تقرير ديوان المحاسبة أمام لجنة الإتصالات النيابية: خطوة جريئة والعبرة في استكمال التحقيقات


أخبار بارزة, خاص 6 أيار, 2023
تقرير ديوان المحاسبة

لا شك أن ملف الاتصالات من القضايا الشائكة المسببة لهدر المال العام، والهيئات الرقابية قادرة على وضع الجميع أمام مسؤولياتهم، إذا ما أرادت.. وبين تقصير وسوء إدارة وفساد ووزراء اتصالات توجه لهم أصابع الاتهام، دولة لبنانية بمواطنيها تدفع الثمن.


كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:

مع إثارة ملف الاتصالات برزت مكامن الهدر والسرقة واختلاس الأموال العامة، إلى الواجهة مجدداً. ففي كل مرة يُفتح ملف فساد يطال هذا القطاع، يُطوى بطريقة تثير الشكوك بإمكان الوصول إلى الحقيقة كاملة واسترداد المال المهدور.

ديوان المحاسبة الذي أصدر في 11/4/2023، تقريراً مفصّلاً حول قطاع الاتصالات عُرف إعلامياً بفضيحتي مبنى قصابيان في الشياح ومبنى “تاتش” الجديد في الباشورة، وثّق الفساد والهدر في كل مفاصل القطاع بشكل متوارث من وزير إلى آخر، محملاً 6 وزراء دفعة واحدة المسؤولية عن هدر المال العام، ما أدى إلى خسارة الخزينة أكثر من 110 ملايين دولار مرشّحة للارتفاع لناحية احتمال تحمّل المزيد من الخسائر والتعويضات وصولاً إلى خسارة المبنى الذي تستعمله “تاتش” حالياً، إذا لم تسارع الجهات المعنية إلى حسم أمرها والتصدّي للمحاولات المستمرة لنهب المال العام.

فضائح لا تحصى تطال أحد أهم مداخيل الدولة، حتى بات يعرف هذا القطاع بمغارة علي بابا لأن الوزراء المتعاقبين الذين كان من المفترض أن يكونوا أوصياء على الأموال العامة غرفوا منها بلا حسيب ولا رقيب.

وقد تناولت لجنة الإعلام والاتصالات النيابية هذه الفضيحة في اجتماع خصّص للبحث في التقرير الأخير لديوان المحاسبة الذي صدر قبل أسبوعين، وتطرق إلى مسألتين أساسيتين مبنى “تاتش” في الباشورة ومبنى “قصابيان” في غاليري سمعان. اللجنة عقدت برئاسة النائب ابراهيم الموسوي وحضور وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم والأعضاء النواب. وأرسل وزير العدل القاضية ماريز العم لتمثله في هذا الاجتماع. كما حضر رئيس ديوان المحاسبة القاضي محمد بدران، رئيسة هيئة القضايا هيلانة اسكندر وممثلون عن الإدارات المعنية.

مصادر مطلعة أكدت لموقع ” هنا لبنان” أن النقاش داخل اللجنة تمحور بشكل أساسي على أهمية أن يقوم ديوان المحاسبة بعمله والذهاب بملفات الفساد إلى خواتيمها وصولاً إلى المحاكمة.

وسجلت في خلال الاجتماع مداخلات لنواب توجهوا بها إما إلى زملائهم أو إلى ديوان المحاسبة، فيما لم يكن لدى النواب أي اعتراض على التقرير ككل إلا أنهم رأوا أن بعض الأمور في التقرير تحتاج إلى توضيحات وتفاصيل أكثر لم يتم التطرق إليها، فيما كان من الممكن الحصول عليها من خلال التوسع بالتحقيقات لتشمل موظفين والادعاء على المتورطين منهم لاستكمال حلقة الفساد وصولاً إلى الوزراء وإلا ستبقى الأمور ناقصة وتلصق بها صفة الشعبوية لا أكثر ولا أقل.

وقد سأل أحد النواب عن سبب تسريب تقرير ديوان المحاسبة إلى الإعلام قبل أن تطلع عليه الجهات المعنية وعن الهدف من هذا التسريب، فيما الإعلام تعاطى مع التقرير كحكم مبرم.

