لبنان الأوّل عربياً بنسب التحويلات: 16 مليار دولار سنوياً تبقي لبنان صامداً


أخبار بارزة, خاص 14 حزيران, 2023
لبنان - التحويلات

هجرة الأدمغة تهدّد بتحوّل لبنان إلى مجمتع هرم، ولكن في الوقت نفسه هي السبب الرئيسي الذي بفضله لا يزال وطننا صامداً.

كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:

لطالما اعتبرت تحويلات المغتربين إلى ذويهم في لبنان من ركائز لا بل عواميد الاقتصاد اللبناني. فهذه الأخيرة ترافقت وارتفعت مع كلّ موجة هجرة جديدة للبنانيين إلى الخارج. فبحسب دراسة أعدّها “مرصد الأزمة” التابع للجامعة الأميركية في بيروت، دخل لبنان في “موجة الهجرة الثالثة” بالفعل، حيث تشهد البلاد منذ سنوات وتحديداً منذ مطلع العام 2021، ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الهجرة والساعين إليها.

فالهجرة الكبرى الأولى شهدها لبنان في أواخر القرن التاسع عشر امتدادًا حتى فترة الحرب العالمية الأولى (1865 – 1916) حيث يُقدر أن 330 ألف شخص هاجروا من جبل لبنان آنذاك، وفقاً للمرصد.

والموجة الكبيرة الثانية جاءت خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975 -1990)، حيث يقدر الباحث، بول طبر، أعداد المهاجرين في تلك الفترة بحوالي 990 ألف شخص.

أمّا الموجة الثالثة فبدأت أواخر العام 2019 وارتفعت مع مطلع العام 2021، ولا تزال مستمرّة بعد سنتين، بسبب أصعب أزمة إقتصاديّة ضربت لبنان منذ تاريخه، فضلاً عن فشل الثورة التي علّق عليها معظم اللبنانيين آمالهم، بالإضافة إلى فاجعة 4 آب التي أفقدت العديد من المواطنين الأمل ببلدهم.

وبحسب أرقام الدوليّة للمعلومات فإنّ عدد المهاجرين والمغادرين وصل “منذ بداية العام 2022 وحتّى منتصف شهر أكتوبر 2022 إلى 42,199 شخصاً مقارنة بـ 65,172 شخصاً للفترة عينها من العام 2021، أما في الفترة ما بين 1992- 2022، حتّى منتصف شهر أكتوبر، فوصل العدد إلى 815,410 أشخاص، أي بمتوسط سنوي 27,180 شخصاً”.

هذه الهجرة وإن خسرت البلاد بسببها عقولاً وطاقات شبابيّة، إلّا أنّها عادت بالمنفعة على معظم الأسر اللبنانيّة، التي أصبحت التحويلات المتنفّس الأخير لها في ظلّ إقتصاد منهار، ومهدّد بالسقوط في أيّ لحظة.

لبنان في المرتبة الأولى للتحويلات النقديّة في دول الشرق الأوسط

وعليه، كشف تقرير أطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، تحت عنوان “الدور المتزايد للتحويلات النقدية وأهميتها في لبنان”، أنّ لبنان احتلّ المرتبة الأولى في نسبة التحويلات النقدية في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي سجّلت نحو 37.8% من إجمالي الناتج المحلي خلال العام 2022. أما لجهة القيم المطلقة للتحويلات في قائمة البلدان المتلقّية للتحويلات النقدية، فجاء لبنان في المرتبة الثالثة بعد المغرب ومصر. لكن تكلفة التحويلات النقدية في لبنان تبلغ نسبة وسطية تصل إلى 11%، وهو ما يفوق المتوسط العالمي البالغ 6%، كما يفوق النسب المسجّلة في البلدان المجاورة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

واعتبرت الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان ميلاني أنّه “طرأ تغيّر في دور التحويلات النقدية قبل وبعد أزمة العام 2019 المالية. ففي الفترة التي سبقت الأزمة، كانت الأسر تستخدم التحويلات النقدية للاستثمار في بناء رأس المال البشري، كالصحة والتعليم. وتغيّر دور هذه التحويلات بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية وباتت تستخدم كأداة لتمويل الاحتياجات الأساسية كالغذاء والإيجار وفواتير الكهرباء. وبذلك أصبحت التحويلات النقدية اليوم بمثابة شبكة أمان اجتماعية للأسر اللبنانية. وفي ظلّ غياب نظام حماية إجتماعية متطوّر وشامل، باتت هذه التحويلات تستخدم للتعويض- وإن بشكل جزئي- عن الخسائر في القيمة الحقيقية للدخل والناتجة من تدني قيمة العملة وارتفاع معدّلات التضخم. إنّ استمرارية تدفّق التحويلات النقدية والتحويلات المالية الأخرى (ودائع غير المقيمين واستثمارات المغتربين ودعم المجتمعات)، تؤكد وجود صلة عميقة بين المغتربين اللبنانيين وبلدهم الأم- لبنان”.

