الانتخابات البلديّة بين إمكانيّة الدولة والقرار السياسي: 9 مليون دولار بانتظار تمويل خارجي وهل من تمديد؟


أخبار بارزة, خاص 2 نيسان, 2023

على الرغم من تأكيد مولوي مراراً وتكراراً، إصراره على عقد الانتخابات في موعدها، شكوك عديدة تحوم حول قدرة الدولة على إجراء الانتخابات لا سيّما وأنّ موازنة الـ 2022 لم تلحظ أيّ تمويل للانتخابات البلديّة فيما لم تقرّ موازنة الـ 2023 حتى الآن.

كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:

مع اقتراب شهر أيار، ومعه موعد الانتخابات البلديّة، بعد أن تنتهي ولاية المجالس البلدية والاختيارية في 31 أيار، أصبح مصير الانتخابات على المحكّ، (هذا التحدّي الذي أصرّ وزير الداخليّة والبلديات بسام المولوي على خوضه، رغم الصعوبات التي تعترضه، ولا سيّما مشكلة التمويل إلى جانب العوائق الإدارية واللوجستية والأمنية، وهي الأسباب التي أجّلت الانتخابات العام الماضي) بعد أن احتدّ المشهد السياسي في جلسة اللجان النيابيّة المشتركة الأخيرة التي عقدت يوم الأربعاء الفائت في 28 آذار 2023، حيث وقع إشكال عنيف داخل القاعة بين كلّ من رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، وعضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي حسن خليل، على خلفيّة طرح بعض النوّاب إمكانيّة استعمال السحوبات الخاصّة من صندوق النقد الدولي SDR لتمويل الانتخابات البلديّة، وهي أموال تستعمل لأغراض متعدّدة من ضمنها تنظيف الوزارات. الأمر الذي اعترض عليه خليل معتبراً أنّ هذا الطلب مخالفٌ للدستور، وأنّ مجلس النواب لا يتحمّل مسؤوليّة سحب الأموال من الـSDR . خلافٌ كان كفيلًا بتطيير الجلسة، وتهديد مصير الانتخابات البلديّة. فما كلفة هذه الأخيرة؟ وهل للدولة القدرة على تأمين التمويل؟ وما الروادع القانونيّة أو الأمنية التي قد تحول دون إتمام الانتخابات؟

9 مليون دولار كلفة انتخابات البلديّة

على الرغم من تأكيد مولوي مراراً وتكراراً، إصراره على عقد الانتخابات في موعدها، مطمئناً أنّ “التحضيرات في وزارة الداخلية جاهزة، ولا مخاطر أمنيّة تعيق إجراءها”، نافياً “أيّ إمكانيّة للتمديد للمجالس البلدية والاختيارية من دون قانون، ما يحتاج إلى عقد جلسة تشريعية”، وهو غير ممكن في ظلّ حكومة تصريف أعمال ومجلس نوّاب لا يحقّ له أن يجتمع إلّا لانتخاب رئيس للجمهوريّة. شكوك عديدة تحوم حول قدرة الدولة على اجراء الانتخابات لا سيّما وأنّ موازنة الـ 2022 لم تلحظ أيّ تمويل للانتخابات البلديّة فيما لم تقرّ حتى الآن موازنة الـ 2023، علماً أنّ “الداخليّة” كان قد وجّهت كتاباً للأمانة العامة لمجلس الوزراء، حدّدت فيه كلفة إجراء الانتخابات وهي 8،890،000 دولار وفق سعر صيرفة. هذا ولم يتمّ الإعلان عن أيّ قوائم انتخابية، والتي كان من المفترض الإعلان عنها منذ شهر شباط الفائت بحسب تصريح سابق لمولوي.

الإمكانيّة موجودة وتحتاج لقرار السياسي

في هذا الإطار يرى الخبير الانتخابي، طوني مخيبر، في حديثه لـ “هنا لبنان” أنّ “مسألة انعقاد انتخابات البلديّة غير مرتبطة بالإمكانيّات إنمّا بالقرار السياسي. فالأحزاب الموجودة في السلطة غير متحمّسة لانتخابات البلدية، ولكلّ حزب أسبابه. فالثنائي الشيعي يفضّل التركيز حاليًّا على الانتخابات الرئاسية وإتمامها في أسرع وقت ممكن، أمّا التيّار فيخشى أن تؤثّر نتائج الانتخابات على حضوره بعدد من البلدات، ما قد يظهر تراجع شعبيته، هذا ولا يملك أيّ حزب حلًّا، وجميع الأحزاب بانتظار قرار الخارج، فيما الوضع الداخلي مشنّج”.

ورأى مخيبر أنّ “هناك العديد من الجهّات الخارجيّة المستعدّة لمساعدة لبنان في اجراء انتخاباته، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، فالـ 9 مليون دولار ليست رقماً كبيراً بالنسبة لهم، في حال كانت الدولة عاجزة عن تأمين الدفع من موجوداتها، ومولوي موعود بهذه الأموال”، معتبراً أنّه “لا يحقّ للنوّاب استعمال أموال الـSDR لتمويل الانتخابات، ولكن في ظلّ هذا الواقع قد يمكن تخطّي هذه العقبة إذا ما وجدت نيّة حقيقيّة لإجراء الانتخابات”.

