لماذا لا تشجع الدولة مزارعي القمح حفاظاً على الأمن الغذائي؟


أخبار بارزة, خاص 3 تموز, 2022

كتب د. طوني وهبه لـ “هنا لبنان”:

يواجه مزارعو القمح في لبنان مشاكل عديدة، بدءاً من الري بسبب عدم انتظام تساقط الأمطار، إلى أكلاف الحراثة والبذور والأسمدة والمبيدات والحصاد، التي تضاعفت أسعارها مرات ومرات مما زاد الأعباء على المزارعين وتركهم عرضة للإفلاس وترك الزراعة التي تعتبرها معظم دول العالم زراعة استراتيجية لحماية أمنها الغذائي.

إزاء الضغوط الكثيرة التي يواجهها المزارع، تقف الدولة متفرجة على وضعه المتفاقم سوءاً، ولا تبادر بأي خطوة يمكنها مساعدته على تجاوز هذه الظروف غير المسبوقة، ومد يد العون له من أجل أن يستمر في عمله حمايةً للأمن الغذائي اللبناني خصوصاً في هذه الظروف التي يواجهها الأمن الغذائي العالمي.

ففي الموسم الماضي اتخذ وزير الاقتصاد أمين سلام قراراً قضى بتصدير إنتاج القمح اللبناني القاسي ضمن شروط معينة، وقد لاقى هذا القرار استحساناً كبيراً عند المزارعين، لأن تلك الخطوة سمحت لهم بإدخال “الفريش دولار” الى مجتمعاتهم ما حفّزهم على زراعة القمح لهذا العام وتحمل الأكلاف المرتفعة، لأن عملية تصدير إنتاجهم في العام الماضي أمّنت لهم عوائد مقبولة، وكان من حظّهم هذا العام أن ارتفع سعر القمح في الأسواق العالمية مقارنة مع الأكلاف التي تكبدوها، مما يبشّر بمردود مقبول من العملة الصعبة.

ولأجل متابعة هذا الموضوع زار وفد يمثل مزارعي القمح والنقابات الممثلة لهم منذ قرابة الأسبوع وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال، وطالبوه بالمباشرة بفتح إذن التصدير لأنهم ينتظرون بفارغ الصبر موسم الحصاد لتصدير إنتاجهم والحصول على الأموال بالعملة الصعبة، وقد أوضح لهم الوزير سلام أن التوجه عالمياً هو للحفاظ على الأمن الغذائي أي بمنع تصدير إنتاج القمح المحلي في معظم دول العالم، ولكن القمح المنتج محلياً في لبنان يصنّف كقمح قاس لا يصلح لإنتاج الخبز العربي وسعره في الأسواق العالمية أغلى من القمح الطري الذي نستورده لصناعة الخبز العربي، خصوصاً أن سعر القمح القاسي اللبناني هو الأغلى سعراً في الأسواق العالمية، حيث تصل أسعاره إلى 500 دولار أميركي للطن الواحد في أرضه وقبل شحنه، وبالتالي تساهم عملية تصديره إلى الخارج بإدخال العملة الصعبة إلى لبنان وتعطي أرباحاً أفضل خصوصاً في الأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها البلد.

ويسعى سلام لتلبية حاجات المزارعين في إدخال “الفريش دولار”، مع المحافظة على التوازن الغذائي (الأمن الغذائي) طارحاً العديد من الأفكار التي وصلته من بعض الشركات التي تستورد القمح اللبناني القاسي، وبالمقابل تأمين وحدات غذائية، منها القمح الطري الصالح للخبز العربي والطحين وكل ما يحتاجه لبنان لتأمين حاجياته الغذائية، كنوع من التبادل غير المباشر، حيث تقوم الشركات التي تستورد القمح القاسي بدفع أسعار القمح للمزارعين بحسب أسعاره العالمية وبالعملة الصعبة، ومن ناحية أخرى تفتح المجال لتأمين كميات من القمح الطري أو أي شيء آخر من أجل تعويض الكميات المصدرة من القمح اللبناني.

وفي الأيام القليلة الماضية عقدت لجنة الأمن الغذائي التي يرأسها الرئيس ميقاتي اجتماعاً لها، طرح خلاله وزير الاقتصاد وجهة نظره بأن يتم تصدير القمح اللبناني القاسي والاستحصال بالمقابل على مواد تدخل ضمن الأمن الغذائي وخصوصاً القمح الطري، ومقدماً اقتراحات أخرى، منها أن تقوم الدولة بشراء القمح القاسي من المزارعين وتبقيه في لبنان، كما طرحت أفكارًا مبنية على تجارب بإمكانية استعمال القمح اللبناني بعد خلطه بنسبة تتراوح بين 10 و15 بالمئة مع القمح الطري في صناعة الخبز العربي، وأن تقوم الدولة بشراء القمح وتدفع للمزارعين بالعملة اللبنانية، مما أثار حفيظة المزارعين لأنهم لا يثقون بالدولة بأن تدفع لهم خصوصاً أن تجاربهم السابقة مع الدولة لم تكن مشجعة أبداً، ويرى المزارعون أن الأفضل لهم أن يقوموا بالتصدير دون تدخل الدولة، مؤكدين على أنهم سيقومون بتحركات في هذا الإطار.

وخلاصة القول أنه إذا أرادت الدولة حماية المزارعين حمايةً للأمن الغذائي، عليها مساعدتهم وتقديم ما يريحهم، خصوصاً أن السماح لهم بتصدير إنتاجهم لا يرتب عليها أية أعباء بل العكس من ذلك، يدرّ أرباحاً للمزارعين ويمكّنها مقابل ذلك من الحصول على كميات من القمح الطري الصالح لصناعة الخبز العربي.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar