برّي الثاني عشر ولويس الرابع عشر


أخبار بارزة, خاص 5 حزيران, 2023
برّي

في أيّ حال، إذا كانت الجلسة المقبلة ستكون خاتمة أحزان الاستحقاق الرئاسي، يستحق رئيس المجلس عندئذ لقب “برّي الثاني عشر”، نظراً لأهمية هذا الاستحقاق الوطني الذي قال فيه البطريرك الراعي إنّه لا يرتبط بمعادلة “غالب ومغلوب”، بل إنّها معادلة “الوطن غالب” لمصلحة جميع اللبنانيين.

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

عشية انطلاق المعارضة في ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، كان رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي بيده قرار الدعوة إلى عقد جلسة نيابية لانتخاب الرئيس العتيد، يردّ عبر أوساطه الإعلامية على الذين يطلبون منه فتح أبواب مبنى ساحة النجمة قائلاً: “جعجعة بلا طحين، ذلك هو التوصيف الواقعي للضخّ الإعلامي والسياسي ذات الصلة بتسمية مرشح رئاسي من جانب القوى المناهضة للمرشح الجدي سليمان فرنجية!”

في المقابل، قال عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب بيار بو عاصي، في تصريح أدلى به في باريس، إنّ رئيس البرلمان “لا يستطيع أن يدّعي امتلاك صلاحيات كالملك لويس الرابع عشر الذي كان يقول “أنا الدولة والدولة أنا”. لذا، لا يستطيع بري أن يقول أنا المجلس والمجلس أنا”.

أغلب الظن أنّ أوساط الرئيس برّي الإعلامية، لم تكن على علم بعبارة “جعجعة بلا طحين” التي استخدمتها للنيل من منتقديه. ومن أجل أخذ العلم، إنّ أصل العبارة بالإنكليزية هو “Much Ado About Nothing” وقد وردت في مسرحية كوميدية من تأليف ويليام شكسبير، ونشرت عام 1623. وتعتبر “جعجعة بلا طحين” واحدة من أفضل كوميديات شكسبير.

أما بالنسبة للنائب بو عاصي، فقد حالفه التوفيق باستعارة تاريخ أحد أبرز ملوك فرنسا وربما العالم، خلال وجوده في عاصمة تلك الشخصية، وكذلك بإستعارة عبارة هذا الملك والمعروف أيضًا باسم “لويس العظيم” أو “ملك الشمس”، والقائلة :”أنا الدولة والدولة أنا”. لكن المضي بمقارنة ملك فرنسا الراحل برئيس البرلمان اللبناني، ستنتهي إلى نقاط اختلاف أبرزها أنّ فترة حكم الأوّل بلغت أكثر 72 عامًا، وهي أطول فترة مسجّلة لأيّ ملك لدولة مستقلّة في التاريخ. في حين أنّ رئاسة برّي للبرلمان في هذا البلد دخلت هذه السنة عامها الـ31، والتي تعتبر أطول فترة مسجلة في تاريخ لبنان البرلماني.

وفي المقارنة أيضاً، كانت فرنسا في عهد لويس الرابع عشر رمزًا لعصر الاستبداد في أوروبا. لكن إنجازاته البارزة خلال فترة حكمه، والتي كان لها تأثير واسع على العصر الحديث المبكر في الثورة الصناعية وحتى اليوم، شملت بناء قناة دو ميدي، وإنشاء قصر فيرساي وحدائقه، ورعاية الفنانين والملحنين مثل جان بابتيست دو لولي، وموليير وهاسينت ريغو، إضافة إلى تأسيس الأكاديمية الفرنسية للعلوم وغيرها.

في المقابل، يتمتع الرئيس برّي بـ”إنجازات” داخلية أبرزها تربعه منذ ثمانينات القرن الماضي على رأس حركة “أمل” التي أسسها الإمام موسى الصدر، في وقت إرتبط إسم بري أيضاً، بفكرة الحوار البرلماني، لكن أيضاً بتعطيل عمل المجلس كما كان الحال بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري كي لا يتسلم برّي مشروع نظام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والذي أرسلته حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في 30 آذار 2007 .

وفي كتاب “حارس الجمهورية” الذي يضم سيرة العلامة الدستوري حسن الرفاعي، يعتبر الأخير أنّ “صلاحيات رئيس مجلس النواب، عدا الشق البروتوكولي منها، تنحصر داخل جدران المجلس النيابي، وأنّ الدستور لا يلحظ أيّ صلاحية خاصة لرئيس المجلس عدا ما ورد في المادة 46 من الدستور التي تقول: “للمجلس دون سواه أن يحفظ النظام في داخله بواسطة رئيسه”. أما صلاحية رئيس المجلس في الدعوة إلى جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية (المادة 73 من الدستور)، فلا داعي للتوقف عندها طالما أنّ المجلس يجتمع حكماً في اليوم العاشر قبل إنتهاء ولاية الرئيس السابق (أي دون حاجة إلى دعوة من رئيسه).

المشهد الرئاسي الذي تكوّن في عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، إنطوى على تأييد كبير جداً بنوعيته ودلالاته لمرشح المعارضة جهاد أزعور، وهو تأييد لم يحظ به مرشح الثنائي الشيعي رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية.

بالعودة إلى أصل هذا المقال، لا بد من القول أنّ هناك 13 عشر ملكاً تبوّأوا عرش فرنسا قبل أن يأتي دور لويس الرابع عشر. في المقابل، فإنّ مبادرة الرئيس بري، إذا ما تحققت بالدعوة إلى جلسة جديدة لإنتخاب رئيس للجمهورية، فستحمل الرقم 12 بعد 11 جلسة لم تتكلل بالنجاح. فهل سيقدم رئيس البرلمان على هذه المبادرة، بكل طيبة خاطر الدستور اللبناني؟ أم أنّه سيرفض ذلك نزولاً عند خاطر الحسابات الضيقة التي تكاد تخنق لبنان؟

في أيّ حال، إذا كانت الجلسة المقبلة ستكون خاتمة أحزان الاستحقاق الرئاسي، يستحق رئيس المجلس عندئذ لقب “برّي الثاني عشر،” نظراً لأهمية هذا الاستحقاق الوطني الذي قال فيه البطريرك الراعي إنّه لا يرتبط بمعادلة “غالب ومغلوب”، بل إنّها معادلة “الوطن غالب” لمصلحة جميع اللبنانيين.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us