“ما خلونا”: الطلقة الأخيرة في الحرب بين بري وعون


أخبار بارزة, خاص 5 أيلول, 2022

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

عشية بدء المهلة الدستورية لإنتخاب رئيس الجمهورية، إختار رئيس مجلس النواب نبيه بري فتح النار على عهد الرئيس ميشال عون الذي تنتهي ولايته في نهاية تشرين المقبل. وعلى الرغم من أن الرئيس بري بحكم موقعه على رأس السلطة الاشتراعية التي ستنتخب خلفاً للرئيس عون، فإنه اختار موقع المعارض للعهد الحالي، ما طرح أسئلة عدة حول أبعاد هذه المواجهة بين الرئاستين الثانية والأولى؟

في الشكل، لم يراعِ الرئيس بري أن في مقدمة الحضور في المهرجان الذي أقامته حركة “أمل” يوم الأربعاء الماضي في مدينة صور لمناسبة الذكرى ٤٤ لتغييب الإمام الصدر ورفيقيه، أعضاء بارزين في فريق رئيس الجمهورية الحكومي وفي “التيار الوطني الحر” الذي يترأسه النائب جبران باسيل، وهو تيار الرئيس عون السياسي. ففي الصف الأمامي في المهرجان، جلس وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري ممثلاً رئيس الجمهورية، نائب رئيس مجلس النواب الياس أبو صعب، النائب غسان عطالله ممثل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

أما في المضمون، فقد صوّب بري مباشرة على التيار بإختيار ملف الكهرباء كعنوان لأسوأ أزمة يمر بها لبنان، فسأل: “هل هناك بلد في الكون كله نسبة التغذية فيه من التيار الكهربائي صفر؟” ثم سأل: “هل من أحد في هذه السلطة المختبئة خلف الشعارات “ما خلونا” أن تجيب على سؤال ما هي المبررات لعدم تشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء هيدي حارمتنا الغاز من مصر والكهرباء من الأردن وحارمتنا النفط من هون ومن هون. الهيئة الناظمة هي شرط من شروط البنك الدولي وشرط من شروط الغرب لعلها ذريعة لكن لماذا لا تنفذ القانون صادر من عشرات السنين وما كانت تنفذ.. تصوروا أن الحجة لازم يتغير القانون بدل ما نطبق القانون؟ هذه الهيئة الناظمة استنزفت أكثر من ثلث مالية الدولة والدين العام لا أحد يصدق وأكثر من ذلك عشرات القوانين 74 قانون صادر عن مجلس النواب ليس لهم مراسيم تنفيذية وأنا متأكد لو نفذت هذه القوانين لما كنا في هذا الوضع الذي نحن فيه الآن”.

 هذه المفارقة التي لم يراعِ فيها رئيس حركة “أمل” ما هو معروف في التقاليد المحلية مقولة “يا ضيفنا لو زرتنا…” قد دفعت رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد ممثلاً الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله إلى الضحك، وهو ما لفت الرئيس بري وعلق عليه مبتسماً.

هل هناك من كتب لرئيس مجلس النواب هذه الفقرات من خطابه وفتح فيها النار على رئيس الجمهورية وتياره السياسي؟

في المعلومات، أن هذا الجانب من الخطاب قد أعدّه بري بنفسه وقرر تلاوته مع كل الوضوح فيه لجهة تحميل العهد أسوأ ما في أزمة لبنان، ألا وهي الكهرباء واستنزافها “أكثر من ثلث مالية الدولة والدين العام” وفق ما قاله رئيس المجلس.

ولدى سؤال أوساط سياسية مواكبة للرئيس بري: هل هذه الحملة التي شنّها الأخير على العهد وتياره السياسي ستكون في مصلحة الرئيس عون وتياره الذي سيعتمد على هجوم بري كي يعود إلى المسرح الداخلي مزوداً بـ “خصومة حرزانة” تبرر “مظلوميته” كما يفعل دوماً؟ فكان جواب هذه الأوساط: لا يبدو أن حسابات رئيس المجلس في وارد “تقديم خدمات” للعهد وتياره، بل على العكس، فإن هذه الحسابات تعبّر عن توجه لـ “تصفية حسابات” بينه وبين غريمه السياسي الذي لم تكن العلاقات بينهما على ما يرام منذ جلسة انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية عام 2016. وأعادت هذه الأوساط إلى الأذهان التجارب المريرة التي مرّت بها العلاقات بين الجانبين ما أدى إلى تفاقمها ووصولها إلى الشارع. ورأت الأوساط ذاتها أن الرئيس بري يريد أن لا يكون للعهد الحالي أية إستمرارية بعد نهاية ولايته خلال أقل من شهرين.

في المقابل، ووفق ما بات معروفاً، سيرد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب باسيل على هذه الحملة التي شنّها رئيس حركة “أمل”، علماً أن هناك صمتاً لافتاً لجأ إليه التيار منذ الأربعاء الماضي فلم يعلّق على حملة بري ضده.

وفي اعتقاد أوساط سياسية محايدة في المواجهة بين زعيم حركة “أمل” وبين التيار العوني، إنّ الأخير بات مقتنعاً أن معركته الفعلية ستبدأ بعد نهاية العهد، أي بعد 31 تشرين الأول المقبل. وعندئذ ستكون قد بدأت فترة الفراغ الرئاسي التي يتطلع إليها التيار كما فعل أثناء الفترة نفسها عندما شغر منصب الرئاسة الأولى بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في أيار 2014. وبفضل التدخلات الخارجية التي قادتها إيران وقادها مباشرة “حزب الله” على المستوى الداخلي، تمكن مؤسس التيار من الوصول إلى قصر بعبدا.

هل “ستسلم الجرّة هذه المرّة” كما يقول المثل؟ بالتأكيد ليس هناك من يؤمن أن الظروف التي أوصلت العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا قبل ستة أعوام قد تتكرر. لكن، من كان في وضع كوضع العهد الحالي وتياره السياسي، لن يوفّر أية وسيلة كي يحافظ على إرثه الذي أورث لبنان أسوأ الأزمات في تاريخه. لكن من كان في موقع هذا الفريق، سيجد نفسه مضطراً للدفاع عن نفسه كي لا يخضع للمساءلة الواجب أن يخضع لها في أي وقت. وهو في هذه الحالة قد وضع ثقته بالفريق الذي أوصله إلى السلطة أي “حزب الله” الذي هو عملياً في القارب نفسه مع التيار العوني يتحمل المسؤولية نفسها وربما أكثر، عما آلت إليه الأمور في هذا البلد.

وفي خلاصة هذا المشهد، بدا الرئيس بري كمن يطلق الطلقة الأخيرة في الحرب بينه وبين الرئيس عون. لكن الحرب ككل الحروب ليس هناك من يضمن كيف ستكون نهايتها، علماً أن لبنان يتطلع إلى نهاية هذا الفصل المظلم من تاريخه.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us