عادات الميلاد تقاوم.. و”جود بالموجود”


أخبار بارزة, خاص 14 كانون الأول, 2022

كتبت كارول سلّوم لـ “هنا لبنان”:

ما أن يشق شهر كانون الأول طريقه حتى تنطلق رحلة التحضير لاستقبال عيد الميلاد، والمؤكد أن كثيرين استأنفوا هذه الرحلة منذ شهر أو شهرين. هكذا اعتاد اللبناني لسنوات، وعلى الرغم من الظروف القاهرة التي بدلت تفاصيل عديدة في شريط يومياته، إلا أنه قرر كما هي حال غالبية الشعب الانتفاض على الواقع وعدم تفويت فرصة الرجاء التي يمنحها الميلاد بولادة السيد المسيح.

حافظ البعض على عادات العيد، وقلص منها البعض الآخر، إنما لم يقرر إلغاءها، فهي بالنسبة إليه أكثر من متجذرة وقد ارتبطت بوجوده وتناقلتها الأجيال على مر الأعوام مع أو بدون تعديلات.

وعند الحديث عن هذه العادات، أول ما يتبادر إلى الأذهان “جمعة” العيد سواء من خلال عشاء العائلة في ليل الرابع والعشرين من كانون الأول أو الغداء في اليوم التالي، إنه تقليد مقدس لدى العائلات ولم يخرق في أحلك الأوقات، لا في أيام الحرب والأوبئة ولا في أي زمن آخر.. ظل التمسك بهذا التقليد قائماً وها هو اليوم يتجدد حتى وإن طاله تغيير في نوعية الاحتفال واختيار الأقل كلفة وسط الارتفاع الفاحش لأسعار المنتوجات، مع العلم أن كل شيء أضحى مكلفاً للغاية، وفي ظل وجود “الشراكة الحلبية” بين الأهل والأصدقاء، تعالج مشكلة الدفع، فالمهم الاحتفاء بالعيد بحضور الأحباب والأصحاب. والمؤكد أيضاً أن ثمة من قرر الاحتفال وفق قاعدة “على قد بساطك”، وثمة من قرر البذخ.
أما القسم المتعلق بتبادل الهدايا والذي يدخل كطبق أساسي في عيد الميلاد، بفعل رمزية المناسبة، فيبقى ثابتاً لدى الجميع صغاراً وكباراً، ولكن هذه الهدايا تحولت إلى ما يعرف بالـ “geste” تماشياً مع مقتضيات المرحلة الراهنة. وهذا النوع من الهدايا ارتفعت أسعاره أيضاً.. فهل ودع البعض هذه العادة؟ على ما يبدو أنها حية ضمن المعقول ووفقًا للميزانية المقترحة أو المعتمدة.
“هو عيد يحضر سنوياً”، تقول رولا ي. لـ “هنا لبنان”، وتشير إلى أن الاحتفال بالعيد له طابع ديني و آخر يتصل بالعادات التي نشأ عليها المرء، على أن السنوات الأخيرة التي مرت على لبنان دفعت بكثيرين إلى التأقلم مع الظروف الراهنة، والتغييرات طاولت شكل الاحتفال. وتلفت إلى أنها لا تزال تشارك عائلتها فرحة العيد وفق طاقتها وتوزع الهدايا على أقربائها ضمن المعقول، كي يشعر الصغار خصوصاً ببهجة الميلاد.
أما كريستين س. فتؤكد أن العيد لا يزال يحتفظ بنكهته المميزة ولهذه الغاية تدخر ما تتقاضاه من راتبها كي تحتفل به بسرور وباعتدال.
وعلى الصعيد الروحي، يقول الأب الياس كرم أن العادات والتقاليد الشعبية بالنسبة إلى الكنيسة ليست مرفوضة، إلا إذا كانت تمس بجوهر العقيدة، ويشير إلى أن هناك عادات لا تزال قائمة حتى وإن خفت وتيرتها مع مرور الوقت، معلناً أن الأوضاع الاجتماعية ساهمت في التقليص منها، أما بالنسبة إلى زيارات المعايدة فقد استعيض عنها برسائل أو صور تصل إلى الهاتف، مشيراً إلى أن الكنيسة لا تزال تجمع الناس وهناك أنشطة تقام للأطفال في الرعايا.
أما الأخصائية النفسية جمانة عنتر فتوضح عبر “هنا لبنان” أن فترة الميلاد تحمل معها الحاجة إلى محيط تنتشر فيه المحبة والدفء من قبل العائلة والأصدقاء وهي تخلق لدى الإنسان الحاجة إلى هذا الشعور، معربة عن أسفها أن أجواء العيد تمر بظروف صعبة في لبنان نتيحة التغييرات السلبية التي تحصل على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والتي تؤثر سلباً على الجماعات والعائلات على الصعيد النفسي.
وتقول عنتر أن هناك عادات قد تشهد تغييراً نتيجة الوضع الاقتصادي منها عشاء العيد وتبادل الهدايا وزيارات الأقارب والأصدقاء والقيام بأنشطة ترفيهية، وتلفت إلى أن هذا الوضع هو من يدفع إلى هذا التغيير في طريقة ممارسة هذه العادات، فقد لا تتمكن العائلة من التحضير للعشاء نفسه الذي كانت تقيمه في العادة، وقد تقيم عشاء صغيراً، وبسبب ارتفاع أسعار المحروقات قد تقل زيارات المعايدة والنشاطات، مشيرة إلى أن الأوضاع الصعبة دفعت إلى هجرة الشباب بهدف العمل وبعضها قصد الهجرة من أجل استكمال الدراسة، الأمر الذي أدى إلى التفكك الأسري لأن العائلة لم تعد قادرة على الاجتماع مع بعضها البعض.
وتشير إلى أن الأحداث الأليمة التي حصلت كانفجار مرفأ بيروت بالإضافة إلى ظروف أمنية جعلت البعض يفقد أحباباً له ما منعه من الاجتماع معهم في فترة العيد، وكل ذلك أثر نفسياً على العائلات والأفراد.
وتضيف: لا بد من التعاطي بطريقة تجعل الناس تتأقلم وفق إمكانياتها مع فترة العيد وتعيش بهجته والتخفيف من حدة الصعوبة النفسية التي تواجهها.
وتدعو إلى التصرف بواقعية ووضوح في ما خص التكيف مع هذه الإمكانات، ويمكن أن يفهم عندها أفراد العائلة أن التعاطي يتم انطلاقاً منها، فبدل الهديتين يمكن جلب هدية واحدة ويمكن الاستعاضة عن هذه الهدايا بأولوية العشاء، ولذلك لا بد من تحديد الأولويات وفق إمكانيات كل عائلة.
وتتحدث عن أهمية قيام التواصل الدائم بين الأبناء المغتربين وعائلاتهم والتخفيف من حدة معاناة الأشخاص الذين خسروا أحباباً لهم، داعية إلى التمتع بالعيد بفرح وإلى الاجتماع بأشخاص يبعثون بالراحة ويتمتعون بالمحبة.

ليس هناك من فرحة كتلك التي ينشرها عيد الميلاد وهناك من قرر أن يشارك فيها طوعاً مهما اشتدت الأزمات وهناك ممن قرر أيضاً أن يبقي على عادات العيد حتى وإن اضطر إلى أن “يجود بالموجود”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us