لا حلّ سوى بالدولتين


خاص 18 كانون الأول, 2023

نتنياهو مستمر في معركته ولن يتراجع لأن لا خيار آخر أمامه للحفاظ على تماسك الحكومة الحالية، ولكن الولايات المتحدة التي تدعمه وتسلحه ليس بإمكانها الاستمرار بهذا النهج إقليمياً ودولياً


كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:

يعيش الفلسطينيون مرة أخرى واحدة من مآسايهم الوجودية المستمرة منذ أكثر من ٧٥ عاماً، واليوم يقوم رئيس حكومة إسرائيل نتنياهو بدور الإبادة لأسباب لها علاقة بتركيبة السلطة الفاشية التي يرأسها وبالوضع الجيوسياسي في المنطقة، مقابل طرف فلسطيني إسلامي.
وما قدم المبرر لنتنياهو كان الهجوم الذي قامت به “حماس” والذي كلف الفلسطينيين حتى الآن نحو ٢٠ ألف قتيل وأكثر من مليوني نازح من شمال إلى جنوب قطاع غزة بعد أن رفضت مصر والأردن فتح باب استقبال النازحين ودفع لبنان مجدداً ثمن هذه المغامرة.
نتنياهو يستمر في معركته ولن يتراجع لأنه يعتبر أنها فرصته للانتهاء من الفلسطينيين ولأن لا خيار آخر أمامه للحفاظ على تماسك الحكومة الحالية. ولكن الولايات المتحدة التي تدعمه وتسلحه ليس بإمكانها أن تستمر في هذا النهج الانتحاري إقليمياً ودولياً.
فقد أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن استمرار إسرائيل في قتل المدنيين سوف يفقدها دعم الرأي العام الدولي الذي بدأ يعبر عن استيائه ويتظاهر في الشوارع لأول مرة ضد السياسة الإسرائيلية. كما أن واشنطن بدأت تضغط باتجاه حل الدولتين، واحدة فلسطينية وأخرى إسرائيلية، بدءاً بوقف حشر لبنان في المواجهة عبر توبيخ إسرائيل بعدم التعرض للجيش اللبناني، فقد انعكس هذا الموقف برمي إسرائيل لأول مرة مناشير فوق بعض القرى الجنوبية تطالب الأهالي بعدم دعم “حزب الله” الذي لا يهاجم وإنما يقوم عملياً فقط بالرد على القصف الإسرائيلي. كما أن قرار الإدارة الأميركية بوقف تسليم إسرائيل السلاح الأوتوماتيكي الفردي يهدف إلى منع تسليمه للمستوطنين الإسرائيليين الذين يستعملونه في قتل المدنيين الفلسطينيين. وقد وصل رئيس الأمن القومي الأميركي سوليفان إلى إسرائيل لوقف جماح نتنياهو المصرّ على الانتهاء من “حماس” التي تشكل نقطة إجماع للقيادة الحربية الإسرائيلية رغم الاختلافات الداخلية بينها وكذلك بالنسبة للإدارة الأميركية. فيما تعتقد “حماس” أنها صاحبة شعبية كبيرة عند الفلسطينيين، وأنها شكلت شبه إجماع حولها في الهجوم الذي قامت به في ٧ تشرين الأول الماضي رغم عدد القتلى الهائل الذي تسببت به، ورغم أنها موضع اختلاف داخلي كبير بين الفلسطينيين في نهجها الإسلامي، وفي نظرتها للصراع مع إسرائيل وتجاهلها للرأي العام الإسرائيلي الذي لا يلقى أي تفهم من قبل الرأي العام الفلسطيني والعربي، وفي سيادة لغة الحرب وممارسة العنف بين الطرفين والمجتمعين.
في حين أن مرحلة الصراع الطويل الفلسطيني الإسرائيلي قد عرفت محطات مهمة من محاولات إيجاد حلول والسعي لقيام دولتين، أقله منذ إعلان بيروت خلال القمة العربية التي ترأستها السعودية والتي عقدت في تشرين ٢٠٠٢ والتي أعلنت خطة تقوم على الأرض مقابل السلام. كما سبقتها محاولة إسرائيلية عام ١٩٨٢ بعد اجتياح لبنان من قبل آرييل شارون الذي كان وزيراً للدفاع وواجه بعد انسحابه حركة رابعة أطلقت على نفسها “حركة السلام الآن” وتجلت في تظاهرة شارك فيها نحو مئتي ألف إسرائيلي وكان شعارها المطالبة بالدولتين، ولكن لم يأخذها العرب بعين الاعتبار. بعدها قامت انتفاضة الحجارة الفلسطينية عام ١٩٨٧ وامتدت نحو عامين وكان شعارها أيضاً دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.
واليوم يحاول نتنياهو التنصل حتى من السلطة الوطنية الفلسطينية رافضاً ما يطرحه عرابه الاميركي في ضرورة “تجديد” السلطة الوطنية معلناً أنها لم تعد سلطة “لتجددها”. ولكن الحل ينطلق من هنا بالضبط، من ضرورة تعزيز موقع ودور السلطة الوطنية التي نشأت من اتفاق أوسلو في ١٩٩٣، والتي سعت الولايات المتحدة إلى قيامها عندما فرض الرئيس الأميركي بيل كلينتون على إسرائيل اتفاق أوسلو وعلى رئيس حكومتها يومها إسحق رابين الذي قام اليمين الإسرائيلي باغتياله بعد سنة في ١٩٩٤. وتبقى السلطة الوطنية هي الأساس في قيام حل الدولتين، فهل نتنياهو أقوى وأهم من رابين أو من زعيمه الأصلي الزعيم الأول لحزب الليكود مناحم بيغن، ومن شارون الذي كان في حكومة شامير؟
حلّ الدولتين الذي يطرحه بايدن، الذي سيواجه قريباً ترامب في معركة التجديد في الرئاسة، لا بديل عنه وعلى الولايات المتحدة الاستمرار في الضغط على إسرائيل كما فعلت في أكثر من مناسبة مثلما فعل جورج بوش الأب، في المؤتمر، الذي حضره وغطاه كاتب هذه السطور، عندما أوقف مساعدة تبلغ أكثر من ٢ مليار دولار على إسرائيل لإجبارها على المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام في١٩٩١ عندما كان شامير رئيساً للوزراء، مما اضطره إلى المشاركة. وفرض ياسر عرفات يومها الوفد الفلسطيني الذي أراد من داخل فلسطين، والذي استمر في المفاوضات التي نتجت عن مدريد باسم منطمة التحرير حتى وفاة عرفات في ٢٠٠٤.
وقد شهدنا مشاركة نتنياهو بصفته مجرد عضو في الوفد الإسرائيلي في مدريد. فهل نتنياهو اليوم أهم من رابين وبيغن وشامير الذين انصاعوا للقرار الأميركي؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us