18 عامًا مرّت… هل “خلصت الحكاية”؟

غيابُ الحريري كزعيمٍ وطنيٍّ وممثّلٍ للطّائفة السُّنيّة، كان له أثره الواضح على المسار السّياسيّ، الّذي يتظهّر أكثر مع مرور الوقت.

كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:

18 عامًا مرّت على زلزالٍ من نوعٍ آخر، غيّر المعادلات السّياسيّة، عمّق الجراح والانقسامات الدّاخليّة، وطوى صفحةً من عمر الوطن. يومها، غمرت رائحة الجثث سماءَ العاصمة، واغتيل عاشقُ بيروت في قلبها، فتحوَّل عيدُ الحبّ إلى ذكرى موتٍ موجعة. منذ 14 شباط 2005 و”بيروت عم تبكي”، رغم اختلاف الأحداث والأسباب والأوقات، إلّا أنّ جروحها لم تندمل؛ وكأنّ قدرها أن تحمل أكفان أبنائها إلى الأبد.

أحد جروحات ستّ الدّنيا الأعمق، كان يوم قرّر أنصارُ القتل إنهاء حياة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، و21 شخصًا آخرين، في انفجارٍ هزّ لبنان والعالم بتداعياته. فحجم الحريري التّمثيليّ ودوره في اللّعبة السّياسيّة، وعلاقاته المميّزة مع العديد من الدّول والسّاسة العرب والأجانب، وعطاءاته الكثيرة لبيروت وأبنائها… كلّها عوامل جعلت من اغتيال أحد أبرز الشّخصيّات في الشّرق الأوسط، نقطةً تحوّلٍ محوريّةً ومفصليّةً في الحياة السّياسيّة اللّبنانيّة.

الحريري، رجل الأعمال من العيار الثّقيل والشّخصيّة السّياسيّة الفذّة، ترك بصماته الإنسانيّة في حياة الآلاف. فكم من مدرسةٍ وجامعةٍ نُقش اسمه على حجر الأساس الخاصّ بها، وكم من مؤسّسةٍ حملت اسمه وتكفّلت برعاية عشرات آلاف الأشخاص؛ فضلًا عن مساهمته غير القابلة للتّشكيك في إعادة إعمار وسط بيروت بعد الحرب الأهليّة. وهنا تبرز أصواتٌ لا يمكن تجاهلها، تعارض السّياسة الّتي انتهجها الحريري، وتَعتبر أنّها قائمة على تشجيع الاستدانة الدّاخليّة والخارجيّة بهدف الإعمار. أصحاب وجهة النّظر هذه، يجدون أنّ سياسة الاستدانة المترافقة مع الفساد والسّرقات والسّياسات الماليّة الخاطئة وغياب الإصلاحات، أدخلت البلد في النّفق الأسود.

غيابُ الحريري كزعيمٍ وطنيٍّ وممثّلٍ للطّائفة السُّنيّة، كان له أثره الواضح على المسار السّياسيّ، الّذي يتظهّر أكثر مع مرور الوقت. في هذا الإطار، يؤكّد النّائب السّابق عاصم عراجي، لـ “هنا لبنان”، أنّ “اغتيال الحريري هو خسارة كبيرة، وخلال 18 عامًا عاد البلد خطواتٍ ملحوظةٍ إلى الوراء”، مبيّنًا أنّ “الحريري وضع لبنان على جدول معظم الدّول الكبرى، لكنّ البلد اليوم معزول تقريبًا، سواء من الدّول العربيّة الّتي لديها مآخذ عليه، أو من الدّول الأجنبيّة الّتي كانت تساعده؛ كما أنّ لا مشاريع مهمّةً نُفّذت بعد رحيله”.

ويشير إلى أنّه “كان للحريري بصمات في الإعمار والتّعليم وغيرهما من المجالات، ولم يكن يتكلّم بحقوق السُّنّة بل بحقوق اللّبنانيّين، أمّا اليوم فكلّ فريقٍ سياسيٍّ ينادي ويدافع فقط عن حقوق طائفةٍ معيّنةٍ”، مركّزًا على أنّ “عراقيل كثيرةً وُضعت أمام الحريري وأعاقت السّير بعدّة مشاريع كان ينوي تنفيذها. وهذه العراقيل و “العُصيّ بالدّواليب” تضاعفت أمام ابنه رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، عندما تولّى المسؤوليّة”.

