السّياحة في لبنان تستغيث… والاستقرار السّياسي حبل النجاة؟


أخبار بارزة, خاص 2 آذار, 2023

“قطعة السّماء” لم تعد مقصدَ شريحةٍ واسعةٍ من السّيّاح العرب والأجانب في السّنوات القليلة الماضية، نظرًا لكلّ ما تتخبّط به من مشاكل وأزماتٍ تبدأ بالسّياسة ولا نعلم أين تنتهي.


كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:

ليست الإشكاليّة إذا كان لبنان قد جُرّد من لقب “سويسرا الشّرق” وتمّ منحه إلى غيره من البلدان المستحقّة، أم أنّه تخلّى عنه طوعًا، أو أُجبر على ذلك تحت وطأة الظّروف الكارثيّة؛ ففي كلّ الأحوال الخلاصة واحدة: عمودٌ أساسيٌّ جديدٌ من الهيكل اللّبنانيّ يتخلخل. فبَعد الاقتصاد والتّعليم والاستشفاء والقضاء… دخلت السّياحة أيضًا في النّفق المظلم الّذي لا نهاية له في المستقبل القريب.

لسنا بحاجةٍ إلى أرقامٍ رسميّةٍ ولا إحصاءاتٍ ومقارناتٍ، لمعرفة أنّ “قطعة السّماء” لم تعد مقصدَ شريحةٍ واسعةٍ من السّيّاح العرب والأجانب في السّنوات القليلة الماضية، نظرًا لكلّ ما تتخبّط به من مشاكل وأزماتٍ تبدأ بالسّياسة ولا نعلم أين تنتهي.

ورغم الحركة الملحوظة نسبيًّا في فصل الصّيف، الّتي أعادت الرّوح بعض الشّيء إلى القطاع السّياحيّ، إلّا أنّ وقائع محزنةً طبعت المشهد العام في السّنوات الأخيرة: وسط بيروت التّجاريّ أشبه بمريضٍ ينازع، متاجرٌ أكَل الغبار رفوفها، الكثير من الفنادق رفعت راية الاستسلام، والعديد من المؤسّسات السّياحيّة تنادي “زوروني كلّ سنة مرّة”.

الأخطر في هذا المجال، كان التّحذير الّذي أطلقه رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان طوني الرّامي، منذ أيّام، من أنّ “موقع لبنان سياحيًّا مهدَّد، بعدما أصبحنا في المرتبة الرّابعة عربيًّا، وما أخطر من الأزمة هو إدارة الأزمة”.

يؤيّد رئيس اتحاد النّقابات السّياحيّة في لبنان ورئيس نقابة أصحاب الفنادق بيار الأشقر هذا التّوصيف، لا بل يذهب أبعد من ذلك، ليؤكّد في حديث لـ “هنا لبنان”، أنّ “موقع البلد السّياحيّ مهدَّد منذ ما بعد العام 2011، إذ كانت مداخيلنا من السّياحة في تلك الفترة تفوق الـ9 مليارات دولار، أمّا اليوم أين هم السّيّاح؟”

ويشير إلى “أنّنا الآن بتنا نحتسب الأموال الّتي يُدخلها المغتربون إلى لبنان، لكنّهم لطالما كانوا يدخلونها سابقًا. هؤلاء يزورون بلدهم ومنزلهم وأهلهم، ومن وقت إلى آخر يقضون نهاية عطلة الأسبوع في الجبل أو على البحر، لكن هذه ليست بسياحة!”. ويكشف أنّ “نسبة إشغال الفنادق في بيروت تتراوح بين 40 إلى 50 بالمئة، في حين أنّ عدّة فنادق لا تزال مقفلة، مثل “Four Seasons”، “Monroe”، “Le Gray” وغيرها”.

ويشدّد الأشقر على أنّ “الكثير من المؤسّسات السّياحيّة والفنادق أقفلت في السّنوات الأخيرة، ولا يمكن إحصاء عددها بدقّة، لأنّ الإقفال في بعض الأحيان غير مُعلَن. هذا عدا عن الإقفال الجزئيّ، فعلى سبيل المثال هناك فنادق لم تقفل أبوابها نهائيًّا، إلّا أنّ جزءًا كبيرًا من غرفها مقفَل، بالإضافة إلى المقاهي والمطاعم التّابعة لها”. ويبيّن أنّ “80 بالمئة من الفنادق الصّغرى والمتوسّطة خارج بيروت، لا سيّما في المناطق الجبليّة، أقفلت بسبب التّكاليف التّشغيليّة الباهظة”.

وعشيّة دخول الفراغ الرّئاسيّ شهره الخامس، مترافقًا مع انسدادٍ في جدار الاستحقاق الأهمّ، ودولرةٍ شبه شاملةٍ تطال مختلف القطاعات، يركّز النّقيب على أنّ الخطوة العاجلة المطلوبة أو الحلّ ليتمكّن البلد من استرجاع موقعه على الخارطة السّياحيّة، ولو جزئيًّا، هو “الاستقرار السّياسي، وأن يستعيد لبنان علاقاته مع الدّول العربيّة والغربيّة”.

بعد حملة “أهلا بهالطلّة” الّتي نجحت من خلالها وزارة السّياحة في تشجيع المغتربين والسّيّاح على زيارة لبنان خلال فصل الصّيف، اختارت الوزارة في كانون الأوّل الماضي، إطلاق حملةٍ سياحيّةٍ شتويّةٍ تحت عنوان “عيدا عالشّتويّة”، لحثّ السّيّاح والمغتربين من خلالها على المجيء إلى لبنان خلال موسم الشّتاء.

غير أنّ الأشقر يرى أنّ “هذه الحملة لم تحقّق الهدف المرجوّ”، موضحًا أنّ “خلال فترة العطل في الدّول العربيّة والإفريقيّة الّتي يتواجد فيها مئات آلاف اللّبنانيّين، يأتي المغتربون إلى منازلهم، والمستفيدون في الدّرجة الأولى هم المطاعم ومكاتب تأجير السّيّارات، وبعدها تستفيد الفنادق”. ويجزم أنّ “إمكانيّات لبنان وقدرات شعبه أكبر بمئات المرّات من نسبة الإشغال المحقّقة حاليًّا”.

كان بلد الأرز يعوّل بشكلٍ كبيرٍ على عائدات السّياحة، بعدما كانت من القطاعات القليلة الصّامدة. لكنّ الوضع اختلف مؤخّرًا، مع اشتداد الأزمات ونجاح عدّة دول خليجيّة في حجز مراكز متقدّمة على الخارطة السّياحيّة بالنّسبة للعرب والأجانب، يصعب مجاراتها. فهل فعلًا يكون الاستقرار السّياسي – إذا استتبّ – حبل النّجاة للسّياحة الّتي تستغيث؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar