طبول الحرب تقرع من لبنان إلى اليمن‎


خاص 11 كانون الثاني, 2024

المشهد يشير إلى أنّ البلد متجه إلى حرب صار سيناريو اشتعالها شبه معلوم، ولكن الألغاز ما زالت تغلّف مسارها وشروط نهايتها أو نهاياتها


كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:

إحتمالات توسّع الحرب بين إسرائيل وحزب الإحتلال الفارسي عبر جبهة جنوب لبنان تتصاعد، وستتّخذ المواجهات بعداً جغرافياً وعملياتياً إضافياً، ولن يوقفها سوى خلوّ جنوب لبنان من أي قوى مسلحة لا يجيزها قرار مجلس الأمن الدولي 1701.
سقط مشروع التسوية الذي حاولت المنظومة اللبنانية الحاكمة تمريره على الدول الخمس المعنية بالوضع اللبناني (أميركا- فرنسا-السعودية- قطر- مصر)، والقائمة على مشروع مقايضة خسيسة تعرض إنسحاب حزب السلاح الفارسي من جنوبي نهر الليطاني لقاء الاحتفاظ بسلاحه.
مقايضة الانسحاب بالاحتفاظ بالسلاح رفضتها مصر والسعودية وأميركا، ولم تؤيّدها فرنسا لأنها اعتُبرت مجرد مشروع مموّه لتحويل حزب السلاح الفارسي إلى حشد شعبي ثانٍ بعد تجربة العراق الفاشلة في هذا المجال والتي أدخلت ميليشيات إيران إلى نخاع عظم الدولة العراقية ومكّنتها من اختراق الأجهزة الأمنية العراقية إضافة إلى أنّ نفقات عناصر الحشد الشعبي العراقي تُسدَّد من أموال الشعب العراقي الملحوظة في موازنات الدولة. يعني أنّ الشعب العراقي صار مكلفاً بتمويل نفقات ميليشيات إيران في بلاده.
لبنان، يقول مصدر رفيع في الخماسية، لن يرتكب غلطة الشعب العراقي، والدول الأربع التي عارضت المقايضة متأكدة أن الشعب اللبناني بتعدده المذهبي المتجاوز للتعدد الطائفي لن يقبل بها، بل سيتجه إلى مقاومتها، ما يؤدي إلى إشتعال حرب أهلية.
الخماسية، يقول المصدر، “تريد أن تطفئ ناراً مشتعلة في جنوب لبنان لا أن تشعل في لبنان سلسة حرائق تلفّ البلد بكامله. المحرج في الموضوع هو أن المقايضة الملغومة عرضها رسميون لبنانيون، فهل يريدون المحافظة على مكتسباتهم وتأييد معسكر إيران لهم لحفظ مقاعدهم في أي سلطة جديدة، ما يعمي أبصارهم عن خطورة ما يطرحونه؟”

أما فرنسا، فاتّخذت موقفاً وسطياً لتحفظ موافقة محور إيران على مبادرتها المتعلقة بإنتخاب رئيس للجمهورية ينهي الشغور في سدة السلطة.
المبادرة الفرنسية، وفق ما كشفه المصدر، أيضاً تقوم على مقايضة، بديلة عن المقايضة التي تنتج حشداً شعبياً، إذ تقترح أن يوافق حزب إيران على الإنسحاب من مزارع شبعا لقاء انتخاب رئيس للجمهورية يؤيده “ويتم التوافق عليه عبر ما يعرف بالخيار الثالث” أي تكوين توافق مذهبي على محاصصة جديدة في السلطة تعطي معسكر إيران “أسهماً في قمة هرم الدولة”.

وأضاف: “لن أكشف سراً إذا قلت إنّ ثلاثاً من دول الخماسية رفضت الاقتراح الفرنسي، كما رفضته المعارضة اللبنانية. فالتوافق في لبنان مرفوض لأنّ الدستور لا يلحظه بل يصرّ على انتخاب رئيس لا التوافق على شخص وتكريسه بمشهد انتخابي سخيف، إضافة إلى وجود شرائح من عدة مذاهب في لبنان ترفض رفضاً قاطعاً مجرد البحث في إعطاء إيران أسهماً في رئيس يراد له أن يكون قد صنع في لبنان، لا في حوزات إيران.”
وأكد المصدر على أنه سمع من “ممثلي كتلة نيابية متعددة المذاهب رأياً يقول إن أي نائب لبناني يوافق على إدخال إيران مجدداً إلى قصر بعبدا هو خائن. لقد جربنا وجود إيران في رئاسة الجمهورية وهذا الوجود لم يقدم للبنانيين غير ما وصلوا إليه من بؤس.”
واعتبر المصدر أن “عقدة العقد في آلية المقايضات المعتمدة من قبل المنظومة اللبنانية هي المذهب السني، لأنه الوحيد غير الثابت بين مذاهب الرؤساء الثلاثة، فالرئيس الماروني ولايته ثابتة لست سنوات ويمكن الاتّفاق معه على تفاصيل صيغة مقايضة حصص تدوم طوال فترة ولايته، ورئيس مجلس النواب الشيعي ولايته أيضاً ثابتة لأربع سنوات ويمكن الإتفاق معه على شروط محاصصة، أما رئيس الحكومة السني فوجوده غير مرتبط بأي ثوابت، لا على مستوى تكليفه تأليف حكومة بموجب ما يقال إنه إستشارات رئاسية ملزمة، ولا على شروط تأليف حكومته وتبقى رقبته تحت سيف القدرة على إسقاطه في أي لحظة عبر إسقاط حكومته كما سبق وحصل، في إشارة إلى أنه في 12 كانون الثاني العام 2011 دخل سعد الحريري البيت الأبيض بصفته رئيساً للحكومة اللبنانية للقاء الرئيس باراك أوباما وخرج منه رئيساً سابقاً للحكومة التي اعتبرت مستقيلة باستقالة جميع الوزراء الشيعة منها. وأهداه حليف المحور الإيراني ميشال عون تذكرة سفر بوجهة واحدة أبقته خارج البلد لفترة.
وأعرب المصدر الرفيع عن قناعته بأنّ “المقايضات يستخدمها سياسيون سنّة لتمويه رغبتهم في الدخول إلى مقر رئاسة مجلس الوزراء في السراي الكبير متناسين الحكمة التي أضافها الرئيس الراحل رفيق الحريري نقشاً على مدخله (لو دامت لغيرك لما آلت إليك)”.

