استهلاك المخيّمات للكهرباء: خسائر بملايين الدولارات والمنظّمات الدوليّة تتهرّب من الدفع


أخبار بارزة, خاص 21 حزيران, 2023
الكهرباء

في الوقت الذي تستنجد فيه شركة كهرباء لبنان بالمعنيين لتسديد الفواتير المتراكمة، تقف الأمم المتّحدة دون ردّ، فيما تستمرّ فيه برامجها بالعمل، والمستفيدون من هذه البرامج من نازحين ولاجئين فلا يدفعون أيّ تعرفة لمؤسسة كهرباء لبنان.

كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:

60 عامًا من فواتير الكهرباء المتراكمة على المخيّمات الفلسطينيّة و12 عامًا من الفواتير المتراكمة على المخيّمات السوريّة تنتظر وزارة الطاقة المنظمات الدوليّة لتسديدها، فيما لم تحسم الأخيرة قرارها بالدفع بعد. ففي الوقت الذي تستنجد فيه شركة كهرباء لبنان بالمعنيين لتسديد الفواتير المتراكمة، تقف الأمم المتّحدة دون ردّ، فيما تستمرّ فيه برامجها بالعمل، بدءًا من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين UNHCR، أمّا المستفيدون من هذه البرامج من نازحين ولاجئين فلا يدفعون أيّ تعرفة لمؤسسة كهرباء لبنان.

وكانت وزارة الطاقة ممثلة بوزيرها وليد فيّاض قد تقدَّمَت خطوة نحو الأمام في ملفّ ضبط استهلاك الكهرباء في مخيّمات النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين. بعد أن بدأت بالبحث مع منسِّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية عمران ريزا، ومديرة شؤون الأونروا في لبنان دوروثي كلاوس، في ضرورة معالجة موضوع دفع فواتير استهلاك السوريين والفلسطينيين للكهرباء.

مفاوضات بين “الطاقة” و”الأمم”

حيث لفت فيّاض نظر الممَثِّلين الأمميّين للوضع الطارئ لهذا الملف في لقاء عقده في السراي الحكومي يوم الإثنين 12 حزيران 2023، وضمَّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والمدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، ورئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني باسل الحسن، إلى جانب ريزا وكلاوس. حيث أبدى الأخيران استعدادهما لمعالجة الموضوع والسعي لإيجاد الحلول.

ويكتسب الملف أهمية مُلِحَّة لارتباطه بالتوازن المالي لمؤسسة كهرباء لبنان. بحسب تصريح سابق لفيّاض شدّد فيه على أنّه “لا يمكننا أن نسمح بأن يخلّ هذا الملف بالتوازن المالي للمؤسسة، فتوازننا المالي يأتي أولاً عبر بناء المؤسسات، وكهرباء لبنان كانت على شفير الانهيار وقمنا باستردادها ووضعناها على المسار الصحيح للاستقامة المالية والإدارية”.

وفي أولى خطوات الحلحلة تمّ الاتفاق على تشكيل لجنتين: الأولى، تُعنى بمخيّمات السوريين، والثانية، بمخيّمات الفلسطينيين. ولمزيد من الدفع باتجاه الأمام، كانت مؤسّسة كهرباء لبنان قد أتمَّت وضع نحو 900 عدّاد في مخيمات السوريين. ولكن هل سيستكمل ذلك بالجباية؟ وإن كانت كهرباء لبنان ستجبي الفواتير فوفق أيّ سعر صرف؟ وماذا عن الفواتير المكسورة وهل من مفعول رجعي سيحتسب؟

مع الإشارة إلى أن “كهرباء لبنان” لم تصدر أي فواتير للمخيّمات، ولا تقديرات واضحة لديها لقيمة المبالغ الواجب جبايتها ولا يمكنها استلامها حالياً.

