لعيون موقوفي “التيّار”… “منِقبَع” القاضي بيطار!


أخبار بارزة, خاص 9 أيلول, 2022

كتب إيلي صروف لـ “هنا لبنان”:

لا نُبالغ إذا اعتَبرنا أنّ ما يحصل على صعيد ملفّ التّحقيقات بانفجار مرفأ بيروت الكارثي، تخطّى حدود التّعطيل والتّمييع والعرقلة، وأصبح إجرامًا موصوفًا على الملأ. ولا نكيلُ الاتّهامات جزافًا، إذا قلنا إنّ رصاصات التيّار البرتقالي التّعطيليّة والتّخريبيّة لم توفّر الجسم القضائي، الّذي يصارع أساسًا سرطان الفساد والكيديّات والاستنسابيّة.

هذا التيّار الّذي لم يوفّر مناسبةً إلّا وانتَقد خلالها التّدخّلات السّياسيّة بالقضاء، وحَمَل ظاهريًّا راية المطالَبة باستقلاليّته، دخل بدوره “بالعرض” على خطّ الإفراج عن عددٍ من الموقوفين في قضيّة انفجار المرفأ، المحسوبين عليه سياسيًّا، وأبرزهم المدير العام السّابق للجمارك بدري ضاهر.

ففي 6 أيلول الحالي، زار وفدٌ نيابيٌّ من تكتّل “لبنان القوي” رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، لمناقشة ملفّ توقيف ضاهر وآخرين، تزامنًا مع اعتصام نفّذه أهالي الموقوفين بقضيّة انفجار 4 آب أمام قصر العدل في بيروت، للمطالبة بتحريك التّحقيقات ومحاكمة المذنبين والإفراج عن الأبرياء. وبعد اللّقاء الّذي تخلّله تلاسنٌ بين النّائب شربل مارون والقاضي عبود، كشفت النّائبة ندى بستاني، في تغريدة لها، “أنّنا اجتمعنا مع وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى، بمواكبة التيّاريّين وأهالي الضّحايا والموقوفين ظلمًا، لتحريك ملفّ ضاهر ورفاقه. انشالله بيصدر قرار بسرعة لتعيين قاضي بديل للبتّ بإطلاق سراحن وتبيان الحقيقة”.

هذا التّمنّي “البريء” سرعان ما تحوّل إلى إجراءٍ حسّيٍّ أقرب ما يكون إلى السّابقة الخطيرة، تَمثّل بموافقة مجلس القضاء الأعلى على تعيين محقّقٍ عدليٍّ لمعالجة الأمور الضّروريّة والملحّة بانفجار مرفأ بيروت، طيلة فترة تعذُّر قيام المحقّق العدلي الأصيل، القاضي طارق بيطار، بمهامه، كطلبات إخلاء السّبيل والدّفوع الشّكليّة على سبيل المثال؛ وذلك بناءً على كتاب أرسله وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري. وأَرجع الوزير الّذي يُفترض أنّه مؤتمَن على العدل والعدالة، السّبب إلى “تردّي الوضع الصحّي للموقوفين، ودخول أحدهم بصورةٍ طارئةٍ إلى المستشفى نظرًا لتدهور حالته الصحّيّة”.

هرطقةٌ مريبةٌ تُعرقل سير التّحقيقات، وتنصُب فخًّا جديدًا يؤخّر كشف النّقاب عن الحقيقة، على الرّغم من الثّوب التّجميلي الّذي يحاول داعموها إلباسها إيّاه؛ من خلال تبرير التّحرّك والقرار بمحاولة نزع “الظّلم” اللّاحق بالموقوفين البريئين. في هذا الإطار، وَجدَ عضو مكتب الادّعاء في نقابة المحامين عن انفجار مرفأ بيروت المحامي يوسف لحود، لـ”هنا لبنان”، أنّ خطوة تعيين قاضٍ رديفٍ للقاضي بيطار “غير قانونيّة”.