وكانت مداخلات اتسمت ببعض التشاؤم لناحية أن تقرير ديوان المحاسبة لن يتوصل إلى أي نتيجة إذ أنّ الممارسة في لبنان أثبتت أن الأمور لم تصل يوماً إلى المحاسبة انطلاقاً من أن هذا الملف الذي يشوبه الفساد متشعب وتتداخل فيه مصالح سياسية عديدة ومعالجته تتطلب توافقاً حوله.

وأخذ موضوع تسجيل مبنى الباشورة حيزاً من النقاش إذ أنّ الشركة المالكة رفعت دعوى في آذار 2022 تطلب فيها إخلاء المبنى بعد أن توقفت “ميك 2” ولسبب مجهول عن دفع ثمنه نقداً منذ العام 2020 ما رتب عليها فوائد كبيرة، فيما لم تضمن حقها في المبنى، وتركته مرهوناً من دون وضع إشارة عقد على الصحيفة العينية للعقار تمنع تصرف المالك به. وتكون بذلك قد اشترت مبنى مرهوناً من دون أن تتملكه. وهو الأمر الذي لا يزال مستمراً حتى اليوم.

وتشير المصادر في هذا الإطار إلى أنه كأن هناك نوعاً من التواطؤ بين الشركة المالكة وإدارة “تاتش” للتنازل عن المبنى والعمل على أن تخسر وزارة الاتصالات الدعوى وبالتالي المبنى.

رئيس ديوان المحاسبة تحدث خلال الاجتماع عن أنه تم هدر 100 مليون دولار بطريقة غير مسبوقة، وهي عملية نصب كبيرة. وقد أوضح الديوان أنه استند في تقريره إلى مراسلات وكتب رسمية مع الوزارات والإدارات المعنيّة.

أما الوزير جوني القرم فقد شرح ما قام به من إجراءات في هذا الملف منذ توليه الوزارة، وعند تطرقه إلى مسألة عدم تمكنه من وضع إشارة على عقار «تاتش» الجديد، عازياً السبب إلى إضراب الدوائر العقارية، كانت تعليقات لبعض النواب الذين لفتوا إلى أن الدوائر الرسمية تفتح أبوابها أحيانًا استنسابياً لبعض الأشخاص لنقل ملكياتها وتسجيلها، في حين أن وزيراً في الحكومة لم يستطع أن يمون على وزير آخر لفتح أبواب الوزارة من أجل مسألة مرتبطة بهدر المال العام.

الخلاصة التي خرج بها المجتمعون هي أن ديوان المحاسبة سيتابع الملف وأنه “من الآن حتى أسبوعين أو ثلاثة من الممكن أن تصدر الأحكام بعدما يدلي الوزراء بدفاعهم. وإحالة هذا التقرير إلى النيابة العامة التمييزية.” ومن المرجح أن يستكمل الديوان عمله بتحويل الغرفة المعنية إلى غرفة قضائية بحيث ينتقل التحقيق في الملف من تحقيق إداري إلى تحقيق قضائي.

وعلى رغم بعض التشاؤم من الوصول إلى نتيجة، خرج النواب بانطباع أن تقرير ديوان المحاسبة تجربة جديدة بفتح ملفات فساد تفصيلية في كل قطاع، ولم يسبق أن قامت به أي جهة قضائية أو إدارية بالدولة اللبنانية وإذا استتبعت بتحقيقات وادعاءات جدية من الممكن الوصول إلى نتيجة. فيما الأهم هو عدم الخضوع للأجندات السياسية.

لا شك أن ملف الاتصالات من القضايا الشائكة المسببة لهدر المال العام، والهيئات الرقابية قادرة على وضع الجميع أمام مسؤولياتهم، إذا ما أرادت.

وبين تقصير وسوء إدارة وفساد ووزراء اتصالات توجه لهم أصابع الاتهام، دولة لبنانية بمواطنيها تدفع الثمن.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us