منتصر أو مهزومَان


خاص 20 كانون الثاني, 2024

لم تتمدد الحرب إلى الداخل اللبناني لأن ذلك ليس هو المطلوب اليوم، وما الحرب المحدودة جنوباً سوى رسالة للقول أن ايران شريك في الحرب الدائرة في غزة، وإن لم تطلق رصاصة فيها وأن لديها وكلاء ينفذون ما تشتهي


كتب راشد فايد لـ”هنا لبنان”:

كل تفاؤل تبديه ما تسمى بالمصادر أو المراجع بما يخص انتخاب رئيس للبنان، أو وقف الحرب على غزة وفيها، وكذلك في الضفة الغربية وجنوب لبنان، وربما العراق وباكستان، ليس في مكانه لا جملة ولا تفصيلاً، وهو ليس سوى تمرين على إبقاء الأمور لا معلقة ولا مطلقة، على ما يقول المثل اللبناني، والسبب أن ظواهر الأمور لا تنبئ بما تنطوي عليه بواطنها، ولا يصارح اللاعبون على المسرح السياسي الرأي العام بأنهم لا يملكون القرار الفعلي في الموضوعين، لأن التفاوض، والأحرى التراشق، بالتصريحات والبيانات، لا يوصل إلا لتمديد الأزمات، واعتياد وقائعها لتصبح جزءاً من أحوال العالم الروتينية، إلى عدم القلق منها. إلى ذلك، فإنّ التكاذب السياسي لم يعد فناً ينطلي حتى على القاصرين، عمراً وأفكاراً، خصوصاً أنّ أنطوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي ليس نسخة ناجحة من سلفه هنري كيسنجر، ذي المبادرات التاريخية، كي يوحي بالتفاؤل، برغم كثرة زياراته للمنطقة.
قد لا تجوز المقارنة بين الأزمتين، من أوجه عدة، طليعتها أنّ الأزمة اللبنانية لم تتسرب منها الدماء، لكنها قوّضت بنيان الدولة في هذا البلد الغريب والخارج على المألوف، منذ كان وكان له دستور ونظم، ولم يكن ذلك بحرب من الخارج عليه، بل بسبب قصور أهله عن أن يكونوا أهلاً لإدارة شؤونه بمسؤولية واقتدار، منذ رفع الانتداب الفرنسي يده عنه. وحاله اليوم لا تقلق سوى أهله، ومن بنودها احتمال اتساع الحرب في الجنوب حيث أثبت الحزب المسلح، أنه لن يتردد في تكريس الإرتباط الميداني بغزة، وقد فعل، وساعده أن كلام أشخاص مؤثرين ودولاً فاعلة أكد أنها لن تتوسع برغم أن العيون تشهد على تطور إيقاعها وتمددها.
لم تتمدد الحرب إلى الداخل اللبناني، لأنّ ذلك ليس هو المطلوب اليوم، وما الحرب المحدودة جنوباً سوى رسالة للقول أنّ إيران شريك في الحرب الدائرة في غزة، وإن لم تطلق رصاصة فيها على الإسرائيليين وأنّ لديها وكلاء ينفذون ما تشتهي، وهي تأخذ دورهم إذا استهدفت ولو بشظية، مثال ذلك، عملياتها الحربية ضد أربيل في العراق، وضد الباكستان، بينما لم يسمع عن أيّ انخراط لها في الدفاع عن غزة، ولم تتباهَ بدور ما لـ”فيلق القدس” الشهير الذي أقنعت طهران جمهورها أنه جاهز للقتال يوم الحشر دفاعاً عن مقدسات المسلمين، وحتى المسيحيين، واتكأت على الحرس الثوري، المكلف بحماية النظام، كي لا تضفي على المواجهة طابعاً “أممياً”.
يجمع بين الأزمتين غياب مؤشرات فعلية إلى تقدم الحلول: في الأزمة اللبنانية يجري تمويه السقوط إلى الهاوية بإجماع السياسيين على أنّ الحياة الدستورية لا ولن تستقيم من دون انتخاب رئيس للجمهورية، وأنّ هذا الموقع هو أساس عودة الدولة إلى دورها وهيبتها، لكن من هي الجهة أو الطرف الذي يحول دون ذلك؟
إنها الجهة التي تريد لبنان ورقة مساومة على طاولة المفاوضات التي ستلتئم، في يوم قريب لترسيم الحدود السياسية بين القوى الدولية والإقليمية، والتي لم توائمها الظروف لفرض إرادتها، وتتميز بالقدرة على “لخبطة” الأوراق طالما لا تناسبها، وتملك اليد الطولى لافتعال الأزمات.
في الجهة الأخرى، تكبر الأزمة في الوقائع الميدانية: فنتنياهو بات أسير نصر مستحيل يهدد مستقبله السياسي، والفلسطيني حر طليق لكن في سجن مفتوح. ألأول يبحث عن نصر يغسل صفحته، والثاني لم يعد لديه بعد ما يخسره سوى حياته. وإنهاء الحروب عبر التاريخ لا تكون إلّا لمنتصر أو بين مهزومَيْن.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us