“يا عيني عَ البلدي”… أوّل سوق مجتمعية متنقلة للمنتجات الزراعية!


أخبار بارزة, خاص 21 تموز, 2022

كتبت ريتا بريدي لـ “هنا لبنان”:

تتحضر المناطق اللبنانيّة لاستقبال أوّل سوق مجتمعية متنقلة للمنتجات الزراعية تنطلق في يوم السبت المقبل في الثالث والعشرين من شهر تمّوز/ يوليو الجاري.

ولطالما جذبت مثل هذه المبادرات في الموسم الصيفي اللبنانيين للمشاركة بها أو التوجه للتواجد في مثل هذه النشاطات، خصوصاً أنّها تُعنى بالمنتجات الزراعية التي يحتاج إليها كل منزل.

تستمر رحلة “يا عيني عَ البلدي” على مدى ثمانية أسابيع، وتبدأ من المركز البطريركي للتنمية البشريّة والتمكين في دير مار سركيس وباخوس في بلدة ريفون الكسروانية، وبعدها تنتقل إلى الحديقة العامة في البترون، ومن ثمّ إلى ساحة البطريركية القديمة في الديمان.

وصولاً إلى السبت 21 آب/ أغسطس حيث ستكون السوق في ساحة إهدن، وبعدها تنتقل بين زحلة، قرنة شهوان، جبيل ودير القمر.

ولمعرفة المزيد عن هذه السوق الأولى المتنقلة للمنتجات الزراعية، يُطلعنا الإعلامي ماجد بو هدير عن كل التفاصيل حول هذا النشاط المهم، حيث انطلقت الفكرة من الواقع الاستثنائي في لبنان والأزمة الكبيرة التي حلّت على الشعب اللبناني في مختلف المناطق، وبالأخص الفئة الشبابية التي واجهت كل المشاكل من بينها الوضع الاقتصادي الصعب، الانهيار، تبدد الأحلام… من هنا رأت الكنيسة أنّ من واجبها أن تأخذ المبادرة لمساعدة كل هؤلاء الأشخاص والوقوف إلى جانبهم.

من هنا بدأ المشروع مع الراحل المونسنيور توفيق بو هدير الذي طبع في ذاكرة الشبيبة المحبّة العميقة وعاش كل مسيرته الكهنوتية إلى جانبهم ولأجلهم، وهو شقيق الإعلامي ماجد بو هدير.

وكان المونسنيور توفيق بو هدير قبل انتقاله إلى جوار الآب، قد طرح على غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي فكرة المشروع انطلاقاً من مبادرة بعنوان: “أرضنا كنزنا”، لتكون أرض الخير والبركة والتي تفيض بالخيرات ويريدون التمسك بها، لذا ليتمكن الشخص من استثمار تلك الأرض يحتاج إلى آلية لتحقيق ذلك.

أمّا بالنسبة لعنوان النشاط: “يا عيني عَ البلدي”، فاختارته شبيبة لبنان لأنّ المونسنيور توفيق بو هدير كان يُردّد هذه الكلمات بشكلٍ دائماً للتغني بالأمور من حوله، لذا وفاء له تم اعتماد هذا الاسم الذي يمكن أن يعني أيضاً “يا عيني على بَلَدي” أي لبنان وجماله وبركة أرضه.

أمّا عن أهداف السوق المجتمعية المتنقلة للمنتجات الزراعية فتنطلق من إظهار أمومة وأبوة الكنيسة ووقوفها إلى جانب الشعب، وتثبيت الناس بأرضهم وخلق إطار مستدام تسويقي لتكون عيّنة لدرس طبيعة الأرض ومعرفة إذا كان من الممكن أن تكون هذه السوق بشكلٍ دائم في المناطق التي ستتواجد بها.

ومثل هذه المبادرة تعمل على تأمين التسهيلات للمواطنين وبالأخص للمزارعين الصغار أي الذين لا يملكون الطاقات التي تمكنهم من فتح أسواقهم أو مؤسساتهم الخاصة.

وفي حديثه لموقع “هنا لبنان” أشار الإعلامي ماجد بو هدير إلى أنّ هذا المشروع نتيجة تضامن وتعاون عدد من الأطراف الذين اجتمعوا كعائلة لتحقيقه وتأمين نجاحه، وأنّ البطريرك الماروني البطريركي مار بشارة بطرس الراعي الكلّي الطوبي، من الداعمين الأساسيين لفكرة النشاط ولكل النشاطات التي تقف إلى جانب كل إنسان يواجه الصعوبات في هذه الأزمات.

