عن أهمية تماسك الجيش


خاص 15 تشرين الثانى, 2023

تماسك الجيش الذي حقّقته القيادة الحالية، إذا تمت حمايته سيكون أساساً لترتيب مرحلة انتقالية يُعاد فيها الاعتبار لوجود الدولة، وذلك يتحقق فقط عبر إقصاء المنظومة عن الإمساك بمفاصل الدولة الأمنية والعسكرية. أما في حال تمكّنها منها مجدداً، فيمكن توقع سنوات وسنوات طويلة من الانهيار والفساد والفشل


كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:

تصلح بعض التجارب في التاريخ الحديث، لوصف ما يمكن أن يحصل، إذا ما اهتزّ التماسك لأيّ جيش في العالم.
منذ 7 تشرين الأول وإسرائيل كدولة وكشعب، تعاني من الصفعة المدوية التي تلقّتها على يد حركة حماس، والصفعة تلقاها الجيش الإسرائيلي، لتنتقل إلى تهديد كيان الدولة والمجتمع، وتهزّ عميقاً الثقة بالجيش الأقوى في المنطقة.
في اليوم التالي لسقوط بغداد، قرر الأميركيون حل الجيش العراقي، وكانت الكارثة. أكثر من مليوني عسكري وضابط، مع عائلاتهم، بما يشكل ملايين العراقيين، خرجوا من منظومة الاستقرار، وباتوا عامل فوضى، أدى في النهاية إلى حرب أهلية دموية، وإلى تشكيل العراق ما بعد الاحتلال، على صورة دولة مشوهة وفاشلة.
بعد سقوط جدار برلين، نفذت ألمانيا النموذج المعاكس، لما حصل في العراق. أبقت “بون” على هيكل الجيش الشرقي، وأقصت القادة الكبار من دون انتقام، ومع حفظ كامل حقوقهم، فكان استيعاب جيش ألمانيا الشرقية، إلى جانب النهوض الاقتصادي الشامل، أساساً لحماية وحدة ألمانيا واستقرارها.
في لعبة الأنانيات والتخريب في لبنان، تريد القوى السياسية، أن تتحاصص الجيش. يريد كل منها أن يقتطع حصة في القيادة، والتعيينات، ويريدون أن يستعملوا المؤسسة لأهداف سلطوية، لا علاقة لها بالمصلحة العامة.
هذا كان السبب الأساسي لحصول توافق بين بعض هؤلاء، على تعيين قائد جديد للجيش، يكون تعيينه تعبيراً عن هذا التقاسم، ولو نجحت الصفقة، لقضت على آخر ما تبقى من القدرة على ضبط الوضع الداخلي، ويمكن ببساطة تصور ماذا يمكن أن تتعرض له المؤسسة العسكرية، إذا ما سمح لقوى المنظومة بالتلاعب بها.
لم تمرّ الصفقة لأنّ أوراق اللعبة ليست كلياً بيد من يتلاعبون ومن يستثمرون في زيادة الحصص والثروات والنفوذ على جثة المصلحة العامة.
أهمية تماسك الجيش الذي حققته القيادة الحالية، سيؤدي إلى إعطاء لبنان أوكسيجين إضافي، للاستمرار بهذا الاستقرار النسبي، الذي يُسجّل على وقع أخطر حرب تمرّ بها المنطقة، وعلى وقع أسوأ أزمة أقتصادية، يمكن أن يواجهها شعب ووطن.
هذا التماسك إذا تمت حمايته، فسيكون أساساً لترتيب مرحلة انتقالية يُعاد فيها الاعتبار لوجود الدولة. طبعاً هذا المعطى له شروطه الداخلية والخارجية، لكنه يصبح ممكناً، إذا تم إقصاء المنظومة عن إعادة إمساك مفاصل الدولة، وفي طليعتها المفاصل الأمنية والعسكريةـ أما في حال تمكّنها منها مجدداً، فيمكن توقع سنوات وسنوات طويلة من الانهيار والفساد والفشل، ومن ازدياد منسوب اليأس الذي هو الوجه الآخر لهجرة اللبنانيين عن وطنهم، بلا عودة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us