فكم يبلغ حجم هذه التحويلات؟ وما عدد الأسر التي تستفيد منها؟ وهل من انعكاسات إيجابيّة لها على الاقتصاد اللبناني؟

250 ألف أسرة تستفيد من هذه التحويلات

في حديثه لموقع “هنا لبنان” يجيب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين عن هذه الأسئلة كاشفاً أنّ “في لبنان حوالي الـ250 ألف أسرة لبنانيّة تستفيد من تحويلات المغتربين من الخارج إلى الداخل، أيّ ربع الأسر اللبنانيّة المقيمة في لبنان تستفيد من أموال أحد أبنائها أو أقاربها القاطنين في الخارج. وإذا اعتبرنا أنّ متوسّط عدد أفراد الأسرة 4 أشخاص، فذلك يعني أنّ أكثر من مليون لبناني يستفيد من هذه التحويلات”.

300 مليون دولار حجم الأموال المحوّلة

وعن حجم الأموال المرسلة من الخارج يقول “يتراوح حجم هذه التحويلات بين الـ250 والـ300 مليون دولار شهرياً، وذلك بحسب أرقام المصارف وشركات التحويل، ما يعني أنّ مدخول 80% من هذه الأسر اللبنانيّة من التحويلات الخارجيّة يتراوح بين الـ200$ والـ500$ للأسرة الواحدة، فيما 20 %من هذه الأسر يصلها أكثر من 2000 دولار في الشهر”.

وإلى جانب هذه الأرقام، يضيف شمس الدين، هناك تحويلات أخرى لا يمكن رصدها، لكونها ترسل نقداً، إمّا مع أشخاص، أقارب أو أصدقاء، أو في المواسم السياحيّة عندما يأتي المغتربون اللبنانيون لزيارة ذويهم في لبنان. والسبب وراء تفضيل البعض إعطاء الأموال لعائلته نقداً، يعود إمّا إلى صعوبة التحويل من بعض الدول إلى لبنان، أو لتراجع الثقة لدى بعض المغتربين بالأنظمة الماليّة، حيث يفضّل هؤلاء الانتظار حتى فترة الأعياد لإرسال الأموال إلى ذويهم”.

16 مليار دولار حجم التحويلات النقديّة

وعن حجم التحويلات النقديّة يلفت شمس الدين إلى أنّه “وبحسب أرقام البنك الدولي يبلغ حجم هذه الأخيرة 7.5 أو 8 مليار دولار سنوياً، ولكن برأيي فإنّ حجم التحويلات النقديّة إلى لبنان هو ضعف أرقام البنك الدولي أي حوالي الـ16 مليار دولار سنوياً. حيث لا إمكانيّة لإحصائها بدقّة ولكن يمكن تقديرها”.

ويرى أنّ “هذا الرقم بالنسبة إلى ناتج قومي يبلغ 25 إلى30 مليار دولار، يعني أنّ نصف إقتصاد لبنان يرتكز على هذه التحويلات ولا يزال صامداً بسببها. وهو ما يفسّر ظاهرة السفر عند اللبنانيين، والاستثمار بالطاقة الشمسيّة، والذهاب إلى المطاعم والمقاهي والشواطئ، والسياحة الداخليّة العامرة، وشراء السيارات، في ظلّ أزمة اقتصاديّة حادة وانهيار لم يسبق له مثيل لليرة”.

وشدّد شمس الدين على أنّ “هذه التحويلات هي الأوكسجين للإقتصاد اللبناني واللبنانيين، وهي المحرّك الرئيسي للعجلة الاقتصاديّة في البلاد. وهذه الظاهرة هي فريدة من نوعها في العالم، وهي غير موجودة بأيّ بلد آخر سوى لبنان. وهي التي تسمح للبلد بالاستمرار”.

وعلى قاعدة ربّ ضارّة نافعة، يبدو أنّ هجرة الأدمغة، والتي بدورها تؤدّي إلى انقراض الطاقات الشبابيّة، وتهدّد بتحوّل لبنان إلى مجمتع هرم، هي نفسها السبب الرئيسي الذي بفضله لا يزال وطننا صامداً.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us