سرديّة “الشأن الداخلي”.. وبكاء باسيل على “أطلال السيادة”


خاص 2 كانون الأول, 2023

سردية “رفض التدخل في الشؤون الداخلية” التي طرحها رئيس التيار جبران باسيل أمام لودريان، يعرف الأخير جيدًا أنها كلام حقٍّ يُراد به باطل ولهذا أنهى اجتماعه مع باسيل، بعد دقائق معدودة من بدئه

كتب جان الفغالي لـ “هنا لبنان”:

ربما فات رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون أن يروي لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، كيف تمَّ تعيينه قائدًا للجيش خلفًا لقائد الجيش الراحل العماد ابراهيم طنوس، لأنه لو فعل لكان جنّب باسيل أن يقول كلامًا غير دقيق، لا بل غير صحيح، عن “الشأن الداخلي” في اتخاذ القرارات، ورفضِ أيّ تدخل خارجي في شأنها.
باسيل رفض طرح الموفد الشخصي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، جان إيف لودريان، التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، معتبراً أنّ الأمر هو “شأن داخلي يتمّ بحثه في ما بيننا، ولا شأن للخارج فيه، لا نساوم على المسائل ذات الابعاد السيادية”. فما مدى الدقة والصدقية في موقف باسيل؟ وما هي السوابق التي استند إليها ليعزز موقفه ويوثقه؟
إثنان من كبار الضباط في الجيش اللبناني كتبا مذكراتهما لكنها لم تُنشَر إلى اليوم، ترد في إحداها تفاصيل “إعفاء” العماد ابراهيم طنوس من قيادة الجيش، وتعيين العميد ميشال عون قائدًا للجيش، يرِد في المذكرات أنّ مدير المخابرات آنذاك العميد سيمون قسيس حمل اسم العميد ميشال عون إلى اللواء غازي كنعان، لاستمزاج رأيه، اللواء كنعان استمهل لمراجعة القيادة السورية التي وافقت على تعيين العميد ميشال عون قائدًا للجيش. بعد هذه الموافقة، اتخذ مجلس الوزراء، في 23 حزيران 1984 قراراً بإعفاء العماد ابراهيم طنوس من مهامه في قيادة الجيش، وتعيين العميد ميشال عون قائداً للجيش بعد ترفيعه إلى رتبة عماد.
أين كانت السيادة يومها؟ لماذا قبِل العميد عون أن تأتي الموافقة على تعيينه قائدًا للجيش من القيادة السورية؟ ألم يكن الأمر يومها “شأنًا داخليًا”؟
علاقة العماد عون بالقيادة السورية ليست وليدة اليوم، فما هو موثَّق أيضًا أنّ الشق العسكري من “الاتفاق الثلاثي” الذي وقعه في دمشق الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط والوزير والنائب السابق إيلي حبيقة، كتبه العماد ميشال عون شخصيًا، ومعروف مدى التخلي عن السيادة اللبنانية في بعض بنود الاتفاق الثلاثي.
والذين ينظرون إلى الدور الفرنسي على أنه تدخل في الشؤون اللبنانية، ماذا يسمون “استدراج” العماد ميشال عون للتدخل الفرنسي من خلال لجوئه إلى السفارة الفرنسية بعد عملية 13 تشرين 1990؟ حين يكون التدخل لمصلحته، لا يعتبر تدخلًا، في حالات أخرى يكون تدخلًا. ولإنعاش الذاكرة، فإنّ الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران ربط “شرف فرنسا” بخروج العماد ميشال عون سالمًا.
ولإنعاش الذاكرة أيضًا، بعد العماد ابراهيم طنوس، معظم الذين جاؤوا على رأس المؤسسة العسكرية، تمت تسميتهم بعد موافقة النظام السوري، أو على الأقل عدم اعتراض: من العماد ميشال عون إلى العماد إميل لحود، ألم يطلب العماد ميشال عون في ندائه إلى العسكريين في 13 تشرين 1990، أن يتلقوا التعليمات من العماد إميل لحود؟
إنّ سردية “رفض التدخل في الشؤون الداخلية” التي طرحها رئيس التيار جبران باسيل أمام لودريان، يعرف الأخير جيدًا أنها كلام حقٍّ يُراد به باطل، لودريان، الديبلوماسي المخضرم ، يعرف جيدًا من خلال الوثائق والتقارير الفرنسية، أنّ “الشأن الداخلي في لبنان” لم يكن شأنًا داخليًا على الإطلاق، ولهذا أنهى اجتماعه مع باسيل، بعد دقائق معدودة من بدئه، لأنّه أدرك أن منسوب المنطق في هذا الطرح معدوم، ولا جدوى من النقاش.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us