النازحون ثقلٌ ينوء به مسبّبوه


أخبار بارزة, خاص 1 أيار, 2023
النازحين

إذا كانوا جادّين فعلاً في تنظيم عودة النازحين لماذا لا يحاورون أيضاً المعارضة السورية التي أبدت استعدادها لاستقبالهم في مناطق الشمال التي تسيطر عليها؟

كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:

لم يعد مستغرباً أو مفاجئاً ما يتعرّض له اللبنانيون لأنّ ما ذاقوه وعانوا منه، وما زالوا يدفعون ثمنه لا يعدّ ولا يحصى، لدرجة أنّ المنظومة المتربّعة على الكرسي منذ عقود سوف لن تجد من تتحكم به، سواء بفعل الهجرة أو البطون الخاوية أو الاستسلام!

ولا حاجة إلى القول أنّ الماكيافيلية أصبحت وسيلة بدائية تخطّاها الزمن أمام إبداعات ووقاحة سلطة هي مزيج من كلّ شيء وتمارس كلّ الموبقات، وتنقصها فقط الكرامة.

وبعد شلّ وتعطيل كلّ المؤسسات والدوائر وتفريغ كل مواقع السلطة، التي تعني في ما تعني – أي السلطة – تداولها عملاً بالقول المأثور “لو دامت لغيرك لما آلت إليك”، يعملون الآن على تعزيز استئثارهم واحتكارهم لهذه السلطة بشدّ عصب ما تبقى من نبض غاضب ورافض عبر تأليب اللبنانيين ضد “عدو داخلي – خارجي” في آن يعرفون جيداً أنّ حضوره بات يشكل ثقلاً يومياً على اللبنانيين، جعلت منه الظروف الموضوعية، والسياسية بطبيعة الحال، منافساً على خبزهم وأمنهم. ولا شكّ أنّ النزوح السوري بثقله وكثافته العددية (نحو مليوني نازح) أي ما يعادل أكثر من ثلث عدد السكان، يجعل من لبنان بحسب آخر الاحصاءات بلد النزوح الأوّل في العالم نسبة لعدد سكانه ولمساحته.

وتحوّل هذا النزوح إلى حمل اقتصادي واجتماعي وديموغرافي لا طاقة للبنان على تحمله، في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي وتحلل الدولة والفساد المتفشي وتقاعس السلطة عن القيام بواجباتها تجاه اللبنانيين أنفسهم، عدا عن المشاكل الأمنية التي يولدها، ما يجعل من السهل اللجوء إلى سلاح تأليب وتجييش اللبنانيين ضد النازحين.

ومن أجل إيجاد حلّ فعلي لمشكلة النزوح السوري لا بدّ من معرفة الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى هذا النزف في مختلف الاتجاهات. ويجب القول أولاً أنّ النزف السوري نحو لبنان قديم من عمر حزب البعث في السلطة أي منذ ستين سنة، ثمّ اندلعت الثورة على النظام الأسدي في عام 2011 واضطر عشرات الآلاف من السوريين إلى الهرب من جحيم القمع والبراميل المتفجرة واللجوء إلى الدول المجاورة مثل لبنان والأردن وتركيا، وثمّ ركوب عباب البحر إلى دول أوروبا. والعامل الثاني الذي ساهم في تدفّق النازحين هو “حزب الله” الذي سارع باكراً إلى نجدة النظام السوري عام 2013 خوفاً عليه من السقوط، وأرسل ميليشياته إلى مقاتلة السوريين وتهجيرهم وقتلهم في القصير والقلمون وحمص وفي أماكن أخرى من سوريا حتى حلب، وحول شريط الحدود السورية – اللبنانية إلى محمية له. ولا يزال منتشراً في سوريا ويشكل رأس حربة لملالي إيران الذين يسيطرون على مناطق بكاملها وينافسون روسيا اليوم للسيطرة على ما تبقّى من سلطة الأسد. وقد حصل ذلك في ظلّ وجود حكومة، (بين عامي 2011 و2014)، من لون واحد “ممانع” يرأسها نجيب ميقاتي، ووقف “حزب الله” يومها بقوة إلى جانب حلفائه (التيار العوني يومها) ضدّ تنظيم هذا النزوح كما كانت تطالب قوى 14 آذار سابقاً عبر إقامة مخيمات لهم على الحدود. وأوّل حملة مراقبة وتعقب للنازحين السوريين قام بها “حزب الله” في الضاحية الجنوبية بحجّة منع تسلّل “الإرهابيين” منهم إلى مناطق نفوذه. وبعد سنتين على التدخل الروسي لمنع سقوط الأسد (عام 2015) بدأ لبنان عام 2017 بمحاولة تنظيم عودة تدريجية للنازحين فكان النظام السوري نفسه أوّل الواقفين بوجهها، وخلال خمس سنوات لم يتمكن اللواء عباس ابراهيم من إرجاع أكثر من بضعة آلاف، ولم تخلُ العملية من مئات حالات الاعتقال أو الاختفاء.

واليوم، في ظلّ انسداد الأفق أمام عملية فرض سليمان فرنجية رئيساً لجأ اركان السلطة إلى تحريك ملف النزوح لإلهاء اللبنانيين به وتأليبهم على النازحين، والأسوأ من ذلك استعمال السلاح الطائفي المقيت لإظهار كأنّ المسيحيين هم من ينتفض على السوريين المسلمين. فإذا كانوا جادّين فعلاً في تنظيم عودة النازحين لماذا لا يحاورون أيضاً المعارضة السورية التي أبدت استعدادها لاستقبالهم في مناطق الشمال التي تسيطر عليها؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar