإعلامية الدكتور مأمون طربيه في حديث لـ “هنا لبنان” إنتشار هذه الظاهرة إلى العقل الجمعي (أو ما يعرف بالأثر الاجتماعي المعلوماتي أيضاً)، الذي يعتقد الكثير من الناس أنهم يمتلكونه، وهذا العقل عبارة عن الكثير من المعارف والمعلومات والآراء والمواقف والتحليلات، ويحاولون إظهاره من خلال لقاءات وإطلالات صحفية وإعلامية، باعتبارهم أنفسهم من جماعة ذوي المعرفة، ومن حملة هذا العقل”.

وبرأيه يعود ذلك إلى أن الأزمات أحياناً ذات الشأن العام، تستحوذ حديث الناس، وبالتالي نجد الكثير من الناس ممن يرغبون بتناولها، إنطلاقاً مما يسمعونه أو يشاهدونه أو يقرأونه عبر وسائل الإعلام المتنوعة، وهنا إما أن ترى الخبير العلمي المتمكن، وإما من يعتبر نفسه خبير إنطلاقاً من تحليلات، ويؤكد طربيه أنه غالباً ما يكون هذا التحليل “تحليلًا مؤدلجاً” يعبر عن وجهة نظر مؤيدة أو معارضة لجهة معينة، ترغب بتوصيل فكرة معينة حول موضوع ما، أو أزمة ما، وغالباً ما يكون هذا التحليل غير موضوعي، باعتباره نابعًا من إيديولوجيا معينة باتت ذائعة في الوسط اللبناني.

ففي كتابه “سيكولوجيا الجماهير” يقول الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبان أن الإنسان لديه عقلين عقل فردي وعقل جمعي، الفردي هو العقل الذي يميز كل واحد فينا سواء بأفكاره أو معتقداته، أما العقل الجمعي فهو طريقة تفكيرنا تحت سطوة الجماعة أيضاً سواء بالأفكار أو المعتقدات. فيما الفيلسوف الفرنسي وأحد مؤسسي علم الإجتماع الحديث إميل دوركهايم هو أول من لاحظ أثر المجتمع على الفرد وكيف يحدد الكثير من سلوكياته وأفكاره وأسماه أثر العقل الجمعي. إذ إن سطوة أثر الجماعة على الفرد تظهر في قابلية الأفراد إلى الإنصياع إلى قرارات معينة يصرف النظر عن صوابها من خطئها، في ظاهرة تسمى “سلوك القطيع” ولذلك قد تنحصر آراء الجماعات الكبيرة في دائرة ضيقة من المعلومات.

وبالعودة إلى طربيه المحاضر في مواضيع علم النفس الإجتماعي، يوضح أنه إذا أردنا تحليل هذه الظاهرة من زاوية نفسية إجتماعية، فيمكنني ربطها في الحقيقة بشخصية اللبناني أي (caractere)، وتحديداً الإدعاء معرفةً بكل أمر، ومثل هذا الإعتقاد أن اللبناني يفهم بكل شيء إنسحب على كل موضوع، على كل قضية، تحدث على كل أزمة تقع، لافتاً إلى أن من ليس له علاقة يندفع إلى التحدث بما لا يفقه به، ومن هنا لا نستغرب أحياناً من رؤية الفران يتحدث عن استخراج الغاز، أو الميكانيكي يتحدث عن لعبة الدولار، أو سائق التاكسي يبدي وجهة نظر علمية بأن الأمور يجب أن تسير بهذا المنحى أو الإتجاه.

وإذا كانت ظاهرة ا”لعقل الجمعي” تُعد أحد أشكال الانصياع والإذعان، كون المرء عندما يفقد قدرته على اتخاذ موقف من أمر معين، يلجأ إلى الآخرين بحثًا عن مؤشرات وعن القرار الصحيح والموقف المناسب. فإن طربيه يشدد على أن الجميع في لبنان يعتقد أنه يعرف، وينظرون إليك بأنك لا تعرف، وهنا يكمن جوهر المشكلة. ليختم “ومن هنا نراهم يُنَظّرون يميناً وشمالاً، وفي النهاية اللبناني بات اليوم كما قال الشاعر أبو نواس “فقل لمن يدعي في العلم فلسفة حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us