سحسوح أميركي


خاص 2 شباط, 2024

قدمت طهران أوراق حسن نيات إلى واشنطن: لا علاقة لها بـ”أدواتها” المعروفة في المنطقة، من لبنان وسوريا إلى اليمن، كذلك فعل هؤلاء، وردّوا بإنكار علاقاتهم بها، ويكاد الطرفان يقسمان على ذلك، ويعلنا “البراءة” من المعادين لواشنطن على نسق “البراءة من المشركين” الذي تتبنّاه إيران شعاراً بين كثير من الشعارات التي ترفع غبّ الحاجة


كتب راشد فايد لـ”هنا لبنان”:

كيف يمكن إيران أن توائم بين نفيها الضلوع في هجوم بطائرة مسيرة على موقع عسكري أميركي في الأردن أودى بحياة 3 عناصر وبين شعار “وحدة الساحات” الذي تتبناه، ويردّده حلفاؤها من صنعاء إلى بيروت، ولا يبدده قول ممثل طهران في الأمم المتحدة، في عطلة الأسبوع الماضي، إنّ “إيران ليس لها علاقة بهذه الهجمات”، وأنّ من يقوم بها “هم جماعات المقاومة في المنطقة”، وأنّ هذه الاتهامات “غرضها سياسي وتهدف إلى قلب الحقائق في المنطقة”، حسب زعم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني.
توائم إيران بين النهجين بالرسائل السياسية بين الرئيس الأميركي جو بايدن وحكومة طهران: يعلن الأول أنه سيرد على اعتداء الطائرة المسيرة بعمل حربي محدود، فينطلق التبرؤ الإيراني مما صدر من تهديدات طهران ضد “الشيطان الأكبر”، وتسارع أدواتها، في المنطقة، إلى تبرئتها من أي علاقة بها، وتمسح بجلدها ما صدر من تهديدات بأسمائها الصريحة، وتكاد تطلب العفو والمغفرة من البيت الأبيض على ما كان بدر منها من سلاطة لسان وكلام غير محسوب العواقب، بما يذكّر بـ”السحسوح” الشهير الذي يناله من يعترضون على حكم “حزب السلاح” في مناطق نفوذه، فيعيدهم كالنعاج إلى صفوف قطيعه صاغرين خانعين.
يطغى التبرّؤ على مشهد المنطقة، حتى يكاد المتابع يعتقد أن الألفة والمحبة تظلل العلاقات الأميركية – الإيرانية منذ ثورة الخميني في 1 شباط 1979، حين حضنته واشنطن، ووفرت لحركته كل أسباب النجاح، منذ غادر العراق، حيث آواه صدام حسين، إلى نوفل لو شاتو، حيث وفرت له فرنسا الحماية والحصانة الأمنية، وسهلت تواصله مع جمهوره في ايران.
راهناً، يعيش الأصدقاء- الأعداء في حالة إنكار وتنكر: لا تستطيع واشنطن تجاهل اهتزاز صورتها كقوة لا مزاح ولا جدل في هيمنتها العالمية، لذا تتوعد برد لكن محدود، وتصرح بذلك كأنها تطمئن خصمها الإيراني إلى أنها لن توجعه، وربما يتذكر اللبنانيون هذا النهج الأميركي حين فجّر حزب السلاح باسم “الجهاد الإسلامي” المستحدث حينها، مقر المارينز في بيروت، يوم 23 تشرين الأول 1983 بشاحنة مفخخة بما يعادل 12 ألف رطل من مادة تي أن تي، وأسفر الهجوم عن مقتل 241 عسكرياً أمريكياً وإصابة 128. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، قُتل 58 جندياً فرنسياً في هجوم مماثل على مبنى “دراكار”، مقرهم في منطقة الرملة البيضاء، وقد ساد الإعتقاد أنّ “الحزب” هو الذي نظم هذا الهجوم، وأنه كان يعمل ذلك بدعم وتمويل من إيران، ورأى مراقبون أنها “عملية إيرانية من أولها لآخرها، وأدت الهجمات في نهاية المطاف إلى انسحاب قوة حفظ السلام الدولية من لبنان، حيث كانت تتمركز في أعقاب انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982.
كيف رد الأميركيون على الأمر؟
في عام 2004 تردد أن جماعة إيرانية تُدعى «لجنة إحياء ذكرى شهداء الحملة الإسلامية العالمية» أقامت نصباً تذكارياً في مقبرة بهشت الزهراء في طهران تخليداً لذكرى تفجيرات 1983 و «شهدائها»، وكأنها تتبنى، متأخرة، عمليتي المارينز ودراكار، أو تسمّي من نفذهما.
في المقابل، وبعكس الاستنتاجات والتقديرات السياسية المعلنة من مصادر أميركية، بدا من الواضح أن الولايات المتحدة لن تشنّ أيّ هجوم انتقامي جاد وفوري على قصف ثكنات مشاة البحرية في بيروت بخلاف القصف البحري والغارات الجوية المستخدمة لاعتراض نيران المضايقة المستمرة من مواقع الصواريخ والمدفعية “المعادية”.
استقرت سفينة نيو جيرسي الحربية في المياه الدولية بمحاذاة الشاطئ اللبناني في 25 أيلول 1983 وانضمت إلى المعركة في 14 كانون الأول ردّاً على هجمات صاروخية سورية على الطائرات الحربية الأميركية، شنتها مع ميليشيات معادية، وخلافاً لما كان يتردد عن رد اميركي “عظيم” انجلى الوضع عن قصف من نيوجرسي استهدف منطقة خالية غير بعيدة عن بلدة صوفر، في جبل لبنان، بما هو أقرب إلى استعراض قوة.
هذا الاستعراض قد يتكرر اليوم مع بايدن، لأن صمته على العملية الإيرانية سيضر به في انتخابات الرئاسة، وهو يتنافس مع المرشد الإيراني على اكتشاف كيف يمكن أن يضرب خصمه من دون أن يؤذيه، فلا تكون فاتحة حرب، ولا تسجّل كغض طرف واضح، ومتبادل.
عملياً، قدمت طهران أوراق حسن نيات إلى واشنطن: لا علاقة لها بـ”أدواتها” المعروفة في المنطقة، من لبنان وسوريا الى اليمن، كذلك فعل هؤلاء، وردوا بإنكار علاقاتهم بها، ويكاد الطرفان يقسمان على ذلك، ويعلنا “البراءة” من المعادين لواشنطن على نسق “البراءة من المشركين” الذي تتبناه إيران شعاراً بين كثير من الشعارات التي ترفع غب الحاجة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar