حياد لبنان اليوم أو الحرب غداً


خاص 5 شباط, 2024

ماذا نتتظر بعد من بلد فقد حياده لمصلحة التبعية لما تقرره إيران حول مصيره؟ كل الاحتمالات واردة، بما في ذلك الحرب التي تبدو على الأبواب


كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

ترددت أمس أنباء وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين إلى إسرائيل. فهل بدأ العدّ العكسي للوساطة الأميركية لإعادة جنوب لبنان إلى ضفة الاستقرار؟ وقبل عودة الوسيط الأميركي إلى المنطقة، صرّح وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب، أن رجوع هوكشتاين إلى المنطقة مرتبط بمعطيات تتيح له العودة. فما هي المعطيات الجديدة التي يفترض أنها أعادت الأخير إلينا؟

لا يختلف اثنان في العالم الديبلوماسي على أنّ نجاح مهمة هوكشتاين لاحقاً مرتبط بتجاوب “حزب الله” مع طلب إسرائيل بانسحابه من منطقة جنوب الليطاني. وهذه المنطقة خاضعة لمقتضيات قرار مجلس الامن 1701 الذي أنهى حرب عام 2006. لكن المواقف الأخيرة لـ “الحزب” وتحديداً موقف نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، كانت واضحة في رفضه فكرة الانسحاب هذه. وهو ما سبق لـ “الحزب” أن أعلنه من أنّ بداية إنهاء التوتر في الجنوب مرتبط بنهاية حرب غزة.

فهل هناك من أسرار لم تكشف بعد حول وساطة المبعوث الأميركي هي التي تحركه مجدداً على الرغم من الأمور ما زالت على حالها في الميدان الجنوبي؟

لا بد من مقاربة هذا الفصل الجديد من مهمة هوكشتاين من زاوية مختلفة عما هو سائد في دور الأخير الذي يمثل الرئيس جو بايدن منذ سنوات في التعامل مع ملفات دولية وإقليمية في عالم الطاقة. وقد عرف لبنان مدى أهمية المبعوث الأميركي عندما نجح في وساطته لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل قبل أكثر من عام. أما اليوم، فالظروف اختلفت كلياً، والتي أملت على الرئيس الأميركي الاستعانة بمستشاره لشؤون الطاقة كي ينزع ألغام البر بين لبنان وإسرائيل. وأشد المفارقات في وساطة هوكشتاين الجديدة أنه يبدأ من عقدة وليس من نافذة حل. فهو محكوم مسبقاً بمطلب إسرائيل بانسحاب “الحزب” من منطقة الليطاني وهو مطلب يرفضه “الحزب” على الإطلاق.

كي لا تبدو الصورة قاتمة، لا بد من الأخذ بالاعتبار عامل الوقت. والبداية ستكون مع نتائج المفاوضات التي لا تهدأ توصلاً لهدنة في حرب غزة. وما هو مؤكد حتى الآن، أنّ طول مدة الهدنة الجديدة سيكون أكثر بكثير من الهدنة السابقة في تشرين الثاني الماضي. وإذا كانت الهدنة السابقة دامت أسبوعاً، فإنّ الهدنة المقبلة مرشحة لتطول لنحو 145 يوماً. لذلك، سيكون هناك متسع من الوقت أمام الجهود لإنهاء مواجهات الجبهة اللبنانية، ولو تم ذلك تحت الضغط الميداني والديبلوماسي كما هو حاصل الآن.

في المقابل، وبعيداً عن عالم التمنيات، لا تبدو صورة الموقف على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية وردية كما يشتهيها المتفائلون. بل هناك أشواك تعبّر عنها إسرائيل بلا توقف. فهي، كما صرّح أخيراً وزير الدفاع يوآف غالانت “إذا اعتقد “حزب الله” أنه عندما يكون هناك وقف لإطلاق النار في (غزة) فإنه سيوقف إطلاق النار وسنتوقف، فهو يرتكب خطأً كبيراً”. وبالتالي، فإنّ كل ما وصف بـ “المرونة” في الموقف الإسرائيلي، مرتبط بانسحاب “الحزب” أولاً من منطقة الليطاني ومن ثم تنطلق عملية إنهاء المواجهات الحدودية بين البلدين.

في المقابل، يشهد لبنان في هذه المرحلة أكبر عملية تضليل لجهة ما يريده هذا البلد. فمع اقتراب مواجهات الجنوب من شهرها الرابع، بدا واضحاً أن هناك هوة عميقة بين الخطاب الرسمي وخطاب “حزب الله”. وما يقوله المسؤولون في الحل المرتجى لإنهاء هذه المواجهات، وهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي والوزير بوحبيب، هو التأكيد على تمسك لبنان بالقرار 1701 الذي لا ينقصه سوى إنهاء الخروقات الإسرائيلية للخط الأزرق والانسحاب من مزارع شبعا. وفي المقابل، يكرر “حزب الله” القول أن مواجهات الجنوب مرتبطة فقط بحرب غزة.

لا مشكلة في إسرائيل حول موقفها النهائي من ملف الحدود مع لبنان. فهناك، أصبح النقاش محسوماً من أن عودة عشرات الألوف من الإسرائيليين إلى مساكنهم في شمال إسرائيل، مرتبطة بانسحاب “حزب الله” من الجانب الآخر على الحدود.

لكن في لبنان هناك مشكلة حقيقية. فالموقف النهائي المتصل بالحرب أو بالسلام في جنوب لبنان هو ظاهرياً بيد الدولة لكنه عملياً بيد “حزب الله”.

كيف يمكن الخروج من هذه الدوامة لبنانياً؟ المتفائلون يقولون أنّ تاريخ “حزب الله” وحاضره مرتبطان بإيران. فهناك يتقرر ما يقوم به “الحزب” هنا. والشاهد الأكبر على ذلك حرب تموز 2006 التي لم يبدأها “حزب الله” إلّا بعد قرار إيراني. فهل سيكون هناك قرار إيراني مماثل كي يبتعد لبنان عن هاوية الحرب بعد “تسوية” ما بين طهران وواشنطن؟

خير الكلام هنا، ما قاله البارحة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في قداس الأحد. فهو رأى أن لبنان “فقد الحياد بإقحامه في حروب ونزاعات إقليميّة لا يريدها”. وماذا نتتظر بعد من بلد فقد حياده لمصلحة التبعية لما تقرره إيران حول مصيره؟ كل الاحتمالات واردة، بما في ذلك الحرب التي تبدو على الأبواب. لكن لا خلاص إلّا بالحياد الذي ما زال خلف الأبواب المغلقة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar