الراعي يرفع صوت الموارنة ويرفض سلاح الحزب
خروج البطريرك عن طوره أمر لافت وهو المعروف بوسطيته ومواقفه المعتدلة، وأحياناً المسايرة، وانفتاحه حتى على “الحزب”
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
يبدو أن الكيل قد طفح في بكركي، فقد حمل البطريرك بشارة الراعي في مناسبة عيد القديس مارون شفيع الطائفة المارونية في لبنان على “من يغامر بأرواح الجنوبيين ويسعى إلى ترسيم الحدود بدون أي ضمانات دولية”. وواضح هنا أن المقصود هو “حزب الله” الذي يزجّ لبنان في حرب معتبراً نفسه مسؤولاً عما يجري في فلسطين، معرضاً لبنان لاجتياح إسرائيلي محتمل فيما هجرة أهالي الجنوب، مسيحيين ومسلمين، قد بلغت ١٠٠ ألف. وفي الوقت عينه يبدي “حزب الله” استعداده للتفاوض مع الولايات المتحدة لتثبيت النقاط المختلف عليها على الحدود مع إسرائيل بعدما انسحبت في ربيع العام ٢٠٠٠ وتم على أثرها ترسيم خط أزرق للانسحاب. وهو ما يسعى إليه المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين الذي يستعد لزيارة جديدة إلى بيروت كما فعل في تشرين ٢٠٢٢ عندما رتب مسألة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، والتي وافق عليها ميشال عون يوم كان لا يزال في رئاسة الجمهورية بتأييد من “حزب الله”. ويحاول هوكشتاين أيضاً التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل و”حزب الله” تطبيقاً للقرار ١٧٠١ عبر انسحاب عناصر الأخير إلى عشرة كيلومترات شمال نهر الليطاني.
ليس هذا فقط كما أنّ البطريرك الماروني شن لأول مرة هجوماً عنيفاً على من يحاول تهميش دور الموارنة متجاهلاً أنهم “لعبوا الدور الحاسم في إنشاء دولة لبنان الكبير”. ويشكو الراعي من أن الإقصاء الماروني مبرمج بدءاً من عدم انتخاب رئيس للجمهورية و”العودة إلى ممارسة حكم الدويكا” كما كان يحصل برأيه إبان هيمنة النظام السوري، مصوباً عملياً سهامه على ممارسات رئيس مجلس النواب الذي يتمسك بـ “تشريع الضرورة” متعدياً على صلاحيات رئيس الجمهورية، والذي يؤجل ويماطل اليوم متلطياً ببدعة الحوار تهرباً من انتخاب الرئيس كما ينص عليه الدستور، وكذلك رئيس الحكومة العاجز والذي يحاول إرضاء الثنائي الشيعي في أكثر من موقف عبر إقرار تعيينات ومشاريع تعتبرها بكركي فاقدة للميثاقية.
في المقابل، أثار موقف بكركي عتب دار الفتوى على كلام البطريرك إذ اعتبرت أنّ فيه تعميماً وعدم تحديد للمسؤوليات لافتة إلى أن المفتي في كلامه أمس أنصف الموارنة عندما أكد أنّ “رئيس الجمهورية هو مفتاح الحل لجميع القضايا”.
ثم تساءل الراعي: هل أصبحنا دولة نظامها استبدادي يحل محل النظام المعلن في مقدمة الدستور: لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية”، وطالب البطريرك برئيس يتحدى كل من يعطل الدستور وليس “رئيساً لا يستفز أحداً ولا يتحدى أحداً” ويضع حداً لحكومات “الوحدة الوطنية الزائفة”. والأهم واللافت في موقف الراعي هذه الإشارة الواضحة لسلاح “حزب الله” عندما يقول أن “إنقاذ البلاد يستدعي رئيساً يرفض السلاح غير الشرعي”، كما أنه يطالب برئيس يتحدى أولئك الذين يمنعون إغلاق الحدود بين لبنان وسوريا.
وأتت مؤخراً زيارة وزير خارجية إيران الثالثة منذ بداية حرب غزة التي بدأتها حركة “حماس”، وفور وصوله إلى لبنان أشاد عبد اللهيان بدور “حزب الله” الذي برأيه يلتزم بسياسة إيران علماً أنّ طهران تؤكد أنها لا تريد الحرب فيما “حزب الله” يخوضها في الجنوب.
وربط عبد اللهيان أمن لبنان بأمن إيران، واضعاً لبنان بشكل واضح وفاضح تحت الوصاية الإيرانية، وسمح لنفسه التدخل في مصير البلد. فكيف يمكن طمأنة اللبنانيين والموارنة تحديداً الذين ندّد الراعي بإقصائهم عن الدولة وسياساتها وقراراتها؟
خروج البطريرك عن طوره أمر لافت وهو المعروف بوسطيته ومواقفه المعتدلة، وأحياناً المسايرة، وانفتاحه حتى على”حزب الله”. وكان قد فعل اللجنة المشتركة مع الحزب التي كان يرأسها حارث شهاب والتي عقدت أكثر من لقاء. وبعد ثلاث سنوات من انتخابه بطريركاً (٢٠١١) أي سنة ٢٠١٤ قرر القيام بزيارة إلى الجالية المارونية في الأراضي المقدسة فشن عليه “حزب الله” حملة شعواء وتم اتهامه بالعمالة لإسرائيل.
ومع ذلك لم يأخذها الراعي بعين الاعتبار ولم يرد على تلك الاتهامات الزائفة، وتمت معالجة هذا الإشكال وعادت الأمور إلى شيء من الهدوء. إلا أنه في العام ٢٠١٩ وما إن طرح البطريرك فكرة حياد لبنان في خطاب ألقاه من بكركي حتى تجددت الحملة عليه من قبل “حزب الله” وزادت مع إدانة الراعي لدخول لبنان مرة أخرى في الفراغ الرئاسي كما حصل في الموقع الماروني قبل أكثر من ٧ سنوات أي عند انتخاب عون، وهو ما يحصل مرة ثانية بتحريض من “حزب الله” الذي يحاول فرض سليمان فرنجيه رئيساً. وهذا الفراغ ليس بإمكان بكركي تحمله ولا تغطيته، ولا السكوت عن النزوح المسيحي من الجنوب، هذا الفراغ الذي يبدو هزيلاً ولا يلقى دعماً من أي طرف سياسي مسيحي هذه المرة حتى العوني!
مواضيع مماثلة للكاتب:
مناورة بري تتحول إلى مأزق | “الحزب” يخوض معركته وحيداً | نصرالله يكابر ويقرّ أنّ لبنان ورقة تفاوض |