210 آلاف لاجئ فلسطيني و2 مليون نازح سوري لا يدفعون الفواتير

من جهة أخرى يحدث عدم دفع اللاجئين الفلسطينيين النازحين السوريين لفواتير الكهرباء سخطاً في المجتمع اللبناني، فكيف تفرض الدولة اللبنانيّة فواتير كهرباء مرتفعة على المواطن اللبناني في الوقت الذي لا تفرضها فيه على اللاجئين السوريين والفلسطينيين؟ هذا الواقع قد يخلق حالة من الحساسية والنقمة لدى الشعب اللبناني، خصوصاً وأنّ لبنان يعاني أوضاعا اقتصادية قاسية، حرمت شعبه من أبسط حقوقهم فيما السوريون والفلسطينيون يتمتعون بخدمات الدولة مجاناً ويتلقون دعماً مالياً دولياً ثابتاً.

ويعيش نحو 210 آلاف لاجئ فلسطيني في لبنان (180 ألف لاجئ فلسطيني كانوا في لبنان إضافة إلى 30 ألف لاجئ فلسطيني نزحوا من سوريا) في 12 مخيماً رسمياً للاجئين، أو خارج المخيمات في ظروف معيشية مكتظة، بحسب إحصاءات الأونروا، فيما تخطّى عدد النازحين السوريين في لبنان المليونين أي قرابة نصف الشعب اللبناني.

بلديات أخذت على عاتقها مهمّة الجباية

أمام هذا التخبّط، أخذت بعض البلديات على عاتقها مهمّة جباية فواتير الكهرباء، ومنها نذكر بلدة القرعون في البقاع الغربي، حيث أوضح رئيس البلدية يحيى ضاهر في تصريح سابق أنّه اعتمد هذه الطريقة بموجب إيصال من البلدية. بعد أن تقدّمت البلدية بطلب لمؤسسة كهرباء لبنان لتركيب عدادات للمخيّم، وتم تركيب العدادات. وعليه تقوم البلدية بجباية التعرفة، وتأتي هذه الخطوة لحلّ إشكالية سرقة الكهرباء وتعليق الأسلاك على الشبكة. فيما الأموال المجباة موجودة في صندوق البلدية بانتظار فواتير المؤسسة، وعند وصولها إلى البلدية، تجري عملية مقاصة مع المؤسسة، ويدفع المال.

المنظّمات الدوليّة لن تسدد الفواتير

في هذا الاطار يقول مدير عام الاستثمار في وزارة الطاقة والمياه سابقاً، غسان بيضون في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” أنّ “النازحين السوريين ينقسمون إلى فئتين: فئة معروف حجمها وموقعها وتنحصر في المخيمات ويسرقون الكهرباء، وفئة مشتتة تقطن في البيوت ويتوزّعون في كافة المناطق اللبنانيّة، وهؤلاء يعلّقون على خطوط الكهرباء الخاصّة بمؤسسة كهرباء لبنان، ويأخذون الكهرباء من دون عدادات”.

وعن مصير الفواتير غير المدفوعة، يستبعد بيضون أن “تقوم المنظّمات الدوليّة بتسديد هذه الفواتير، وهو ما أكّده وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هيكتور حجّار، في آخر تصريح له مع مشاركته في مؤتمر بروكسل منذ بضعة أيام، حيث قال أنّه شعر بأنّ المنظمات الدوليّة غير متحمّسة لمساعدة لبنان أو لتسديد هذه الفواتير، ولا شيء بالافق يبشّر بالخير، كما أنّهم يشترطون على أن يكون هناك وضع قانوني للاجئ الذي يستهلك الكهرباء، أي أن يملك عقاراً، أوعقد إيجار”.

كم حجم استهلاك اللاجئين السوريين للكهرباء؟

وعن قيمة استهلاك اللاجئين للكهرباء يستند بيضون في إجابته على مناسبتين “الأولى تعود لتصريح لوزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل، في العام 2016 حيث قال أنّ تقديرات البنك الدولي تشير إلى أنّ حجم استهلاك اللاجئين من الطاقة الكهربائيّة يصل إلى 500 ميغاوات في السنة، أيّ حوالي الـ 335 مليون دولار في العام الواحد، في الوقت الذي كانت فيه التغذية تفوق الـ 12 ساعة في اليوم”، مضيفاً “نحن لا نعرف مدى شموليّة ودقّة هذه التقديرات”.

ويتابع “أمّا المناسبة الثانية فهي تصريح لوزير الطاقة الحالي في حكومة تصريف الأعمال وليد فيّاض، الذي تحدّث عن استهلاك يوازي الـ400 مليون دولار”، وهو ما اعتبره بيضون رقماً مضخّماً، “حيث أنّ ساعات التغذية انخفضت من 12 ساعة إلى 3 ساعات في اليوم، منذ تلك الفترة وحتى الآن، فكيف تكون قيمتها أكثر من العام 2016؟ فمن الممكن أن تكون الدولة تبالغ في التخمين، وترفع قيمة الطلب لتحقيق مكاسب معيّنة أو للتعبير عن مخاطر عدم الدفع”.

وعن احتمال أن تكون طريقة احتساب هذه الفواتير وفق التسعيرة الجديدة لوزارة الطاقة قال “الفواتير الجديدة صدرت عن شهرين من السنة الماضية وهذه السنة، وتتضّمن إشكالية بدل التأهيل ورسم العداد وتخفيض الـ 25%، كما أنّ المعنيين لم يقرروا بعد وفق أيّ سعر صرف سيعتمدون الجباية، فمن الصعب أن تكون هذه الأرقام على القاعدة الجديدة”.

ولفت إلى أنّ “كميّة استهلاك النازحين لا تشمل كل استهلاكهم، حيث يصعب حصرهم، حتى ضمن المخيمات، حيث لا نعلم مدى الالتزام فالشبكة “فلتانة” والمعنيون عاجزون عن مراقبتها”.

قرار دولي بانهيار لبنان

أمّا عن وضع اللاجئين الفلسطينيين فيشير إلى أنّه “على منظّمة الأونروا تسديد فواتير هؤلاء ومن غير المعروف إذا ما كانت هذه المنظّمة تلتزم الدفع أم لا”، ورأى أنّ “وضع لبنان سيئ جداً مع هذه المنظمات التي لا تسعى أو تضع أيّ مجهود باتجاه تخفيض الضغط المالي على اللبنانيين لأسباب قد تكون سياسيّة، حيث من المطلوب أن يبقى لبنان تحت الضغط. فهم دائماً ما يتحدّثون عن انحلال الدولة وقرب انهيارها وانهيار المؤسسات، وكأنهم ينتظرون أن يكتمل مشهد الانهيار وما من رغبة بمساعدة لبنان. فحتى الأوروبيون بدأوا يشكون من كمية الدعم التي يتكلّفونها على النازحين. وبظلّ هذه الفوضى لا أحد مستعدّ ليتحمّل المسؤوليّة وأن يكون جدياً في تناول هذا الملفّ، فكل دولة تتملص من دورها، لأنّ تداعيات الأزمة الاقتصادية العالميّة ضربت كلّ الدول خصوصاً بعد الحرب الأوكرانيّة الروسية ورفع أسعار المحروقات عالمياً”.

البلديات لا تملك حقّ الجباية ولكن..

أمّا عن قيام البلديات بجباية الفواتير فاعتبر بيضون أنّ “البلديات لا تملك حقّاً نظامياً بالجيابة فالأخيرة محصورة بمقدمي الخدمات، وهي بذلك تتجاوز الأصول. لكنّها قد تحقق أو تحاول ممارسة نوع من الضغط لدعم المؤسسة إلّا أننا نحتاج إلى سلطة للتنفيذ، وقد يجوز ذلك على بعض النازحين المقيمين في المنازل”، سائلاً “لمن تسلّم الفواتير؟ فإذا كان صاحب الملك يريد تجميع المال مقابل الفواتير ألا يريد أن يعرف قيمة الفواتير؟”، مضيفاً “قد تكون البلديات تجبي الفواتير بمبالغ تقديرية، أو تأخذ مبالغ على الحساب، كتدبير وقائي”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us