من ينهي الفراغ؟


خاص 30 كانون الأول, 2023

يعيش اللبنانيون ويتعايشون، مع الفراغ في رئاسة الجمهورية منذ سنة ونيف، من دون أن يبدوا قلقين على مصير الجمهورية، برغم أن “خيمة الدولة” لم تعد تستر عوراتها ولا تبشر بلمحة من حلّ أو كوة لحلّ

كتب راشد فايد لـ”هنا لبنان”:

استهول اللبنانيون، في أيلول 1982، فيما لبنان في أتون حروبه، أن تنتهي ولاية الرئيس الياس سركيس قبل أن يصل الفرقاء السياسيون، من الداخل والخارج، إلى التوافق على البديل. كانت المرة الأولى في تاريخ الجمهورية التي يشارف فيها المسار الدستوري لهرم الدولة على إضفاء الشرعية الميدانية على فكرة التقسيم الواقعي للبلاد. لذا انتخب الرئيس سركيس للرئاسة قبل شهرين من نهاية عهد سلفه الرئيس سليمان فرنجية، الذي غادر المقر الرئاسي في اليوم الأخير من عهده.
كانت الغالبية الأعم من المواطنين مهجوسة بالخوف من تفتيت البلاد، خصوصا أن التقسيم دخل الزواريب، وذرر المؤسسات. حتى الجيش لم يسلم من تشتت الدولة، وصار منطق “الشرقية والغربية”الثابت الوحيد في النقاشات العامة باعتباره قدراً لا يزلزله قرار محلي، أيّاً يكن مرجعه، طالما أن الحرب في لبنان لا تصيب جيرانه، من أصدقاء وأعداء، بأي ضرر، فكيف إذا كانت الوقائع تبلور لهم مصالح استراتيجية، تمكنهم من المساومة على السلام في المنطقة، في ما يشبه ما اتخذه الكاتب السياسي انعام رعد عنوانا لكتابه الشهير التوثيقي “التضامن العربي- الاسرائيلي على لبنان وفلسطين”، واعتقد أنه تسبب بهجره لبنان إلى فرنسا.
اليوم، يعيش اللبنانيون، ويتعايشون، مع الفراغ في رئاسة الجمهورية منذ سنة ونيف، من دون أن يبدوا قلقين على مصير الجمهورية، برغم أن “خيمة الدولة” لم تعد تستر عوراتها، ولا تبشر بلمحة من حل أو كوة لحل، خصوصا أن اللبناني لم يعد يثق بكل الطاقم السياسي حتى من يلتقي معه في مبدأ أو أكثر. فتجربة ميشال عون في رئاسة الجمهورية، وتظلل صهره جبران باسيل به، تؤشر بوضوح إلى أن الثقة السياسية مفتقدة في بلاد الأرز، ولمن يعترض أن يراجع الوقائع من اتفاق “معراب” الشهير إلى التفاهم مع “تيار المستقبل” وصولاً إلى صفقات الوزراء والنواب، وكبار الادارة العامة، و”تفقيس” الأغنياء بالمال العام المتأتي من طباعة الوثائق الرسمية، والمناقصات المطبوخة، ومشاريع السدود المائية بـ”زعامة” سد المسيلحة التي لشدة وقاحة من وراءها، لم يستطع الرأي العام، في بدء “موسمها” أن يصدق أنها ليست مشهدا من فيلم عصابات هولوودي.
اثبت مرور أكثر من سنة على نهاية “الولاية المظفرة” أن اللبنانيين لا يطالبون باستعجال انتخاب رئيس للجمهورية لأن دوره كحام للدستور ومؤتمن على الجمهورية وحسن سير القوانين، لا يمكن تخطيه، بل لاكتشافهم مع تجربة الفراغ أن أمور البلاد لا تتعطل في غيابه، لأن ديدن أهل السلطة هو التواطؤ في ما بينهم للتنكيل بعيش المواطن.
وليست هذه المرّة الأولى التي يسلّم فيها رئيس جمهورية لبنان البلاد للفراغ، حتى إن عون تسلّم الرئاسة من الفراغ الذي استمرّ سنتين ونصف سنة تقريباً، بعد انتهاء ولاية ميشال سليمان عام 2014، وذلك بفعل تعطيله وفريقه السياسي وحلفائه، على رأسهم “حزب الله”، جلسات انتخاب الرئيس التي فاقت الأربعين، في حين وقع لبنان 5 مرات في الفراغ منذ استقلاله عام 1943، لتتسلّم الحكومات صلاحيات الرئيس. في المقابل، بدأ الصراع السياسي والدستوري على من ستؤول إليه صلاحيات رئيس الجمهورية في ظلّ الفراغ الرئاسي، مع رفض فريق عون السياسي انتقالها إلى حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها نجيب ميقاتي، فكان أن وقع مرسوم قبول استقالة الحكومة قبيل مغادرته قصر بعبدا، وواكب مغادرته جمهور “التيار الوطني الحر” (برئاسة صهره النائب جبران باسيل) وبعض مناصري “حزب الله”. كم ا واكبه رده على سؤال صحافي “إلى أين لبنان، بعد عهدك” وجوابه: إلى جهنم، وليضمن تأكيد المسار، وجّه عون رسالة إلى البرلمان لسحب التكليف بتشكيل الحكومة من ميقاتي، ولوّح باعتكاف الوزراء المحسوبين عليه لعرقلة اجتماعات الحكومة.
اليوم، وبرغم كل الحجج المخيفة من استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية وتسابق أهل السلطة، في تبيين الأضرار اللاحقة بالدولة، وانتظام عجلتها، والخواء الذي بلغته، فإنها تبدو بعيدة عن إثارة اهتمام أصحاب القرار باستعجال (!) انتخاب رئيس للبلاد، سوى في التصريحات السياسية، التي لا تقدم ولا تؤخر في المشهد السياسي، وتقارب عملية نفض اليد من أي مسؤولية. أما الرأي العام فيتفرج على المسرحية الساذجة، ويقترب من التسليم بأن دوره لا يتخطى ذلك.
هذه الحال تهمش موقع ودور الرئيس المنتظر، وتجعله ضرورة غير واجبة إذا استمر انتخابه موضع علك وعك، ولا ينقذه سوى اختيار مرشح للرئاسة من قماشة افتقدناها مديداً تعيد للرئاسة هيبتها وتمثيلها مصالح كل اللبنانيين، لا الأخ ولا الإبن ولا الصهر.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us