ولفت إلى “احتماليّة عدم مشاركة المواطنين في العمليّة الانتخابيّة، بسبب وضعهم الاقتصادي الصعب، إلى جانب عدم رضاهم عن أداء رؤساء البلديات في السنوات الـ 6 الماضية، وإدارتهم السيئة للملف المالي والأشغال، فلو كانت البلديات تقوم بعملها، من تعبيد طرقات، وإنارة وتأمين مياه، وتوزيع مساعدات بالشكل الصحيح وليس تلبية لأهداف انتخابيّة، لكانت خففت وطأة الأزمة على اللبنانيين. لذا هناك قسم كبير من أعضاء مجالس البلدية ورؤسائها يجب محاسبتهم، وإدخال دم جديد لإحياء خطط تنمويّة وتطويريّة للمناطق. فوضع البلديات أيضاً دقيق حيث أنّ أغلبها وخصوصاً الكبيرة منها كانت تعتمد على الجباية وعلى صندوق البلديات أمّا اليوم فالجباية بالليرة اللبنانيّة، والإعفاءات كبيرة، فيما صندوق البلديّة غير مدعوم من الدولة.

وعن سبب وجود 110 بلديات منحلة من أصل 1055 بلدية، أجاب مخيبر “قد يكون هناك إشكالية مالية أو ملفّات معيّنة بحقّ هذه البلديات، فيما بعضها الآخر، قد استقال مجلسه البلدي أو نصف أعضائه وبالتالي تصبح البلدية تحت تصرف القائمقام”، محذّراً من أنّ “استمرار تقاعس البلديات عن لعب دورها قد يهدّد نظام اللامركزيّة الإداريّة المعتمد في لبنان، ويأخذنا باتجاه مركزيّة القرار، ما قد يقضي على دور البلديات في صناعة القرار السياسي”.

ما مصير البلديات في حال التمديد؟

هذا الواقع يفتح باب التساؤل حول مصير عمل البلديات والمجالس الاختيارية في حال التمديد. وبجوابها عن هذه التساؤلات تستند مصادر مطّلعة في حديثها لموقع “هنا لبنان” على “المادة 23 من قانون البلديات، التي تنصّ على حلّ المجالس البلدية التي تصبح كما عمل المخاتير تحت سلطة القائمقام والمحافظ في كلّ قضاء من الأقضية اللبنانية”.

فيما تستند مصادر أخرى على تقارير “الدولية للمعلومات”، التي تقرّ باستمرار عمل البلديات بتصريف الأعمال. فبعد أن انتهت ولاية المجالس البلدية التي انتخبت في العام 1963 في العام 1969، لم تجرَ انتخابات منذ ذاك الوضع وحتى العام 1998 وتمّ تمديد الولاية من خلال 20 قانوناً.

إي في أمل

من جهّته يلفت المحامي أوغست باخوس في حديثه لـ “هنا لبنان” إلى أنّه “لا تزال هناك فرصة لمجلس الوزراء بدعوة الهيئات الناخبة يوم الاثنين 3- 4-2023، في حال كان هناك نيّة حقيقيّة وقرار سياسي بإجراء الانتخابات البلديّة. لتبقى العقبة الأساسيّة في التمويل، فإذا كانت هذه الأموال من قبل الدولة سنحتاج إلى عقد جلسة تشريعيّة في مجلس النواب لفتح اعتمادات، فيما هناك خلاف قانوني حول ما إذا كان يحقّ لمجلس النواب الالتئام في ظلّ الفراغ الرئاسي، حيث لا يحقّ للمجلس الاجتماع إلّا لانتخاب رئيس، فيما قسم آخر يرى أنّ الوضع الاستثنائي يحتاج إلى خطوات استثنائيّة، للسماح للمجلس بالانعقاد والتشريع. ومن ناحية أخرى هناك أموال الجهات الدوليّة، من صندوق النقد أو البنك الدولي أو الاتحاد الأوروبي ومن صلاحية مجلس الوزراء رصدها للانتخابات إذا ما توفّر القرار السياسي”.

ويتخوّف باخوس من ذهاب مجلس النواب باتجاه جلسة تشريعية، قد تؤدّي إلى تمديد تقني، بحجّة عدم توفّر التقنيات التي تسهّل إجراء الانتخابات”، مشدداً على “أهميّة إجراء الانتخابات لما لها من أهميّة في وضع رؤية جديدة وواضحة لإحداث فرق حقيقيّ والتخفيف عن كاهل المواطن. فالمرشحون “عالقون بين شاقوفين”، ولا يعرفون إذا ما كانت الانتخابات ستُجرى أم لا، وعلى ما يبدو فإنّ مولوي مصمّم على إجرائها، إلاّ أنّ القرار الأخير عند ميقاتي”.

ضغط على المحافظين وقائمي المقام

ويشرح باخوس أنّ “لمجلس النواب حقّ التمديد للبلديات الحالية، وفي حال التمديد تعتبر البلدية منحلّة، وتدخل في تصريف الأعمال، ما يعني أنّ كلّ قرار سيصدر عنها يجب أن يحظى على موافقة القائمقام والمحافظ. أمّا المخاتير فيستمرّون بعملهم بشكل طبيعي بموجب مرسوم من مجلس الوزراء، وفق مبدأ استمرارية المرفأ العام”.

إلاّ أنّ المشكلة في التمديد بحسب باخوس، تكمن في حجم الضغط الذي سيلقى على عاتق المحافظين وقائمي المقام. ففي لبنان 8 محافظات على رأس كلّ منها محافظ فقط، و25 قضاء على رأسهم 25 قائمقام، مقابل 1055 بلديّة!”، ويذكّر أنّه “في عام 2016 جرت الانتخابات البلديّة في ظلّ فراغ رئاسي، وبوجود حكومة تصريف أعمال، وكان رئيسها آنذاك تمام سلام”.

ويكشف باخوس عن “مساع للجنة الدفاع الوطني والداخليّة لإعادة النظر بقانون الانتخاب، بشكل يمكّن المواطنين من انتخاب رئيس البلديّة ونائبه مباشرة في اللائحة، بدل انتخابهما من قبل الأعضاء. منعاً لأيّ اتفاقيات تحت الطاولة”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us