وأضاف أنّه لأجل تأمين دعمٍ لهذا الموضوع، نعلم جيّداً العلاقة التاريخيّة بين لبنان وبولندا، فهما شعبان يتلازمان في نضالهما، وما يجمعهما بشكلٍ خاصّ هي شفاعة البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني. ترافق المونسنيور توفيق مع هذا البابا القدّيس منذ بدايات خدمته الكهنوتيّة، ذلك بسبب تأثّره الكبير بشخص البابا القدّيس، وكان مِثالاً كبيراً له لتحفيز الشبيبة وإعطائهم الدور الأساسي في قلب الكنيسة. فرسالة المونسنيور توفيق مع الشبيبة جاءت بوحيٍ من البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني الذي أيضاً أسَّس الأيّام العالميّة للشبيبة التي حمل رايتها أيضاً المونسنيور توفيق الذي كان يدعو الشبيبة للمشاركة فيها؛ ومن ثمّ أطلق في لبنان للمرّة الأولى الأيّام العالميّة المارونيّة للشبيبة التي تُشبه في نموذجها الأيّام العالميّة للشبيبة. وقد جاء حينها 1500 شابًّا وصبيّة من كافّة الأبرشيّات المارونيّة في الانتشار في بلدان العالم إلى لبنان، وكان حدثاً كبيراً جدًّا هدف إلى تعريف الشبيبة على أرضهم وتثبيتهم في جذورهم وإظهار أمومة الكنيسة لهم، لكي يكونوا بدورهم رُسُلاً وجسراً للعبور لبلدهم ووفاءً له.

وانطلاقاً من علاقة المونسنيور توفيق ببولندا، قدَّم هذا المشروع من خلال جمعيّة فينيسيا للقدّيس شربل البولنديّة التي قدَّمَتهُ بدورها إلى تعاونيّة التنمية التابعة لوزارة الخارجيّة في الجمهوريّة البولنديّة، التي وبعد دراسة المشروع والموافقة عليه تمّ تمويله. وقد تمّ تدريب 150 شابًّا وصبيّة على كيفيّة إدارة الأسواق المجتمعيّة الزراعيّة، وتدريب 120 مزارعاً صغيراً على كيفيّة الزراعة، والزراعة العضويّة تحديداً، وتلك المتطوّرة والحديثة التي تلائم التطوّر. كما ويلحظ المشروع استدامةً لهذه الأسواق التي ستقوم بجولات في ثماني مناطق لبنانيّة. وعند وجود عيّنة لنجاح هذا المشروع في المناطق، يلحظ المشروع حينها استدامة هذه الأسواق، أي بقاؤها ثابتةً في المناطق لخدمة المواطنين والمزارعين والشبيبة. إنّ الاستدامة هي الهدف الأبعد من هذا المشروع.

لم يكن المشروع قد تمّ لولا الشراكة الأساسيّة: أوّلاً، التنظيم الأساسيّ هو لجمعيّة “شباب الرجاء” التي أسّسها المونسنيور توفيق سنة 2006، والهدف منها إحاطة الشبيبة، حمايتهم، إظهار طاقاتهم، إمكانيّة تأمين فرص العمل لهم، تدريبهم ومرافقتهم. ثانياً، الشراكة مع مؤسّسة “الإنماء الشامل” التي تولَّت التدريب بحرفيّة كبيرة جدًّا من خلال أخصّائيين في العديد من المجالات حول كيفيّة إدارة الأسواق وموضوع التسويق والتنظيم، إلخ. ثالثاً، الشراكة مع “المركز البطريركي للتنمية البشريّة والتمكين” الذي أسّسه أيضاً المونسنيور توفيق منذ خمس سنوات بطلبٍ من غبطة البطريرك في منطقة ريفون لكي يُظهر الطاقات من خلال تمكين وتدريب الأشغال اليدويّة واللّغات وكلّ ما يساعد الأشخاص كي يكونوا فاعلين، ويشعروا بوجود الكنيسة إلى جانبهم كي تظهر طاقاتهم وتوظيفها من أجل خدمة المجتمع. ورابعاً، شراكة وتنسيق أساسيّ وعمليّ مع مكتب “راعويّة الشبيبة” ضمن الدوائر البطريركيّة، المحرّك لهذا المشروع، والذي كان مسؤولاً عنه المونسنيور توفيق. بعد ما حصل، تولى الخوري روفايل زغيب مكتب “راعويّة الشبيبة” و”المركز البطريركي للتنمية البشريّة والتمكين”، أمّا الاعلامي ماجد بو هدير إدراة “شباب الرجاء” وهم يتابعون هذه الرسالة لتأمين استمراريّتها بحسب روحانيّة المونسنيور توفيق الذي أرساها عطاءً بدون حدود.

