بعد حادثة “ضهر المغر” آلاف المباني في طرابلس مهددة بالسقوط على رؤوس قاطنيها.. البلدية تناشد فهل من مستجيب؟


أخبار بارزة, خاص 2 تموز, 2022

كتبت رانيا حمزة لـ “هنا لبنان” :

من صميم مدينة الحرمان والرمز الخالد في الإهمال “طرابلس” تطل هذه المرة منطقة “ضهر المغر” عبر وسائل الإعلام، مع حادثة انهيار مبنى مؤلف من ثلاث طبقات على رؤوس قاطنيه ووفاة طفلة لم تر من الدنيا إلا بؤسها، وأغلقت عينيها للأبد تحت أنقاض ظلمها.

الحادثة المؤسفة التي وقعت نهار الأحد 26/6/2022، سلطت الضوء على واقع منطقة يعيش أهلها على هامش الحياة، فقبل الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان، كانوا يفتقرون إلى أبسط مقومات المعيشة اللائقة، واليوم اتضح أنهم ينامون على بركان هائج، بات على استعداد للثوران مصدراً الحكم المسبق على سكانها بالإبادة الجماعية وتحويل المنطقة إلى بقايا أطلال.

نعم، فالمبنى المنهار ليس سوى نموذج بسيط، قدر الله، ألّا تقطنه سوى عائلة واحدة أبقاها الفقر أسيرة جدرانه، ولكن معظم أبنية المنطقة هي كناية عن عشوائيات شيّدت دون دراسة بفعل الوساطات الانتخابية وأبنية مهلهلة وآيلة للسقوط. ولم يكن هذا المبنى إلا بمثابة نفير الإنذار الاول، لِما لا يحمد عقباه في حال لم تتدخل الجهات المعنية وتقوم بالمعالجة.

خلال إطلالته الإعلامية إبان وقوع حادثة انهيار المبنى، أكد رئيس بلدية طرابلس المهندس رياض يمق، أن البلدية سبق وأجرت دراسة متكاملة عن الأبنية المتصدعة سواء أكانت أثرية أو تراثية أو أبنية قديمة العهد شملت نحو 400 مبنى أكثريتها مأهولة بالسكان، وقامت بتسليمها إلى الحكومات المتعاقبة مطالبة إياها بالمساعدة في هذا السياق دون أن تلقى آذاناً مصغيةً.

والآن، بعد انهيار المبنى وسقوط ضحية، هي طفلة لم تتجاوز سنواتها الأربع، هل تحركت ضمائر المعنيين للاستجابة لمطالب البلدية؟

الجهات المعنية صمٌّ بكمٌّ عميٌّ

في حديث لموقع “هنا لبنان” مع رئيس بلدية طرابلس رياض يمق، أكد أن أياً من الجهات المعنية لم يتواصل معه بشأن تأهيل وإصلاح الأبنية المهددة بالسقوط في منطقة “ضهر المغر” أو طرابلس وقال: “تلقينا وعوداً من قبل عدد من جمعيات المجتمع المدني كما تلقيت زيارة من قبل النائبين ملحم خلف والدكتور رامي فنج، ومعروف أن النائب خلف لديه جمعية “فرح العطاء” التي تقدم المساعدة في حالات مماثلة ونحن قمنا بتزويده بكل المستندات اللوجستية والهندسية المتعلقة بواقع الأبنية في المنطقة ونحن على تعاون تام معه في هذا السياق”.

أضاف: “إن بلدية طرابلس في ظل إمكانياتها المحدودة والضعيفة، عاجزة تماماً عن القيام بإعادة تأهيل المباني المتصدعة والآيلة للسقوط. لكن جل ما يمكننا القيام به، هو إرسال لجنة الهندسة في البلدية للكشف على أي مبنى تصلنا شكوى بأنه مهدد بالانهيار، وفي حال تأكد وجود خطر داهم نتدخل فوراً”.

ولفت يمق إلى أنه “هناك آلاف المباني المهددة بالسقوط في طرابلس، بأية لحظة”. وأضاف: “نحن لا يمكننا أن نقوم بترميم كل هذه الأبنية، لأنها بمعظمها أبنية سكنية خاصة ولا إمكانياتنا ولا القانون يسمح لنا بترميمها، لأنه في حال قمنا بدعمها وترميمها لن نتوقع أن نحصل على بدل مادي لقاء ذلك، وبالتالي نصبح قيد المساءلة من قبل النيابة العامة المالية التي ستوجه إلينا حتماً تهمة هدر المال العام، لا سيما أنه لن يكون بمقدورنا أن نفرض ضرائب لتعويض الإنفاق فالناس غير قادرين على ذلك”.

تابع: “إن الهيئة العليا للإغاثة بانتظار قرار مجلس الوزراء حتى تقوم بالمساعدة”، لافتاً إلى أنه سبق أن تقدم بكتاب إلى مجلس الوزراء حول موضوع الأبنية المهددة بالسقوط في طرابلس وعلم أنه تشكلت لجنة في الشهر الأول من هذا العام 2022 برئاسة وزير الداخلية والبلديات وعضوية كل من وزراء العدل، والمالية والأشغال العامة، والثقافة الخ.. مهمتها القيام بدراسة كافة الأوضاع المماثلة في لبنان وقال: إن هذا الأمر غير مقبول لأن من يقوم بجولة ويرى واقع الأبنية في بعض أحياء وشوارع مدينة طرابلس يدرك أن لا مثيل لها ليس في لبنان وحسب وإنما في منطقة الشرق الأوسط بأكملها”.

يمق: لم يتقدم أحد بشكوى حول هذا المبنى ولو حصل ذلك لكنا تدخلنا فوراً

وبسؤاله إن سبق وحذرت البلدية سكان المبنى من خطر انهيار أجاب: “قيل عبر الإعلام أن الأهالي سبق أن أخبروا البلدية بواقع المبنى، وأنا طلبت من مصلحة الهندسة في بلدية طرابلس التأكد من ورود شكوى تتعلق بهذا البناء، لكن اتضح أن هذا الأمر لم يحصل أبداً، فنحن عندما تتقدم شكوى من قبل أحدهم في موضوع مماثل نقوم فوراً بإرسال لجنة هندسية من قبل البلدية تكون مهمتها تقييم وضع البناء موضوع الشكوى، ولو تم إخبارنا بهذا الأمر لما كنا سمحنا ببقاء أحدٍ في هذا المبنى، لا سيما وأنه كان متهالكاً وهو يتألف من ثلاث طبقات ولكنها بمجملها فارغة ولم يبق سوى عائلة واحدة لم تملك مكاناً آخراً تذهب إليه”.

وشدد يمق على أن سقوط هذا البناء وضع الأبنية المجاورة في دائرة الخطر وقال: “إن المسألة أشبه بسقوط أحجار الدومينو فعندما يسقط واحد منها يتبعه الآخرون تباعاً”. وناشد الهيئة العليا للإغاثة التدخل وتدعيم الأبنية المحيطة في البناء الذي سقط.

الإغاثة: دعم المباني ليس من مهامنا بل من مهام البلدية

لكن في اتصال لموقع “هنا لبنان” مع رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد الخير أكد أن مهمة الهيئة هي الكشف على المبنى موضوع الحادثة وتحديد حجم التعويضات وأضاف: “إن قانون البناء رقم 646 ينيط البلدية مهمة تحديد الأبنية الآيلة للسقوط ومحاولة دعمها أو هدمها أما مهمة الهيئة فهي محصورة بالتدخل عند وقوع الكارثة. وختم: “أنا أتمنى لو أن الهيئة تملك الإمكانيات المادية اللازمة لكنت قمت باصلاح كل مباني لبنان دون تردد. مشيراً إلى أن الجيش اللبناني سيرسل لجنة للكشف على البناء الذي سقط أيضاً، مؤكداً التعويض على المتضررين بعد تحديد حجم الأضرار وتكلفتها”.

المحسوبيات والوساطة أنشأت العشوائيات المهددة بالسقوط

مع وقوع الكارثة، جرى الحديث عن أن البناء يصنف من الأبنية الأثرية في المدينة، وفي محاولة لاستيضاح الأمر من رئيس لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس خالد تدمري، تم التطرق إلى واقع معظم الأبنية في المدينة المهددة بالسقوط حيث أشار إلى وجود أعداد كبيرة من الأبنية غير المطابقة للشروط الهندسية التي أُنشئت خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وتلك غير المرخصة التي بنيت خلال فترة فوضى الحرب، في السبعينيات والثمانينيات، وما لحقها مطلع القرن الحالي من “همروجات” إضافة الطوابق المخالفة، التي حمل كل منها اسم مسؤول سياسي أو أمني قُبيل انتخابات أو أحداث سياسية معينة، حيث سمح كلٌ في عهده بإضافتها عشوائياً فوق الأبنية الباطونية المتصدعة من الحرب، أو فوق تلك الأثرية المتهالكة التي يزيد عمرها عن مئتي إلى سبعمئة عام، ومنها ما غطّى مآذن المساجد وأخفاها خلفه، وشوّه المنظر العام للمدينة، مثال ما حصل بجوار جامع السنجق في سوق القمح، وملاصقة مئذنة جامع العطار وسط التربيعة.. وكل ذلك دون دراسة إنشائية لوضع أساسات تلك الأبنية سواءً في المناطق الشعبية أو داخل المدينة التاريخية”.

أضاف: “ومؤخراً، وقبيل الانتخابات أيضاً، شهدنا حادثة إنشاء أبنية مخالفة على ضفة النهر الغربية في منطقة “الشرفة” المعروفة بـ “الشلفة”، حيث التربة المنزلقة، وجرى طمر أجزاء من مجرى النهر للبناء عليه، وهو أمر في غاية الخطورة إنشائياً وفيه استهتار بأرواح الناس”. وأشار إلى تقاعس الجهات الأمنية عن قمع المخالفات وهدمها على الرغم مما تشكل من خطر يهدد أرواح قاطني هذه المباني.

واعتبر تدمري أن “الحل البديهي والجذري لمنع خطر الأبنية المهددة بالسقوط يكون من خلال إخلائها وهدمها كما يحصل في دول العالم وتأمين البديل للسكان إلى حين إنشاء مساكن جديدة. أما بالنسبة للمباني الأثرية والتراثية فيتوجب أن تقوم الدولة من خلال وزاراتها المعنية بامتلاكها وإخلائها وترميمها وإعادة استثمارها”.

ثلاثون مليون دولار كلفة تدعيم مباني طرابلس الآيلة للسقوط

وأشار إلى أنه بحسب دراسة البلدية وإحصاءاتها للأبنية التي تحتاج إلى دعم وترميم فإن الأمر يتطلب تخصيص مبلغ يقدر بثلاثين مليون دولار على الأقل. وقال: “طالبنا الهيئة العليا للإغاثة والدولة برمتها تأمين هذا المبلغ، خاصة أن المدينة لم تأخذ نصيبها من وزارة المهجرين التي قامت في حينها بتدعيم وترميم وتعويض كل من تعرضت أبنيتهم للخراب أو التصدع خلال فترة الحرب في كل مناطق لبنان، ما عدا طرابلس والشمال الذي لم يصله سوى الفتات ومشروع الحريري السكني، اليتيم، والذي مع الأسف أيضاً، أتى مكتظاً سكانياً وغير مدروس اجتماعياً أو تخطيطياً وشوّه المنظر العام للمدينة”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us