بين “دولرة” أقساط الجامعات الخاصة ونقص تمويل الجامعة اللبنانية… ما هو مصير الطلاب في لبنان؟


أخبار بارزة, خاص 19 آب, 2022

كتبت ريتا عبدو لـ “هنا لبنان”:

لطالما كان لبنان يصدّر أذكى طلّابه إلى الخارج، لطالما كانت جامعاتنا اللبنانية والخاصة عريقة بعلمها وأساتذتها وبرامجها التعليمية… لطالما كان طلابنا يتهافتون لامتحانات الدخول واختيار اختصاصاتهم المفضلة… لكن للأسف، موجة “الدولرة” في بلدنا، ها قد وصلت إلى القطاع التعليمي وتحديداً إلى الجامعات الخاصة! فبعد أن كان الطالب يدرس ويعمل في وقت واحد، ليدفع قسط جامعته الذي كان يبلغ مثلاً حوالي الـ 30 مليون.. كيف سيؤمن اليوم مبلغ “الفريش دولار” الذي تطالب به بعض الجامعات ويدفع القسط الجديد الذي قد يفوق الـ 100 مليون سنوياً؟! “الحكي هيّن”، لكن الحقيقة مرّة ومخيفة على المدى الطويل… فهل نشهد تسرّباً جامعياً في القريب العاجل؟ أم يكون الحل الهروب نحو الجامعة الوطنية؟

طلّاب لبنانيون “ضحية” دولرة الأقساط!

لِيا صبية لبنانية، تخرّجت هذا العام وحازت على شهادة البكالوريا بتفوّق مذهل! قرّرت أن تدرس الهندسة الزراعية، لكن لسوء الحظ لم تلحق باختبارات الدخول في الجامعة اللبنانية لأنها أقيمت حتى قبل صدور نتائج البكالوريا، لذا اتجهت نحو عدة جامعات خاصة وجدت فيها اختصاصها… طبعاً صُدمت الطالبة بالأقساط التي تفوق قدرة أهلها على دفعها… أما شادي الذي “كان” يدرس الإعلام في إحدى الجامعات الخاصة، فقد ترك جامعته واختصاصه وزملاءه والتحق بالعمل في محل بيع آلات موسيقية ليُعيل نفسه وأمه المريضة! بحزن أتساءل.. هل ممنوع أن نحلم ونعيش ونتعلم ونعيل عائلاتنا في هذا البلد؟ هل علينا دائماً أن نجبر على الاختيار حتى لو كان الخيار ضدّ مصلحتنا؟ هل من المسموح أن يكون الطالب “كبش محرقة” ويدفع الثمن في النهاية؟ هل التعلّم أصبح فقط للـ “مرتاحين”؟ …

برأي عدد من الطلاب، من غير المقبول أن تتقاضى الجامعات الخاصة مبالغ بالفريش دولار، فهم يتعلّمون في أرض الوطن، وإلّا لكانوا سافروا إلى بلاد أخرى ولكانوا تعلّموا في جامعات عالمية… فمن له القدرة في هذه الأيام على دفع ولو 500$ فريش فقط؟

في المقابل، بادرت عدة جامعات منها الجامعة اللبنانية الأميركية والجامعة الأميركية في بيروت إلى رفع أقساط فصل الربيع لعام 2021، أوّلاً على سعر صرف 3900 ليرة للدولار الواحد على أساس تعميم 151، ومن ثم على سعر صرف 8000 ليرة للدولار الواحد. وبالتالي الدولرة ستستمر أيضاً لخريف 2022-2023 تزامناً مع ارتفاع سعر صرف الدولار يوماً بعد يوم! أما بقية الجامعات فلا زالت تدرس قراراتها النهائية، بخصوص موضوع استيفاء جزء من الأقساط بالفريش دولار.

وفي تصاريح سابقة للخبير الاقتصادي جهاد الحكيّم اعتبر أن دولرة الأقساط للجامعات العريقة التي عُرفت على مرّ الأزمنة بمستوى تعليمي رفيع، ممكن أن تكون مبرّرة لتتمكن من المحفاظة على الموارد البشرية فيها، من أساتذة وكوادر تعليمية كانوا السبب الأساسي لتميّز الجامعة. في هذا السياق، تأتي الدولرة كحلّ إنقاذي لوقف خسارة الموارد البشرية الكفوءة، وحماية الجامعة من الإفلاس نظراً لأن مصاريفها كلها أصبحت على الفريش دولار!

التحديات التي يواجهها طلاب الجامعات اليوم!

أما عن موضوع انعكاس هذه الأزمة على الطلاب، فأجرى موقع “هنا لبنان” مقابلة خاصة مع الدكتور هاني صافي، الذي أكد أنّ الأزمة الاقتصادية أثقلت كاهل الطلاب وصعّبت إمكانية استكمال دراستهم الجامعية، فكان الخيار إما الانتقال إلى جامعة خاصة أقل كلفة، أو التوجه نحو الجامعة اللبنانية، الجامعة الوطنية التي تستقبل الطلاب مهما كانت أوضاعهم الاقتصادية. في سياق آخر، تبرز مشكلة صعبة على الطلاب وهي مشكلة التنقل من وإلى الجامعة، خاصة إذا كان بيتهم في مناطق بعيدة عن مقر الجامعة، فحوالي 70% من الطلاب لا يملكون سيارات خاصة، وبالتالي يدفعون حوالي ٣٠٠ ألف ليرة يومياً… أما من الناحية النفسية، فهذا الأمر من الطبيعي أن يؤثر على نفسية الطالب وقدرته على التركيز والدرس وتحصيل نتائج جيدة! خاصة إذا كان أهل الطلاب من ذوي الدخل المحدود، ويجدون صعوبة حتى في دفع كلفة التنقل اليومي! أمور أخرى تضاف إلى قائمة التحديات التي تواجه طلاب الجامعات في لبنان سواء في الجامعة اللبنانية أم في الجامعة الخاصة.

أما بخصوص التسرّب الجامعي، فاعتبر صافي أن هذا الأمر ممكن أن يحدث من الجامعات الخاصة إلى الجامعة اللبنانية، أو من جهة أخرى، ممكن أن يحدث من خلال ترك الطالب العلم الجامعي نهائياً، وهنا تكمن المشكلة الأكبر، خاصة أمام مستقبل الجامعة اللبنانية المجهول حتى الآن!

هل من خطر على مستقبل التعليم الجامعي في لبنان؟

نعم! وبفم ملآن، فماذا يعني أن يتوقف طلابنا عن استكمال دراساتهم الجامعية مهما كان نوع اختصاصهم؟! في هذا السياق، يؤكد صافي أن لهذه المشكلة تداعيات كبيرة جداً على الشباب والصبايا، فهذه الأزمة تجعل الطالب يدفع الثمن، وبالتالي يتأثر مستوى الشهادة اللبنانية، ومستوى سوق العمل في لبنان، وطبعاً يتأثر صيت اللبنانيين في الخارج، إذا أرادوا العمل أو حتى استكمال دراستهم. وأوضح صافي أن الأساتذة يلاحظون في السنوات الأخيرة ضعفاً في نتائج امتحانات الدخول لدى خريجي شهادة البكالوريا، طبعاً بسبب الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالبلد، فكل ذلك سيؤثر على أداء الطلاب.

هل الجامعة اللبنانية قادرة على استيعاب أعداد طلاب إضافية؟

“الجامعة اللبنانية من حيث إدارتها، وأساتذتها وفروعها تستطيع استقبال طلاب جدد لكن المشكلة هي في التمويل”. وشرح صافي أن قبل بداية الأزمة، خُفّضت ميزانيتها السنوية من ٣٢٠ مليون دولار، إلى ٢٥٠ مليون دولار. واليوم طبعاً انخفضت هذه القيمة أكثر، إذ يتم دفعها بالليرة اللبنانية على أساس صرف ١٥١٥. لكن أمام حجم الجامعة اللبنانية، وعدد طلابها وإداراتها وفروعها وأساتذتها، لا ولن تكفيها ميزانية كهذه، وبالتالي بدأت معاناة الجامعة اللبنانية حتى قبل بداية الأزمة، فمثلاً أستاذ الجامعة الذي كرّس ٣٠ سنة من عمره في خدمة هذا المرفق، راتبه لا يتعدى الـ ٢٠٠$!

وختم صافي حديثه بتوجيه رسالة إلى الطلاب بالقول: “نحن جيل حرب، لم نستسلم يوماً رغم القصف والدمار، استكملنا تعليمنا وتدريباتنا، وبقينا مواظبين على التعلم حتى تخرجنا، لنخوض تجارب جديدة في سوق العمل، لقد حاربنا للحصول على شهادة جامعية… هذه هي الظروف القصوى التي عشناها… يا شباب ويا صبايا، عليكم أن تواظبوا، رغم كل الظروف ابقوا متمسّكين بالعلم للحصول على شهادة جامعية تفتخرون بها، لا تستسلموا، لا تركعوا، وكونوا أقوى من كل الظروف!”

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us