ومن خلال اللجان المنتشرة في كافّة الأبرشيّات اللّبنانيّة والتي عددها 13، أمّا الأسواق فعددها 8 لأنّ بعض الأبرشيّات مندمجة مع بعضها البعض في سوقٍ واحدة، ويتمّ تعميم هذا الموضوع من خلال كافّة وسائل التواصل التي يستخدمونها. وقد قُمنا بحملة إعلاميّة شاملة على كافّة محطات التلفزة والإذاعات ووسائل التواصل الاجتماعي واليافطات الإعلانيّة على الطرقات، وقد ساهمَت معنا للإضاءة على هذا الموضوع. أمّا نقل الرسالة للأهالي في المناطق فهي تتمّ من خلال الوسائل المحليّة في الرعايا والمنشورات لتشجيع المشاركة في هذه الأسواق.

هذه المبادرة هي علامة رجاء وإيمان كبيرة جدًّا بأرض هذا الوطن، مع شعبه بطاقاته، بمواهبه، باندفاعه، بإيمانه بأنّ هذا الوطن هو أزليّ، وهو عطيّة من ربّنا لنا بطبيعته، بمياهه، بترابه، بكلّ إبداعاته والنفس الخلّاق في ناسِه. اليوم، في ظلّ هذه الأزمة الكبيرة التي نعيشها، أرضنا كنزنا، هي كنزٌ من الربّ، علينا الحفاظ عليها وعلى بيئتها، ومعرفة كيفيّة استثمارها بحكمة كبيرة ودراية ومسؤوليّة وتنظيم. والشبيبة تُبهرنا بطاقاتها وتنظيمها، واضعين إيمانهم وعِلمهم وثقتهم بأنّ ما يقومون به سينجح يوماً ما. هذا يحفّزهم ويعطيهم الرجاء والفرح أنّه بإمكانهم إضاءة شمعة وسط هذه الظلمة التي نعيشها. المسؤوليّة كبيرة بالطبع، ولكن علينا الوقوف كسدٍّ منيع بوجه الهجرة والقول أنّه بإمكاننا القيام بشيء. الهجرة ليست حلًّا، هي حلّ قسريّ موجع، فلماذا لا نستثمر هذه الطاقات اليوم؟ ولكن يجب أن يكون هنالك مبادرات، وهذه المبادرة هي واحدة من المبادرات العمليّة التي ستحفّز آخرين على القيام بمبادرات مماثلة، لكي نتمكن جميعنا من خلال تعاضدنا وتضامننا من أن نعطي الصورة الأجمل عن مجتمعنا، ونقول أنّ لبنان بألف خير، ولبنان لديه شفعاء وقدّيسين في السماء يتابعون مسيرته، ولدينا اليوم مُلهمنا المونسنيور توفيق الذي أعطانا مِثالاً كبيراً جدًّا حول كيفيّة العطاء بدون حدود، وقد دفع ثمن هذا العطاء حامِلاً همّ الشبيبة والكارثة الكبيرة التي ألمّت بهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، واصلاً الليل بالنهار كي يتمكّن من تأسيس مشاريع والقيام بمبادرات، زارعاً في قلوب الشباب الرجاء والحبّ إلى أقصى حدّ. كان يعشق هذا الوطن، يعشق لبنان، فأعطى مثلاً أمام الشبيبة لكي يحبّوا هذه الأرض ويعطوها قدر الإمكان دون إضاعة الوقت، لأنّ الوقت يمرّ بسرعة، وهو كان خير مِثال على ذلك. وختم الإعلامي ماجد بو هدير الحديث بالقول: “فليكن هذا الوقت مليئاً بالإنتاج، ولنترك بصمات فيه، رافعين راية الحب والعطاء ولبنان والفرح والثقة والإيمان بالله بأنّه لا يتركنا أبداً وسيكون معنا دائماً”.

من هنا، الجميع مدعو للمشاركة بالسوق المجتمعية المتنقلة للمنتجات الزراعية في مختلف المناطق اللبنانية للاستفادة من هذه الفرصة المهمة في مثل هذه الأيّام بوطننا لبنان الذي سيبقى رسالة على مدى التاريخ.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us