نفيان ينهيان أزمة


أخبار بارزة, خاص 9 حزيران, 2023

ولد الاستقلال، عام 1943، من نفيين متقابلين، واليوم يريد كل من الطرفين تجريد الآخر من القدرة على إيصال مرشحه، أحدهما بالوسائل الديموقراطية، فيما الآخر يلوّح باستخدام القوة المقنّعة دستورياً، ويهول بغد مظلم، على طريقة الموفد الأميركي سنة 1988 لحل أزمة الرئاسة يومها، ريتشارد مورفي، وقوله الشهير “مخايل الضاهر أو الفوضى”.

كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

“نفيان لا ينتجان وطناً”. مقولة جورج نقاش، (السفير وناشر جريدة “الأوريان”)، بعد 6 سنوات على استقلال لبنان، تتكرر اليوم، بصيغة أخرى بعد ما ينوف على 80 سنة على ولادة لبنان الذي نعيشه ونعيش فيه. سند النص الأساسي انقسام البلاد عمودياً، بين مسيحي تخلى عن التمسك بالانتداب الفرنسي، ومسلم تنازل عن المطالبة بالبقاء تحت العلم السوري، أي ترفّع كل منهما عن “مرجعه” ليولد لبنان. لكن، وكما قال جورج نقاش في المقام نفسه، فإن “الدولة لا تولد من ضعف قوتين”، وهو ما ينطبق اليوم على المشهد النيابي بين توأم شيعي استطاب التحكم بالبلد، إلى حد هدر حقوق الآخر الدستورية والقانونية، ويكاد يحاكي لويس الرابع عشر بالقول، والفعل “أنا الدولة والدولة أنا”، مرة بالتطبيق الميليشياوي، ومرات بلصق “دينة الدستور” حيث يناسبه، أو “باستهبال” الرأي العام، وادعاء التذاكي عليه، كتصوير ميشال معوض، وتالياً جهاد أزعور، أنهما مرشحا تحدٍّ، كأنّما الأمر الطبيعي أن يكون للتوأم مرشح تحدٍّ، ولا يكون مثله، ومن غير تحدٍّ، لجبهة عريضة في مجلس النواب.

قمة “الإستهبال”، الذي لا ينطلي إلّا على أصحابه، هي في الدعوة إلى تبني مرشح توافق، ليس، في حساباتهم، سوى سليمان فرنجية، أي أنّ التوأم يعرض على خصومه بالفرض، على طريقة “العرّاب” الدون كورليوني، ويمنع عليهم الرفض، ويسمي ذلك مبادرة توافق، هي، عملياً، عرض إذعان معلن، وليست تسوية بما تعنيه التسوية من مساومات وصفقات متبادلة.

ولد الاستقلال، عام 1943، من نفيين متقابلين، واليوم يريد كل من الطرفين تجريد الآخر من القدرة على إيصال مرشحه، أحدهما بالوسائل الديموقراطية، فيما الآخر يلوّح باستخدام القوة المقنّعة دستورياً، ويهول بغد مظلم، على طريقة الموفد الأميركي سنة 1988 لحل أزمة الرئاسة يومها، ريتشارد مورفي، وقوله الشهير “مخايل الضاهر أو الفوضى”.

لا يقولها التوأم اليوم، بل يروج لها مستبدلاً الضاهر بسليمان فرنجية، متوعداً، بالتلميح، بكل المخاطر، وفي الطليعة منها استمرار الفراغ الرئاسي إلى ما شاء، فإذا كان التصويت حقاً طبيعياً للنواب في جلسة الانتخاب، فإنّ الإنسحاب منها حقٌّ لهم أيضاً، وكذلك وضع ورقة بيضاء في صندوق الإقتراع.

ستنشغل وسائل الإعلام والتواصل، هذا الأسبوع، بمحاورات مع النواب وخبراء السياسة ومدعي العلم بالخفايا، وسينشط الوسطاء والموفدون، بهدف إيجاد مخرج من الانسداد الرئاسي. فـ “جبهة الرفض الوطني”، بتعدادها المتفائل، يمكنها منع وصول مرشح التوأم، لكنها لا تستطيع إيصال مرشحها، بلعبة النصاب. والمشهد نفسه على الضفة المواجهة، الفارق أنّ الأخيرة لا يعنيها تعطيل الحياة العامة، بعدما بنت مؤسساتها، واقتصادها، وطوقت بيئتها بنهج حياة يخصها وحدها، مدارس ومستشفيات وبطاقة “السجّاد” التموينية، وتهرب جمركي صار فجّاً بوقاحته.

ما قد يصون العملية الدستورية، جرأتان: الأولى مصدرها الوزير السابق سليمان فرنجية، الذي يفتقد تأييداً مسيحياً واضحاً، ومصدر الثانية هو النواب الشيعة إذ يخرجون على قرار التوأم. لكن أين هؤلاء وقد عمل التوأم، بالحسنى وبالسوء، على الحيلولة دون وصول أي معارض شيعي له إلى الندوة النيابية، ليحصد، بالتقاسم بين جناحيه، المقاعد الشيعية في مجلس النواب، وليصبح الكلام على الميثاقية تهديداً لأي قرار دولتي.

تصعب ولادة رئيس الجمهورية الأسبوع المقبل، فاحتدام احتساب الأصوات يؤشر إلى مفاجآت اللحظة الأخيرة، بعدما عادت “اللمسات” الدولية إلى مسرح المواجهة بإعلان قصر الإليزيه الفرنسي تغيير موفد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان مبعوثاً “شخصياً” إلى لبنان، في محاولة جديدة لإنهاء الأزمة السياسية في البلد، وتاكيداً لإجهاض الحل الفرنسي السابق (فرنجية- نواف سلام) وذكر بيان الرئاسة الفرنسية أنّ الموفد “يمكنه أن يسهم في حل الأزمة، سواء داخل لبنان أو خارجه”، بـ “إيجاد حل توافقي وفعال” للأزمة اللبنانية التي تفاقمت، لا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب 2020.

لكن “إيجاد حل توافقي” يغضن البحث عن شخصية ليست فرنجية ولا أزعور، فأحدهما ينفي الآخر، بل شخصية ثالثة تسترضي المتنافسين، ما يزيد فرص العودة إلى الجيش كمدرسة “تخرج” الرؤساء منذ الرئيس اللواء فؤاد شهاب، بصرف النظر عن التمايزات بينهم، في الحكم والنهج والسلوك. ولعل المراقب يلمح في ما يسمى “قضية الرانجر” كميناً لسمعة القائد ليست البراءة من سماته، ولا المصادفة، فكيف وقد ولدت على وقع وصول الموفد الفرنسي القديم/الجديد؟

ربما، هذه المرة، نفيان ينهيان أزمة الرئاسة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us