المعاملات العقاريّة في لبنان: “سارحة والربّ راعيها”!


أخبار بارزة, خاص 18 نيسان, 2023
المعاملات العقارية

فيما الدولة في وادٍ، وموظفو القطاع العام في وادٍ آخر، تتفاقم أزمة الدوائر العقاريّة، لتزيد الطين بلّة، وتترك المواطن اللبناني يتخبّط، في آخر زورق نجاة تبقّى له.


كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:

هو شلل خبيث، أصاب جميع الإدارات العامّة في لبنان، واجتاحها كاجتياح فيروس خطير لجسم الإنسان، فيتركه ضعيفاً عاجزاً. فمن الماليّة، إلى النافعة، وموظفي الضمان، وأوجيرو، والمدارس الرسميّة.. قطاعات عامّة أضرب موظفوها مهدّدين بتوقيف عمل المرفق العام. بعضهم عاد عن إضرابه والبعض الآخر يهدّد بالتصعيد تارة، ويعاود عمله طوراً، آملاً بأن تلقى مطالبه آذاناً مصغية.
وفيما الدولة في وادٍ، وموظفو القطاع العام في وادٍ آخر، تتفاقم أزمة الدوائر العقاريّة، لتزيد الطين بلّة، وتترك المواطن اللبناني يتخبّط، في آخر زورق نجاة تبقّى له. فالجمود الذي أصاب هذه الدوائر منذ نهاية العام الفائت، على خلفيّة التوقيفات القضائية لعدد من موظفي الدوائر العقارية في كلّ من منطقة بعبدا، والزلقا، وعاليه، وجونية، وغيرها، بتهم فساد مختلفة مثل تقاضي رشاوى، وإثراء غير مشروع، وتحويل مشاعات إلى ملكية الخاصة، لا يزال مستمرًّا حتى اليوم، بعد تضامن عدد من موظفي هذه الدوائر وعلى رأسهم أمناء السجلّ، في كافّة المناطق اللبنانيّة، مع زملائهم الموقوفين، مهددين بالتصعيد، معتبرين أنهم مظلومين.
في المقابل وقفت الدولة متفرّجة، على قاعدة شاهد “ما شفش حاجة”، ولم تتكلّف حتى عناء تعيين موظفين بدلاء عنهم. والنتيجة، عمليات شراء متوقّفة، تنتظر تسجيلها، وعمليّات بيع عالقة في وزارة الماليّة، وآلاف الإيرادات المتبخّرة، حرمت منها خزينة الدولة.

استئجار الشقّق
إلى ذلك، لم تنحصر مسألة شلل الدوائر العقاريّة على عمليّات الشراء والبيع، بل تعدّتها لتطال حتّى عمليات التأجير، حيث لم يعد باستطاعة المؤجّر أو المستأجر، الاستحصال على إفادة عقاريّة تؤكّد لمن تعود ملكيّة العقار المؤجّر، ما يفسح المجال للعديد من عمليّات النصب والسرقة والاحتيال، والتي يتخوّف البعض منها.
وهو ما نقله أحد المواطنين اللبنانيين في حديثه لموقع “هنا لبنان”، مشيراَ إلى أنّه وزوجته يرغبون باستئجار شقّة في إحدى مناطق المتن، إلاّ أنّ المشكلة تكمن، في محاولتهم تأمين إفادة عقاريّة تؤّكّد أنّ من يريد تأجيره المنزل، هو صاحب العقار، ويحقّ له تأجيره. شارحاً “حاولنا اللجوء إلى موقع وزارة الماليّة لوضع رقم العقار والتحقّق من هويّة المالك، ولكن حتى الموقع “مأضرب” على حسب تعبيره، “فهو خارج عن الخدمة منذ أكثر من أسبوعين، فيما الدوائر العقاريّة في حالة إضراب مفتوح. فلا حلّ أمام زوجتي وأنا، إلاّ باستئجار الشقّة على الله، فلا مكان آخر لنا لنقصده”.