وكان قد أحدث إعلان رئيس “تيّار المستقبل” سعد الحريري عزوفه عن التّرشّح للانتخابات النّيابيّة الماضية وتعليق العمل بالحياة السّياسيّة، في 24 كانون الثّاني 2022، صدمةً على السّاحة السّياسيّة، أعادت خلط الأوراق وفتحت بابًا واسعًا للتّساؤلات والتّحليلات؛ خصوصًا عمّا إذا كانت صفحة ما سُمّي بـ “الحريريّة السّياسيّة” قد طُويت إلى غير رجعة.

غير أنّ عراجي يشدّد على أنّ “الحريريّة السّياسيّة لم تنتهِ، وسعد الحريري كانت لديه الشّجاعة للاستقالة بعد بدء ثورة 17 تشرين الأوّل 2019 استجابةً لمطلب النّاس، واعترف بأنّ الجميع أخطأ، ومن ثمّ علّق عمله السّياسيّ؛ إلّا أنّ المواطنين لمسوا الفرق وكيف أنّ الوضع ازداد سوءًا بعد ذلك”.

هذا الموقف يؤيّده النّائب السّابق نزيه نجم، الّذي يوضح في حديث لـ “هنا لبنان”، أنّ “الحريري لم يوقف السّياسة لكنّه علّق العمل بها لولايةٍ نيابيّةٍ واحدةٍ، لنتمكّن من مراجعة عملنا وأخطائنا ونجري تقييمًا ذاتيًّا، وأيضًا لنترك مجالًا لغيرنا، لنرى إذا كانوا سينجحون أم لا؛ وحتّى الآن أحدثوا كوارث ولن نبقى صامتين طويلًا”، كاشفًا “أنّنا طيلة الوقت على الأرض مع أهلنا وشعبنا، ونقف معهم على عدّة مستويات”.

ويتساءل: “ما الّذي يمنع عودة الحريري إلى الحياة السّياسيّة؟ رئيس حزب “القوّات اللّبنانيّة” سمير جعجع أمضى 11 عامًا في السّجن وهو اليوم يقود المعارضة، ورئيس الجمهوريّة السّابق ميشال عون بقي 15 سنة في المنفى وبعدها عاد وأصبح رئيسًا. لا أحد ينتهي في الحياة السّياسيّة”.

وعمّا إذا كان بإمكان رفيق الحريري، لو كان على قيد الحياة، أن يمنع وصول لبنان إلى الهاوية، يجزم نجم أنّه “لو كان الحريري بيننا، لما وصلنا إلى هنا، ولكان الجيل الجديد يعيش بالنّعيم”، لافتًا إلى أنّ “كلّ يومٍ يتّضح أكثر كم كان حجم المؤامرة كبيرًا، والحريري كان يقف حجر عثرةٍ أمام كلّ المتربّصين شرًّا بلبنان”. ويذكر أنّ “مشروع رفيق الحريري كان مشروع إعمار البلد وتثقيف أبنائه وتنمية قدراتهم، وكان يبحث عن كلّ المشاريع الّتي تريح الشّعب، وهمّه الجيل الجديد”.

في ذكرى اغتيال رفيق الحريري، الّذي يصفه البعض بأنّه رجلٌ بحجم وطنٍ، وبعد نحو عامٍ على “صفعة” تعليق سعد الحريري العمل السّياسي، وإزاء التّطوّرات الجهنّميّة الّتي تعصف بالبلد المنهار، يوضَع مشروع “الرّفيق” تحت المجهر. فهل الجهة الخفيّة خلف أيادي الإجرام الّتي نجحت في رسم نهايةٍ لحياة ابن صيدا، تمكّنت أيضًا من محو مشروعه الوطنيّ، أم “لا ما خلصت الحكاية”؟

مواضيع مماثلة للكاتب:

الفوسفور الأبيض سمّم تربة الجنوب… “على عينَك يا مجتمع دولي”

“H1N1” هديّة اللّبنانيّين في العيد… والوقاية أساسيّة!

السياحة في لبنان ضحية “الحرب”… والآمال بموسم الأعياد