لبنان وكيل الدور الفارسي أم جزء من الدور العربي!


أخبار بارزة, خاص 13 نيسان, 2023
لبنان

البطريرك الحويك، الذي كان من المرحبين أساساً بدور باريس، فقد قال بعد تجربة الفرنكوفونية: “فرنسا كالشمس، تنير من بعيد وتحرق من قريب.”
صدق الياس الحويك.

كتب محمد سلام لـ “هنا لبنان”:

من يحدد ولادة دولة، الأرض أم الدور؟

عموماً الأرض هي التي تحدد ولادة أي كيان لأن الشرائح البشرية التي تعيش على رقعة أرض، سواء أكانت هذه الشرائح متجانسة أو متنوعة عرقياً أو عقائدياً، هي التي تسعى لإيجاد “دولة” تدير شؤونها وتنظم حياة مجتمعها.

من خارج هذه القاعدة العامة، ولد كيانان بداية القرن العشرين من “رحم الدور” لا من بطن الأرض:

*”وطن” لليهود في فلسطين بموجب “إعلان” بلفور (Declaration) الذي يفضل العرب تسميته “وعد” بلفور خلال الحرب العالمية الأولى في العام 1917 الذي لم يأتِ على ذكر مفردة (دولة) ولم يشر إلى حدود ذلك “الوطن” الذي أراده لليهود.

*و”دولة” لبنان الكبير التي أعلن عن إقامتها الجنرال غورو بإسم فرنسا من قصر الصنوبر في بيروت محاطاً بالبطريرك الحويك والمفتي مصطفى نجا ومعلناً عن الحدود التي تفصلها عن مناطق سيطرة بريطانيا العظمى والتي ما زالت حتى يومنا هذا من دون ترسيم.

«في 2 تشرين الثاني العام 1917 وجه وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور رسالة إلى كبير المجتمع اليهودي البريطاني اللورد ليونيل روتشيلد يبلغه فيها ما يلي: “تنظر حكومة صاحبة الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ (National Home) للشعب اليهوديّ في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.”

وبدا واضحاً أن نص إعلان بلفور تعمّد “تجاهل” تفصيل أساسي بعدم الإشارة إلى حدود فلسطين وتعمّد “تأكيد” تفصيل آخر وهو أن وطن اليهود الموعود بالعطف سيكون “في فلسطين” أي أنه لا يغطي كل فلسطين التي لم تُذكر مساحتها ولا حدودها.

إن لم تكن الجغرافيا هي الرحم الذي ولد منه ذلك “الوطن” اليهودي المزعوم، فلماذا أطلقه بلفور؟

لأن بريطانيا أرادت أن تستخدم اليهود ليضغطوا على الولايات المتحدة التي لم تدخل الحرب مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية لأنها لم تكن معنية بأي نزاع مع السلطان العثماني، ولأنها أرادت أيضاً من اليهود أن يشكلوا ضغطاً على روسيا التي لم تدخل الحرب ضد الدولة العثمانية لأنها كانت منهمكة بإنشاء الإتحاد السوفياتي.

الهدف البريطاني كان إسقاط الدولة العثمانية لا إيجاد وطن لليهود. لكنهم قرروا إستخدام اليهود عبر إعطائهم هذا “الدور”

وقبل صدور الوعد ساعد البريطانيون عدداً ضئيلاً من اليهود على شراء أراضي في فلسطين وبناء مستعمرات يهودية عليها لقطع خط التواصل العثماني بين آسيا وأفريقيا ومنع أي تحركات عسكرية عثمانية مستقبلاً، إضافة إلى ضمان حماية خط تواصل مصالح بريطانيا في الهند.

وبالتالي فإن “الدور” المطلوب مما سمي بـ “وطن لليهود” في فلسطين هو الحافز الذي دفع بريطانيا لإعلان ذلك الوعد، ما يبرر طرح السؤال:

– بعد أكثر من 100 سنة على ذلك الوعد ماذا حل بذلك “الوطن” وأين أصبح “الدور” الذي ولد من رحمه؟

ذلك “الوطن” المخصص “لليهود” صار “دولة” تشهد صراعاً بين مكوناتها من “يهود” تلموديين “وصهاينة” علمانيين، كل منهم يبحث عن “دور” يبرر فيه جدوى وجوده لنفسه أولاً ثم للدول التي تعترف به وتدعمه شرط أن يجد “الدور” الذي يتوافق مع أهداف الداعمين.

وماذا عن سكان فلسطين الفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين؟

هؤلاء الذين بقوا في فلسطين بعد “نكبة” العام 1948 صاروا أعضاء في أحزاب إسرائيلية وموظفين في مؤسسات “الدولة” الإسرائيلية التي دخلوا دورتها الإقتصادية فصاروا يتقاضون منها رواتبهم ويحملون جوازات سفرها ولها يدفعون ضرائبهم.

