تلوث الهواء في لبنان: المصادر والمخاطر متعددة والحلول لا تعني المعنيين بشيء


أخبار بارزة, خاص 27 أيلول, 2022

كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:

المال مهما بلغت قيمته ليس بأهمية صحة الإنسان، وعندما نتكلم عن 6,4 ملايين حالة وفاة سنوياً على مستوى العالم بسبب تلوث الهواء الذي يعد السبب الرئيسي لحدوث الأمراض وحالات الوفاة المبكرة، نلتمس مدى خطورة هذا النوع من التلوث على صحتنا وحياتنا، حيث يتعرض مليارات الأشخاص لتركزات الجسيمات الدقيقة بقطر 2,5 ميكرون سواء داخل المنازل أو خارجها. ويعد لبنان بين الأعلى بمعدل الوفيات والكلفة الإقتصادية جراء تلوث الهواء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مسجلاً نسبة 3.8 لكل 10 آلاف شخص، وفق أحدث دراسة لمنظمة غرينبيس العالمية غير الحكومية.

وبحسب البنك الدولي يُعد الفقراء وكبار السن والأطفال الصغار الذين ينتمون إلى أسر فقيرة هم الأكثر تضرراً من الآثار الصحية المرتبطة بتلوث الهواء، وهم أيضاً الأقل قدرة على التعامل معها. وتؤدي الأزمات الصحية العالمية، مثل جائحة فيروس كورونا، إلى إضعاف قدرة المجتمعات على الصمود والتحمل. ومما يزيد الأمر سوءاً العلاقة بين التعرض لتلوث الهواء وزيادة حالات دخول المستشفيات بسبب الإصابة بالفيروس والوفيات المرتبطة به.

وخلصت دراسة أجراها البنك الدولي مؤخراً إلى أن انخفاضاً في تركيز الجسيمات الدقيقة بالقُطر المذكور بنسبة 20% يرتبط بزيادة بنسبة 16% في النمو في معدلات التشغيل وزيادة بنسبة 33% في معدل نمو إنتاجية العمالة.

وفي هذا السياق يؤكد خبير السموم البيئية والأغذية مع جمعية المستهلكين في لبنان جوزيف الصايغ في حديث لـ “هنا لبنان” أن إجمالي الموت من الملوثات الجوية يرتبط ارتباطًا مباشرًا بمستويات حرق النفايات من خلال المحارق المحلية أو حرق النفايات البلدية والصناعية في الهواء الطلق، فيما الحكومة بوزاراتها كافة والبلديات المحلية غير مهتمة بتنفيذ قوانين البيئة وقوانين حماية المستهلك”، مستبعداً أن تصبح صحة المواطن أولوية لدى الدولة بسبب هيمنة المصالح الخاصة للشركات الملوثة.

ويكشف عن تلقيه العديد من الأوراق البحثية الصادرة هذا العام، التي تُظهر أن أولئك الذين لديهم استعداد للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي أو القلب، والذين تم تطعيمهم بلقاحات covid-19 هم الأكثر عرضة للإصابة بمضاعفات طبية خطيرة والتهابات وأمراض سرطانية ووفيات بأرقام قياسية على الإطلاق.

أما الجانب الأخطر من التلوث راهناً، فهو ليس التلوث الحاصل حتى في أسوأ المواقع كالأوتوسترادات ومداخل العاصمة التي تشهد أزمة سير، وحتى من يعيشون في الطوابق الأولى على الأوتوسترادات وفي الشوارع الرئيسية، بل التلوث الذي يصيبنا جراء تناول الطعام المكون بمعظمه من الخضروات الورقية (الحشائش) والأعشاب، والتي يتم رشها منذ عدة سنوات بمبيدات سامة ضد الحشرات.

ووفق الصايغ فإن هذا النوع من التلوث يشكل أكبر خطر على بيئة وصحة الإنسان، وخاصة في فصل الصيف” حيث لاحظنا بلديات وحتى أقضية تقوم برش النباتات والخضروات الورقية بسم ضد البعوض، هذا النوع من السم خطير جداً على سكان القرى والمدن، وكل من يتنشق رائحته، مما يسبب عدة مخاطر على المواطن وصحته”، ومنها أمراض والتهابات لدى الأطفال ومخاطر على المرأة الحامل (يصاب الجنين بتشوهات خلقية)، كذلك مخاطر على صحة الكبار بالسن.

ومن هنا بات يمكننا القول بأن البيئة في لبنان كما الإقتصاد تنحدر من سيئ إلى أسوأ، فتلوث الهواء يتفاقم نتيجة إنبعاث الغازات السامة وغياب الإجراءات الرسمية المطلوبة، وواضح تأثير الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية على خيارات اللبنانيين تجاه السيارات التي يقتنونها ونوعية الفيول التي تقوم الدولة باستيراده، حيث أن معظم السيارات تعمل على البنزين واليوم زاد عددها عما كان عليه في العام 2020 (1.700 ألف سيارة مسجلة) والجزء الأكبر منها موجود في العاصمة. فكيف يصبح المشهد في ظل غياب المراقبة الحقيقية والحثيثة لنوعية الوقود المستورد؟

ويختم الصايغ متطرقاً إلى ما شهدناه في السنتين الأخيرتين عندما قامت الفاو بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية برش مادة خطيرة جداً من خلال الطائرات، وهي ضد الفطريات وضد حشرة معينة، في بعض الأحراش كأحراش الصنوبر لتفادي وباء معين يفتك بالأشجار وهذه ظاهرة غير علمية وخطيرة جداً. وهذا الإجراء توقفت عنه الكثير من البلدان في الغرب بعد أن تلمست مخاطره على البيئة والحيوان والإنسان.

وبصورة أدق تعتبر الكثير من المدن والمناطق مكتظة سكانياً، وما حصل يشبه رش الأم أو الأب “بيف باف” أو “بايغون” فوق الأولاد أثناء نومهم، وهذا بمثابة تلوث من الدرجة الأولى. وهذا النهج الذي لا زلنا متمسكين به يضر ببيئتنا واقتصادنا وصحتنا وبالقطاع الطبي والصناعي والزراعي والتجاري، والحلول بالتأكيد متوفرة، لكن التفكير الجدي بها لا يزال بعيداً عن تفكير وأولويات المعنيين في القطاعين العام والخاص.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us