المشهد، كما سلف ذكرُهُ باختصار شديد، يشير إلى أن البلد متجه إلى حرب صار سيناريو إشتعالها شبه معلوم، ولكن الألغاز ما زالت تغلّف مسارها وشروط نهايتها أو نهاياتها، لكن تتفق جميع الصيغ المتداولة عن الحرب على أنها ستكون جزءاً من نزاع إقليمي يشمل سوريا والعراق وإيران، وقد تخترق شرارات نيرانه الأردن أيضاً.
في هذا الصدد بدا لافتاً ومعبراً عن توجه إقليمي بدعم دولي، تنفيذ سلاح الجو الأردني 4 غارات داخل الأراضي السورية وتحديداً في محافظة السويداء قبل يومين في ثاني إجراء من نوعه خلال أسبوع مستهدفاً مجمّعات لمصانع ومخازن وملاجئ لميليشيات إيرانية-أسدية تدير كارتيل المخدرات بكامله.
وذكرت مصادر سورية في السويداء أنّ الغارات، إضافة إلى مهمة الدفاع عن الأردن ومنع استخدامه حلقة في خارطة تهريب المخدرات، تهدف أساساً إلى ضرب صناعة المخدرات التي تموّل “الإرهاب الإيراني التابع للحرس الثوري وهي حملة مدعومة أميركيا وخليجياً وستتوسع بالتنسيق مع لبنان.”
الإشارة إلى تنسيق مع لبنان في مكافحة عصابات التهريب ليست جديدة، بل بدأ الحديث عنها مع الإعلان عن تعيين الخبيرة الأميركية في مكافحة تهريب المخدرات ليزا جونسون سفيرة لدى لبنان الذي كان جيشه قد اقتنى بتمويل سعودي-أميركي 6 طائرات سوبر توكانو مع ذخائرها وقطع غيارها وتسديد نفقات تدريب طياريها علماً بأنّ هذه الطائرات التوربينية متخصصة بتقديم الدعم للعمليات البرية وتحديداً ملاحقة عصابات تهريب المخدرات والأسلحة لصالح تنظيمات إرهابية.
السفيرة جونسون يتوقع وصولها إلى لبنان هذا الأسبوع لتولي منصب قائم بالأعمال نظراً لعدم انتخاب رئيس لتقدم له أوراق اعتمادها منذ إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 30 تشرين الأول الماضي، وتتزامن مهمتها في لبنان مع تمديد خدمة قائد الجيش العماد جوزاف عون الذي سُلمت طائرات السوبر توكانو للجيش اللبناني خلال قيادته للمؤسسة.
شعاع دائرة الحرب لن يقتصر على دول الهلال أو غلاف إسرائيل، بإستعارة من قاموس مفردات حرب غزة، بل سيتوسع ليضمّ النزاع القائم في البحر الأحمر مع الحوثيين الذين تستهدف مسيّراتهم سفناً يقولون إنها إسرائيلية أو تتعامل مع إسرائيل، ما يبعد الملاحة الدولية عن المنطقة ويحوّلها إلى رأس الرجاءالصالح حارماً مصر من عائدات رسوم السفن التي تستخدم قناة السويس.
وفي هذا الصدد أعلنت القيادة المركزية للجيوش الأميركية أنّ قوات أميركية وبريطانية أسقطت 21 طائرة مسيرة وصاروخاً أطلقها الحوثيون منذ يومين على جنوب البحر الأحمر مستهدفين الممرات الدولية، مشيرة إلى أن الحوثيين شنوا 26 هجوماً على خطوط الشحن التجارية في البحر الأحمر منذ 19 تشرين الثاني.
طبول الحرب تقرع ضمن شعاع دائرة يمتد من لبنان إلى اليمن، جارفاً معه كل ما يعترض عواصفه، ما يطرح السؤال:
كم ستستمر عاصفة النار وكيف ستنتهي؟
لا أحد يستطيع التكهن بالمدة التي تستغرقها الحرب، لكن الأكيد أن الدول التي شملها الصراع لن تخرج منه كما كانت قبله. لا شيء يضمن بأنها ستبقى موحدة، خصوصاً بعدما صارت الفدرلة وصولاً إلى التقسيم مطلباً في أكثر من دولة، خصوصاً في لبنان، لاستحالة العيش في عهد رئيس عبّدت أحزاب إيران طريقه إلى قصر بعبدا.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar