فخامة الراعي ودولة برّي


خاص 26 كانون الأول, 2023

ما قاله البطريرك الراعي في عظة الأحد هو كلام في مستوى رئيس الدولة. يا ليت رئيس البرلمان يحذو حذوه.

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

لو كان الميلاد 2023 في ظروف سابقة لحرب غزة ومواجهات الجنوب، لكان حديث الساعة، إحراق شجرة العيد في طرابلس. فرمي قنبلة المولوتوف تحت جنح الظلام وإشعال الشجرة، هو فعل متعمد ينتمي للظلامية التي خبرها الشمال عندما انحسر نور الانفتاح وزحفت عتمة التشدد منذ ثمانينات القرن الماضي. لكن زمن التشدد ذاك، يمر بأزمة لا سابق لها سواء في لبنان أو خارجه، إلى درجة يمكن القول فيها أنه زمن إلى زوال وأنّ زمن الانفتاح إلى بزوغ.

كما اشتعلت شجرة طرابلس، عادت الشجرة وأضاءت عاصمة الشمال سريعاً، للدلالة على أن زمن النور عصيّ على زمن الظلام. وهذا دليل على أنّ الحريق الذي ظلل جنوب لبنان ومعه سائر الوطن في 8 تشرين الأول الماضي، لن يحجب زرقة سماء السلام في وطن الأرز. ففي ذلك التاريخ قرر “حزب الله” منفرداً، إشعال جبهة الحدود الجنوبية تحت عنوان تخفيف وطأة الحرب على قطاع غزة الذي تحكمه حركة “حماس” كأيّ نظام حاكم. ومنذ ذلك التاريخ مضت الحرب الإسرائيلية على القطاع ولا تزال إلى مستويات لا سابق لها. وفي المقابل، حصد الجنوب الموت والخراب والنزوح ولا يزال. وكم تبدو مقولة تهجير سكان المستوطنات شمال إسرائيل مثيرة للاستغراب عندما يجري تردادها تحت عنوان “الإنجاز”. أما البلاء الكبير الذي نزل بعشرات الألوف من الجنوبيين، فكأنه أمر لا يستحق المناقشة.

ومن غرائب مواقف الميلاد، كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي هو في المناسبة، من أبناء بلدة تبنين قضاء بنت جبيل والمقيم أحياناً في المصيلح قضاء الزهراني، والذي خصص معايدته في الميلاد للكلام عن “حجم الألم واتساع الجرح من كنيسه المهد في بيت لحم إلى المعمدانية في قطاع غزة وكل الجغرافيا الفلسطينية…”

لا جدال في الحق بالتعبير عن مشاعر الأسى حيال ما عرفته غزة عموماً، وما نال مسيحيي القطاع ومراكز عبادتهم من أذى. فبيت لحم حيث المهد الذي ضمّ رسول السلام، هي اليوم في منتهى الحزن، إذ اختفت أضواء الاحتفالات وشجرة عيد الميلاد التي تزيّن عادة ساحة المهد، وكذلك حشود السياح الأجانب الذين يتجمعون كل عام للاحتفال بالعيد.

لكن فات دولته، أنّ الجنوب حيث قانا وكل ما جاء في الإنجيل المقدس، يستحق المعايدة. فكنيسة يارون ومثلها مسجد الجبيّن وغيرهما شاهد على مأساة تسبب بها بلا أي مبرر حليفه في السياسة والجغرافيا والمذهب. فهل هذا ما دعا رئيس البرلمان إلى إغماض العين عن دياره وفتحها على الديار الفلسطينية؟

حبذا، لو قرأ الرئيس بري، إذا فاته أن يستمع إلى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ما قاله في جنوب لبنان في عظة الأحد. فهو رأى أنّ توريط لبنان في حرب غزة قد أتى “خلافًا لقرار مجلس الأمن 1701″، الأمر تسبب ولا يزال بـ “وقوع ضحايا لبنانيّة، وهدم منازل، وإتلاف بساتين وأحراش، وتهجير أهلنا هناك”. ومن هذه المحنة التي تتجدد في جنوب لبنان، أطلق البطريرك الراعي مجدداً نداء العودة بلبنان إلى “حياده الإيجابيّ الناشط في رسالته، كأرض للتلاقي والحوار، وكصاحب دور في حلّ النزاعات بالطرق السلميّة، وكمدافع بالطرق الديبلوماسيّة عن الحقوق المسلوبة في أي بلد عربيّ، وفي طليعتها حقوق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه، وبإقرار دولة خاصّة به”.

ليست الإطالة في الاقتباس من عظة الأحد، مجرد كلام عابر. بل أتى في سياق كلام لرئيس الكنيسة المارونية الذي ينتمي إلى سياق تاريخي جدير بالانتباه على المستوى الوطني. يقول الراعي: “إنّ حياد لبنان يرقى إلى سنة 1860، زمن المتصرّفيّة، ثمّ تكرّس الحياد في الميثاق الوطنيّ (سنة 1943). ويجد حياد لبنان جذوره أيضًا في ميثاق جامعة الدول العربيّة سنة 1945. ثمّ كان “بيان بعبدا” في 11 حزيران 2012 الذي وافقت عليه بالإجماع الكتل السياسيّة مؤكّدًا حياد لبنان بتعبير “النأي بالنفس”، واعتمده مجلس الأمن من بين وثائقه”.

إنه التاريخ الذي ينطق بذاته عن خصوصية الكيان اللبناني. ولا ضير في الكلام على القرار 1701 الذي يمثل محور اتصالات دولية حالياً كي يخرج لبنان من مصيدة الحرب المهولة التي جرّ “حزب الله” لبنان إلى شفيرها. وفي هذا القرار دعوة إلى حماية حدود لبنان التاريخية وبسط سيادة الدولة على أراضيه. أما ما يتضمنه القرار أيضاً، فهو انسحاب “حزب الله” كتنظيم مسلح من منطقة القرار الدولي الواقعة بين الحدود مع إسرائيل وبين نهر الليطاني. وإذا ما انسحب “الحزب” فإنّ الجيش اللبناني سينتشر. وأيهما أهم للبنان، “الحزب” أم الجيش؟

ما قاله البطريرك الراعي في عظة الأحد هو كلام في مستوى رئيس الدولة. يا ليت رئيس البرلمان يحذو حذوه.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us