حلّوها إذا فيكن!
في هذا الإطار، يقول الدكتور جورج نور، المتخصّص باقتصاديات العقارات، في حديثه لـ “هنا لبنان”، أنّ “ما يحصل غير مقبول، موظفون يقبضون من المال العام فيما يأخذون الشعب رهينة بالتواطؤ مع الحكومة”، معتبراً أنّ “سلسلة الرتب والرواتب، أكبر رشوة سياسية، وهي أحد أسباب الانهيار العام. وفي المقابل يعجز المواطنون الملتزمون بواجباتهم تجاه الدولة عن تسديد الضرائب والرسوم، ما يحرم خزينة الدولة كثيراً من الإيرادات في وقت هي بأمسّ الحاجّة لتأمين مداخيل!”
ويضيف نور، “ليس هناك بلد في العالم بهذا المستوى من الانحطاط. حيث نصف موظفي الإدارات العقاريّة موقوفون، والنصف الآخر “هربان”. وعلى الرغم من ذلك فإنّ الدولة التي لا تملك موظّفين أصلاً تقررّ إضافة الرسوم ورفعها! والأخطر، أنّ كل الرسوم الجديدة خاضعة للغرامات، و”حلوها إذا فيكم”!، متسائلاً “ماذا ينتظر المعنيّون للتحرّك؟ عصياناً مدنيّاً؟”

إلى كتّاب العدل در
وعن الحلول الممكنة يقترح نور، “إعطاء الصلاحية لكتاب العدل (من أصحاب إجازات الحقوق، وحالفي اليمين) ليتمموا كافة الإجراءات القانونيّة على مسؤوليتهم الجزائية، وبذلك يتمّ إراحة المواطنين ويتمّ وقف التسلط والتشبيح على الناس مع مكننة كافة الخدمات”.

نراك في العام المقبل!
ويعدّد نور المشاكل التي يواجهها المواطنين ساخراً من الوضع، ويقول “أصبح المواطن الذي يريد تخليص طلب إفادة عقارية، يلجأ إلى موقع الوزارة ويحاول التقديم عبر “السيستم”، فيكون معطلاً! ليعود ويذهب إلى الدائرة العقاريّة ويقدّم طلبه، فيعطى موعداً الأسبوع المقبل، في اليوم المحدّد، وإذا صادف هذا النهار يوم عطلة أو إضراب ، “راحت عليك للأسبوع يلي بعده”، ليأتي المواطن في الأسبوع الرابع، ويتفاجأ بأن لا كهرباء للطباعة، والأسبوع الخامس هناك شحّ بالورق أو الحبر، والأسبوع السادس، مرض الموظف أو لا يملك ثمن البنزين للوصول إلى عمله، وهكذا دواليك. حيث يقع المواطن في دوّامة لا تنتهي من المماطلة وتضييع الوقت وقلّة الإنتاجية، على مدى أسابيع كاملة، بالإضافة إلى تكاليف التنقل الباهظة، من أجل الاستحصال على إفادة عقارية، لا تأخذ من وقت المواطن الطبيعي في دولة تحترم نفسها أكثر من دقائق معدودة، لإنجازها. فكيف سيكون الوضع إذا ما حاول الشخص تنفيذ عملية بيع أو شراء عقاريّة؟”، معلقاً باستهزاء “تبدأ معاملاتك في خريف العام الأول وتنهيها في صيف العام الثاني إذا حالفك الحظّ! ويكون المواطن قد دفع يلي “فوقو ويلي تحتو” لإنجازها وفقاً للقانون!”

للحدّ من خسارتكم استشيروا محامياً
ومن جهتها، تلفت مصادر قانونيّة في حديثها لموقع “هنا لبنان” إلى أنّ “الحلّ الأمثل لكلّ من يريد شراء عقار في لبنان هو بأن يقوم الزبون بدفع دفعة أولى من ثمن الشقّة، لصاحب العقار، على أن يحتفظ بالقسم الثاني ولا يقوم بتسديده لصاحب الملك إلّا بعد حصوله على إفادة عقارية تثبت أنّ من يبيعه العقار هو المالك الأصليّ ويحقّ له التصرّف بالشقّة أو الأرض، (بيع أو تأجير أو استثمار…) وبأنّ العقار الذي اشتراه ليس عليه أي إشارة قضائية أوّ تمّ بيعه لشخص آخر، وطبعاً يحتاج الشاري إلى مساعدة محامٍ لضمان حماية حقّه. وبذلك، وفي حال كان العقار تشوبه بعض المشاكل، يكون الشاري قد حدّ من خسارته!”

الدوائر العقاريّة: “يوم لك ويوم عليك”
وفي جولة لـ”هنا لبنان” على بعض الدوائر العقاريّة يتبيّن الآتي: الموظفون تبخّروا في دائرة بعبدا، مكاتب فارغة، وأبواب شبه مقفلة، أمّا في جونيه فإنت وحظّك، حيث تقفل الدوائر العقارية وتفتح وفق مزاج الموظفين، دون الالتزام بأيام أو تواقيت معيّنة. أمّا دوائر الشمال “فلا تنده ما في حدا”: بحالة إقفال دائمة، فيما دوائر العاصمة بيروت، تقفل وتفتح “عالهلّة”، دون انتظام بالعمل.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us