أما الذين “إبتلعتهم” إسرائيل مع “نكسة” حرب الأيام الستة العام 1967 فهم مقسمون إلى شريحتين:

شريحة تحتل غزة بدعم إيراني، وشريحة موزعة في الضفة الغربية لنهر الأردن تفضل العودة إلى حدود ما قبل نكسة حزيران 1967 بإشراف السلطة الوطنية الفلسطينية.

شريحة غزة “دورها” إيراني، وهو الذي وجّه بوصلة حركتي حماس والجهاد الإسلامي من غزة بإتجاه لبنان وسوريا لتأمين طريق ملالي نظام الولي الفقيه الفارسي إلى المسجد الأٌقصى، كخطوة أساسية على طريق التوجه إلى مكة المكرمة للسيطرة على الكعبة المشرّفة وتزعّم العالم الإسلامي بكل مكوناته بعد إسقاط القيادة العربية الممثلة بخادم الحرمين الشريفين.

لذلك دعا الخميني إلى الإحتفال بيوم القدس العالمي سنوياً في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان في محاولة لإلغاء مناسبة ذكرى يوم الأرض والتي يحييها الفلسطينيون في 30 آذار من كل عام منذ العام 1967 لرفض قانون إسرائيل بمصادرة الأراضي الفلسطينية التي لا يستثمرها مالكها الفلسطيني الذي غادر أرضه، وسمي قانون الإستملاك هذا “قانون أملاك إسرائيل” وأعطت الدولة العبرية بموجبه جنسيتها للفلسطني المقيم تحت سلطتها لقاء مصادرة أراضي الذين غادروا فلسطين منذ النكبة وبعد النكسة.

فهل يجد الدور الفارسي المتخفي بإسم القدس من يؤيده في العالم غير محور فارس وجبهة ممانعتها لدور العرب في قيادة المسلمين؟

أما لبنان الكبير فقد ولد في الأول من أيلول عام 1920 عندما وقف الجنرال غورو في قصر الصنوبر ببيروت، إلى يمينه البطريرك الياس الحويك وإلى يساره مفتي بيروت مصطفى نجا، معلناً “باسم فرنسا وأمام ممثلي الدول وممثلي الشعب اللبناني من كل الطوائف أعلن استقلال لبنان الكبير من قمم حرمون إلى البحر، ومن النهر الكبير إلى أطراف صور بكل عظمته ومجده”.

ما هو الدور الذي رأته فرنسا في “عظمة ومجد لبنان الكبير”؟

لم يكن يوجد في الهلال العربي المشرقي أي دولة لديها جامعة ناطقة بالفرنسية سوى لبنان بجامعته اليسوعية أما بقية دول الهلال فكانت إما أنغلوفونية أو عثمانية، لذلك أرادت فرنسا للبنان “دوراً” يجعله ممثلاً لأمبراطوريتها الثقافية المعروفة بالفرانكوفونية.

وهكذا أعطت فرنسا “لبنانها الكبير: ما وصفه المرجع الدكتور إدمون رباط بأنه “دولة بنصف سيادة، ليست مستعمرة، لكنها بنصف سيادة، ليست لديها سيادة كاملة لا على أراضيها ولا على مقدراتها”….

أما البطريرك الحويك، الذي كان من المرحبين أساساً بدور باريس، فقد قال بعد تجربة الفرنكوفونية: “فرنسا كالشمس، تنير من بعيد وتحرق من قريب.”

صدق البطريرك الحويك، فقد أنارت فرنسا لإيران آراء الإمام الخميني الذي إستضافته في أراضيها، ثم أحرقتها بنظريته عن الولي الفقية بعدما نقلته على متن طائرتها إلى طهران ليحل مكان الشاه محمد رضا بهلوي ويطيح بالمشهد الإيراني المعارض الذي كان قد ساهم في الثورة ضد الشاه.

أما لبنان، الذي أرادته فرنسا منبراً لفرانكوفونيتها فقد صار منبراً لحزب إيران غير القادر على حسم سيطرته على لبنان بسلاحه وغير ناجح في إستجلاب ما يكفي من الأتباع من شرائح خارج نسيجه الطائفي كي يسيطر على البلد بأسلوب “ديمقراطي” شكلاً،

وبقي لبنان متروكاً تائها في فراغ رئاسي وإنهيار إقتصادي وتشتت ثقافي وإستشراء فسادي بإنتظار من يمن عليه بدور يمكّنه من الإنطلاق مجدداً في مهمة تأدية هذا الدور، هو وعدوّه الرسمي جنوباً وشقيقه اللدود شرقاً وشمالاً الذي سيبحث العرب شروط الدور الذي سيناط به لقاء مقايضته بإسترجاعه إلى “حضنهم”…

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us