الحرب مجدداً ولبنان سيتغيّر


خاص 27 تشرين الثانى, 2023

لا مبالغة في القول، أنّ إسرائيل قرّرت أن تعامل جنوب لبنان مثلما قرّرت أن تُعامل قطاع غزة. فهناك، رفعت إسرائيل شعار أن لا عودة لحركة “حماس” للعمل في القطاع، وها هي تطرح الشعار نفسه في مواجهات الجنوب في ما يتعلّق بوجود “الحزب”


كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

مهما طالت هدنة حرب غزة أم قصُرت، والتي نال منها لبنان نصيباً منذ يوم الجمعة الماضي، ستعود الحرب إلى غزة والمواجهات إلى الجنوب. وهناك الكثير من المغريات التي لاحت مع الهدنة الأولى في هذه الحرب. ومن أهم هذه المغريات لبنانياً، أن يخرج الجنوب من دوامة العنف من خلال القرار 1701. لكن، سرعان ما تبيّن أنّ مثل هذا الأمل هو سراب.
منذ بدء سريان الهدنة غير المعلنة جنوباً، سارع آلاف المواطنين من أهالي المناطق الحدودية إلى بلداتهم وقراهم الواقعة على مسافة أكثر من 100 كيلومتراً لتفقدها. ولم تضيّع هذه العائلات الوقت، بل شرعت في جني ما بقي من محاصيل، وفي مقدمها الزيتون. لكن غصن الزيتون لم يتحوّل هذه المرة إلى بشارة سلام. بل كان فقط إشارة إلى استراحة محاربين.
لم يُخفِ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عندما كان يستقبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي القول أنّ “أكثر الدول تأثراً بحرب غزة هو لبنان”.
كما لم يكتم وليد جنبلاط شعوره بالخطر. فهو أشار على طريقته إلى “دقَّة المرحلة”. لكن صارح من يعنيهم الأمر، بأنّ الحرب “لم تنتهِ” بل ستستأنفها إسرائيل بعد الهدنة.
وعلى طريقة “شهد شاهد من أهله”، أعلن الناطق الرسمي باسم “اليونيفيل” أندريا تيننتي أنّ النيران الإسرائيلية أصابت دورية تابعة لقوات الأمم المتحدة في محيط بلدة عيترون الحدودية في اليوم الثاني من الهدنة. وهذه هي المرة الأولى التي تسمّي “اليونيفيل” إسرائيل بالاسم منذ اندلاع المواجهات على الحدود بين لبنان وإسرائيل بعد 8 تشرين الأول الماضي. فهل من مغزى في الموقف المستجد لهذه المرجعية الدولية؟
في انتظار المعلومات، لا بد من اللجوء إلى التكهنات. وفي أي حال تستند التكهنات إلى وقائع صلبة لاحت في قرار مجلس الأمن الأخير الذي مدد عمل قوات “اليونيفيل” في نهاية آب الماضي، وعاد المجلس إلى مراجعة عملها هذا الشهر. وتبيّن أنّ العطب الأساسي الذي رافق عمل هذه القوات منذ تكوينها بعد حرب تموز عام 2006، يكمن في العجز عن تطبيق القرار 1701. في هذا القرار بنود صريحة تشدد على عدم وجود سلاح في المنطقة الواقعة بين الحدود جنوباً ونهر الليطاني شمالاً غير سلاح “اليونيفيل” والجيش اللبناني. وأثبتت وقائع المواجهات الأخيرة أنّ “حزب الله”، وهو فريق غير شرعي حسب القرار 1701، يملك ترسانة عامرة بكل أنواع الأسلحة.
وبدا أنّ النيران الإسرائيلية التي أصابت آليات دورية “اليونيفيل” في عيترون ولم تؤذِ أحداً من أفراد الدورية، بمثابة إنذار. ومن حيثيات هذا الإنذار أنّ هناك دوراً يقع على عاتق قوات الأمم المتحدة ومعها الجيش اللبناني يقضي بنزع سلاح “الحزب” في منطقة عمليات القرار 1701. وبالتالي يجب انتقال سلاح “الحزب” إلى ما وراء الليطاني شمالاً.
كتب الكثير وقيل الكثير بعد اندلاع حرب غزة، أنّ إسرائيل قررت أن تنهي مواجهاتها على حدودها الشمالية بإبعاد “حزب الله” إلى ما وراء الليطاني، كما أنّ عشرات الألوف من سكان المستوطنات المحاذية للحدود مع لبنان ، لن يعودوا إليها مهما طال الوقت ما لم يتحقق إخلاء منطقة القرار 1701 من “الحزب”.
لا مبالغة في القول، إنّ إسرائيل قرّرت أن تُعامل جنوب لبنان مثلما قرّرت أن تُعامل قطاع غزة. فهناك، رفعت إسرائيل شعار أن لا عودة لحركة “حماس” للعمل في القطاع. وها هي تطرح الشعار نفسه في مواجهات الجنوب في ما يتعلق بوجود “حزب الله”.
هذا ما تقوله إسرائيل وتفعله في غزة وجنوب لبنان، أما ما يقوله “حزب الله” فشيء آخر. وهذا ما تصرّف “الحزب” على أساسه في أيام الهدنة الأخيرة. فهو أعلن أنّ الهدنة ستنتهي عاجلاً أم آجلاً لتعود مواجهات الجنوب إلى سابق عنفها وربما أكثر.
وتعامل “حزب الله” خلال أيام الهدنة على أساس مواكبة جهود سكان المناطق الحدودية كي ينقذوا ما أمكن من محاصيلهم الزراعية وغيرها. وجاء في تقرير نشره موقع “العهد” الإلكتروني التابع لـ “الحزب”، أنّ جمعية “جهاد البناء”، وهي من مؤسّسات “حزب الله” المعروفة “أمّنت نقل محصول التبغ إلى مستودعات في مناطق أخرى ونقل بعض قطعان الماشية إلى مناطق أكثر أمنًا”.
أمّا على مستوى الموقف السياسي لـ “حزب الله” فقد كان لافتاً الموقف الأخير لعضو المجلس المركزي في “حزب الله” الشيخ نبيل قاووق الذي قال: “إنّ سكّان المستوطنات المقابلة للحدود اللبنانية قدّموا شكوى للمحكمة الإسرائيلية طالبوا فيها بنقل هذه المستوطنات 5 كلم إلى الخلف لأنّهم يخافون من حزب الله، وقالوا لن نرجع إليها ما دام حزب الله في الجنوب، وهذا خبر جيّد، فنحن أصحاب وأبناء الأرض وسنبقى بها، وأما المستوطنون، فالأفضل لهم ألّا يرجعوا إليها، لأنها ليست أرضهم”.
لمن ستكون الكلمة الأخيرة؟ الجواب موجود مسبقاً على مستويات عدة داخلية وخارجية. وفي انتظار الخاتمة، لا بدّ من مقارنة بين ما حلّ بإسرائيل في مواجهات الجنوب قبل الهدنة وما حلّ تالياً بلبنان. ولدينا نموذج في القطاع الصحي. فقناة “المنار” التلفزيونية التابعة لـ “حزب الله” قالت: “إنّ قنوات مرتبطة بوزارة الصحة (الإسرائيلية) أقرّت بأنّ 8 مستشفيات في الشمال استقبلت خلال 48 يوماً 1570 إصابة بينها ما هو صعب وحرج وميؤوس منه”.
في المقابل، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية في تقريرٍ لها، أنّه “تمّ تسجيل 385 إصابة، منها 92 شهيداً، خلال الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب”.
إذا كانت الإحصاءات الصحيّة تشمل 48 يوماً، فكم ستبلغ لو امتدّت المواجهات أسابيع وربما أشهر؟
ما قيل عن حرب غزة، أنّ ما قبل 7 تشرين الأول الماضي لن يكون ما بعد هذا التاريخ، ينطبق حرفياً على لبنان الذي سيتغيّر بلا ريب. ولنمضِ من الآن فصاعداً إلى إحصاء آثار مواجهات مرشّحة لتصبح حرباً في أيّ وقت من الأوقات

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us