وأوضح “أنّني لست ضدّ الغاية من هذا الإجراء، بل ضدّ الوسيلة المتّبَعة. إذا كانت الغاية البتّ بإخلاءات سبيل موقوفين ليس لديهم قاضي تحقيق يبتُّ بملفّاتهم، فهي مقبولة، لكنّ الأسلوب الّذي اتُّبع خاطئ وغير قانوني”، مشيرًا إلى أنّه “كان بالإمكان فكّ الطّوق عن بيطار من خلال معالجة النّقاط الّتي كانت تعرقله، وإعادته إلى سكّة العمل، فيبتَّ هو بإخلاءات السّبيل. لم يكونوا بحاجةٍ إلى اتّباع أساليب مخالِفة للقانون وتشكّل خطرًا مميتًا على التّحقيق بأكمله، للبتّ بإخلاءات السّبيل”.

وعن كيفيّة فكّ الطّوق المذكور، شرح لحود أنّه “كانت هناك وسيلتان: أوّلًا، أن يوقّع وزير المال مرسوم التّشكيلات الجزئيّة لاستكمال الهيئة العامّة، وثانيًا أن يعدّل المجلس النّيابي المادّة 125 من أصول المحاكمات المدنيّة، الّتي تتيح لطلبات الردّ أن توقف حُكمًا المحقّق العدلي عن ممارسة عمله”. ورأى أنّه “كان يمكن مقاربة هاتين المسألتين، من دون مخالفة القانون، والإتاحة لبيطار العودة إلى الملفّ، للبتّ بطلبات إخلاء السّبيل”.

مهمّة المحقّق العدلي الثّاني لا تزال غير واضحة المعالم، وما إذا ستكون محصورةً بنقاطٍ محدّدةٍ، وسط تعدّد الآراء القانونيّة. وتساءل لحود في هذا السّياق، “كيف سيَتسلّم القاضي الرّديف ملفّ التّحقيق؟ إذا افترضنا أنّ قاضي التّحقيق الأصيل رفض تسليمه إيّاه، فهل سيتمّ خلع بابه لاستلامه؟ هذه معضلة تضرّ بهيبة القضاء”، سائلًا: “إذا استلم القاضي الرّديف الملفّ، كم من الوقت سيستغرق لقراءته؟ وهل يمكن البتّ بإخلاءات السّبيل من دون قراءة الملفّ، الّتي تحتاج أقلّه إلى نحو 5 أو 6 أشهر؟”.

ولفت أيضًا إلى أنّ “قاضي التّحقيق الأصيل ربّما اتّخذ قرار توقيف أحدهم على اعتبار أنّ العمل الّذي ارتكبه هو جناية قتل، في حين أنّ القاضي الآخر قد يعتبره جنحة إهمالٍ، فيُخلي سبيله. إذًا، هناك تعارضٌ في هذه الحالة، وبالتّالي الأمور مفتوحة على إشكاليّات خطيرة، لم يكن يجب أن يقعوا فيها”. وشدّد على أنّ “تعيين قاضي تحقيق في ظلّ وجود قاضي تحقيق آخر، هو أمر مخالف بصورة فادحة للمادّة 360 من أصول المحاكمات الجزائيّة”.

يُذكر أنّ المادّة المذكورة أعلاه، تنصّ على أنّه: “يتولّى النّائب العام التّمييزي، أو من ينيبه عنه من المحامين العامّين لدى النّيابة العامّة التّمييزيّة مهام تحريك الدّعوى العامّة واستعمالها. يتولّى التّحقيق قاضٍ يعيّنه وزير العدل، بناءً على موافقة مجلس القضاء الأعلى”.

وعمّا إذا كان من الوارد الطّعن بهذه الخطوة، كشف لحود “أنّنا ندرس كلّ الوسائل القانونيّة المتاحة والممكنة والمشروعة، للتّعامل مع هذا القرار غير القانوني”، معيدًا التّأكيد أنّه “مهما كانت الدّوافع، فهي لا تجعل من القرار قانونيًّا”.

مَن اعتقَد أنّ مسلسل “قبع” القاضي بيطار انتهى، يكون مخطئًا. فتيّار العهد، حليف “الثّنائي” الّذي كان بطل الموسم الأول، حمَل شعلة التّعطيل، وحضّر سيناريو الحلقات المقبلة؛ الّتي سيتّهم فيها طبعًا جهات سياسيّة أخرى بالتّدخّل في عمل القضاء. وكلّ الأنظار شاخصة اليوم نحو الخطوات المرتقبة للقاضي بيطار، فهل سيتعاون مع “ضرّته” الّذي لا يزال مجهول الهويّة، أم أنّ الاستقالة ستكون خياره؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us