ستارة لا تستر


أخبار بارزة, خاص 30 كانون الأول, 2022

كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

برع الحزب المسلّح في ابتداع الواجهات المائعة التي يسهل استخدامها لإخفاء بصماته الميدانية، السياسية والعملانية، ولعل أنجحها يافطة “الأهالي”، أي “الغول” الشعبي الذي تعمي هيوليته الناظر، لكنه لا يحسن رسمها، ولا يمكنه لمسها، وإن أحس بآثارها فإنه لا يدركها، أي تماماً كالغول الذي كان الأهل يخيفون به الصغار لردعهم عن بعض التصرفات المؤذية.

هذه الحال تجعل “الأهالي” تمويهاً للمسؤولية عن وقائع تمتد من الإعتداء على مرشحين مناوئين للحزب في الانتخابات النيابية، منذ ما قبل الإنفجار الكبير في 2005 باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إلى القنبلة الصوتية على محطة “الجديد” فجراً والرصاص ليلاً، مروراً بالاعتداء على لجنة التحقيق الدولية، إضافة إلى استخدام تعبير “الجهاد الإسلامي” غطاءً لأعمال خطف الأجانب في غمرة تصاعد المساومات على أرواحهم، خلال الحروب المنوعة في لبنان، قبل أن تطلق “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية عملياتها.

لكن ليس كل الأهالي أهالياً، فمطّاطية التسمية لا تمنع فرز “الأهالي” المقصودين بها، عمن لا تليق بهم لأنهم لا يملكون ما يكفي من الإيمان بدور الحزب القائد، ولا يشتهون رضاه. فشرط الانتساب إلى الأهالي هو الطاعة العمياء، وحمل كل أفكار منظري الحزب وأمينه العام ونوابه كنص أشبه بأن يكون مُنزلاً، من دون الميل الى المحاججة، لا سيما إذا أفضت إلى تشكيك لا تقبله الأحزاب الحديدية.

من ذلك عدم الاستجابة لأي نقاش، ومجانبة الدخول فيه، والإلتزام بحرفية النص الذي أُملي على “الأهالي”. مثال مما أعقب مصرع الجندي الإيرلندي في العاقبية الجنوبية، هو أن الرد على إثارة الحادث، في أي نقاش، أن الدورية الأممية تخطت حدود المنطقة المسموح لها بدخولها، وأن صندوق السيارة كان مفتوحاً، وهي مصفحة.

طرح يغاير الحقائق وأبرزها أن القوات الدولية في قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2650/2022 الذي أقِرّ العام المنصرم، وصلاحيته سنة تنتهي في آب المقبل، لها الحق في مراقبة منطقة عملياتها، بموجب القرار 1701/2006 وكرر المجلس، يومها، “أن اليونيفيل لا تحتاج إلى إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها”، وأنه “يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل” ودعا الأطراف إلى “ضمان حرية حركة اليونيفيل، بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المعلنة وغير المعلن عنها”، خصوصاً أن مجلس الأمن، وبموافقة لبنان (طبعاً برضا من الحزب، برغم إبدائه التنديد وعدم القبول لفظياً)، أضاف فقرة إلى البند 16، تتحدث عن عدم حاجة اليونيفيل إلى إذن مسبق لأداء مهماتها. أما القول بفتح الصندوق فللإيهام بأن الدورية الأممية كانت من ابتدأ بإطلاق النار، ويُرفق المدافعون عن الحزب حججهم بأن قوات اليونيفل تتحجج بمهمتها لتصور مواقع تخزين سلاح الحزب، وكأن الزمن لم يصل إلى نشر الأقمار الصناعية التي لإسرائيل فيها حصة … ومعروفة.

في حادثة الإعتداء على اليونيفيل، ومنذ وسّع دورها في أعقاب حرب تموز 2006، يقارب الحزب وجود هذه القوات في الجنوب، بمنطق “ماذا كانت تفعل في المنطقة الفلانية في الجنوب”، تماماً كتعليق الرئيس السابق ميشال عون، بعد توأمة تياره مع الحزب، على قتل الملازم الطيار سامر حنا على يد “أهالي” الحزب. قال يومها: شو أخده يعمل هونيك؟

يعود وجود قوات اليونيفيل في لبنان إلى عام 1978 بعيد الاجتياح الإسرائيلي وسيطرته على الجنوب، وقد قدمت الحكومة اللبنانية احتجاجاً إلى مجلس الأمن ليتبنى بعدها القرارين 425 و426 اللذين يدعوان إسرائيل إلى وقف أعمالها العسكرية وسحب قواتها من جميع الأراضي اللبنانية. وقد قرر المجلس إنشاء قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان “اليونيفيل” بهدف التأكد من انسحاب القوات الإسرائيلية وإعادة السلم والأمن الدوليين ومساعدة الحكومة اللبنانية على بسط سلطتها الفعلية في المنطقة، وقد وصلت طلائع هذه القوة في 23 آذار 1978.

وبعد حرب تموز 2006 بين إسرائيل و”حزب الله” تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار 1701 الذي نص على تجريد كل الجماعات اللبنانية من سلاحها، داعياً الحكومة اللبنانية لنشر قواتها المسلحة في الجنوب بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة.

الاشتباكات مع قوات “اليونيفيل” ليست بالأمر الجديد لا سيما بعد توسيع تفويضها في أعقاب حرب تموز 2006 بين إسرائيل وحزب الله، لكن الجديد هو حجم التنديد بحادثة العاقبية، ثم حادثة رميش، وتسابق وزراء ونواب، وحتى رئيسهم، ومساعدو أمين عام الحزب المسلح إلى التبرؤ من الجريمة ورميها على الجمهور، حتى بدا قرار الطائفة، في شأن ما، تحديداً مصير القوات الدولية، كأنه يؤخذ بالاقتراع السري، وليس الثنائي إلا متفرجاً لا حول له ولا قوة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us