مناورات باريس الرئاسية ومسؤولية المعارضة
ما الذي استجد ودفع الناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية إلى عقد مؤتمر صحافي لتعلن خلاله، وليس عبر بيان عادي، أنه ليس لفرنسا مرشح في لبنان؟
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
آخر فصل من مسلسل تسويق سليمان فرنجية رئيساً، انسحاب فرنسا راعيه الخارجي بشكل مفاجئ بعد يومين فقط على إعلان فرنجية نفسه من الصرح البطريركي الماروني وبكل ثقة مرشحاً يتباهى بأنه متبنى من ثنائي “حزب الله” وحركة أمل ويفاخر بعلاقات صداقة عائلية متينة مع بشار الأسد. ليس هذا فقط، فقد عبّر فرنجية العائد من باريس عن ارتياحه وثقته بأن فرنسا مقتنعة بترشيحه وتعمل جادة على إقناع السعودية بـ “الضمانات” التي قدمها، ودعا أخصامه إلى التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية التي تهب لصالحه. فما الذي حصل؟ وما الذي استجد ودفع الناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية إلى عقد مؤتمر صحافي لتعلن خلاله، وليس عبر بيان عادي، أنه ليس لفرنسا مرشح في لبنان؟ في حين كان الرئيس إيمانويل ماكرون يسعى جاهداً ويفعّل مستشاره لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل على خط باريس-الرياض لإقناع المسؤولين السعوديين بفرنجية و”ضماناته الخطية” ومواصفاته الرئاسية. وهل الموقف الفرنسي المفاجئ هو حقيقة أم مناورة؟
في المقابل، إن “الانسحاب” المفاجئ يحاول أن ينفي أنه كان لفرنسا حتى الأمس مرشح عملت على تسويقه منذ أشهر علناً وبقوة منذ أول اجتماع للدول الخمس المهتمة بإيجاد مخرج للأزمة والفراغ الرئاسي، وتصر عليه رغم معارضة أو عدم قناعة الأربعة الآخرين. لماذا؟ وما الذي يدفع ماكرون إلى التمسك بفرنجية؟ حب “الأم الحنون” للبنان ومسيحييه، أم لمصالح فرنسا الاقتصادية والنفطية والغازية في إيران وفي لبنان عبر فرض مرشح نصرالله رئيساً؟ إن باريس نسقت وتنسق علناً، مباشرة أو عبر سفيرتها في بيروت، موقفها مع طرفي المعادلة الإيرانية-السورية حسن نصرالله ونبيه بري، الذي كان السباق إلى إعلان ترشيح فرنجية، فيما لم يتجرأ هذا الأخير حتى الآن أن يعلن هو شخصياً ترشحه. كما أنها حاولت فرض معادلة مقايضة فرنجية رئيساً للجمهورية ونواف سلام رئيساً للحكومة. غير أن عدم توفر النصاب (86 صوتاً) ولا الأكثرية النيابية المطلوبة لانتخابه (65 صوتاً) منع حتى الآن فرض فرنجية، وهذا يعود إلى رفض المعارضين، من القوات إلى الكتائب إلى العونيين وإلى مستقلين وغيرهم، وكذلك إلى رفض كتلة جنبلاط التي ترى في فرنجية مرشح تحدٍّ، كما ترفض أن تدعم مرشح لا يحظى بتأييد أي من القوى المسيحية الأساسية. ورفض هذه القوى يحصنه موقف السعودية التي ترفض تزكية أي مرشح لـ “حزب الله” على غرار ما كان عليه ميشال عون.
فهل تحاول فرنسا أن تسلك تكتيكاً آخر عبر متابعة ضغوطها بعيداً عن الأضواء أم أنها اصطدمت بالجدار السعودي؟ وهل فرنجية، مدفوعاً بعرابيه، يحاول استباق الأمور وفرض أمر واقع عبر إيهام بكركي أنه بات الأوفر حظاً محلياً وخارجياً، وثانياً إرباك معارضيه الذين يراوحون مكانهم في رفضهم لترشحه؟
مهما يكن من أمر فإن على المعارضة الضائعة، وبحسابات “الدكنجي” لبعضها، أن تحزم خياراتها، إذ أنَّ التحدي ليس مجرد منع إيصال فرنجية، على أهميته، وإنما عليها أن تخوض معركة بعناوين سياسية سيادية واضحة وحاسمة. فهل تقبل المعارضة على سبيل المثال بترشيح جبران باسيل، الذي لم يقل يوماً أن خلافه مع “حزب الله” هو حول شرعية السلاح، وهل أن باسيل لا يعود إلى حضن “حزب الله” في حال تبني نصرالله لترشيحه، أو إذا حصل على ضمانات ومواقع في السلطة للمرحلة القادمة؟ إن كسب المعركة ضد فرنجية وعرابيه لا يكون فقط برفضه وإنما بتوحد المعارضة بكافة قواها وأطيافها، وتنوعها الطائفي والمناطقي، واستغلال التطورات الإيجابية في المنطقة وتحويلها إلى “مومنتم” لصالحها بالاستناد إلى الموقف السعودي الصلب وتبني مرشح سيادي يحضنه نصاب سياسي واضح وحاسم عنوانه رفض هيمنة “حزب الله” وسلاحه على السلطة، ورفض ما يسمى “الاستراتيجية الدفاعية” التي تبقي السلاح بيد “حزب الله”، ويبقى لبنان بالتالي خارج محيطه العربي ومنبوذاً من الشرعية الدولية!
مواضيع مماثلة للكاتب:
التحدّي ينتظر “الحزب” في نهاية الـ60 يومًا | إيران تفاوض.. فمن يوقع عن لبنان؟ | برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! |