إيران طلبت من حلفائها الانكفاء إلّا في لبنان


خاص 23 شباط, 2024

“الحزب” وحده يبقى مكلفاً إيرانياً “مشاغلة” إسرائيل. فيما الحلفاء الآخرون في الإقليم أخفوا رؤوسهم ورأس طهران حرصاً عليها وعليهم. ولبنان وحده بقي يخوض حرباً لا يُعرف مداها وعواقبها

كتب طوني عيسى لـ “هنا لبنان”:

في العام الأخير من ولاية الرئيس جو بايدن، تراهن واشنطن على اعتماد سياسة العصا والجزرة مع طهران. ووفق مصادر ديبلوماسية، فإنّ الولايات المتحدة، في موازاة تلويحها باستخدام القوة ضد إيران، تسعى إلى إبرام تفاهم ضمني معها حول قواعد الاشتباك.
ومن خلال هذا التفاهم، تسعى واشنطن إلى منع إيران والقوى الرديفة لها من تنفيذ عمليات عسكرية ضد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، والحدّ من اندفاع طهران إلى جانب موسكو وتزويدها بالصواريخ المتطورة والمسيّرات التي تستخدم في حرب أوكرانيا. وثمن ذلك، هو تقليص الأميركيين من حجم عقوباتهم على طهران وتحريرهم لمزيد من أرصدتها المحتجزة.
في الواقع، لم تنقطع الاتصالات بين الطرفين، بمشاركةٍ عُمانية، طوال عهد بايدن. وقد أثمرت في الصيف الفائت اتفاقاً لتحرير سجناء أميركيين من طهران مقابل الإفراج عن أرصدة لها بـ6 مليارات دولار.
ولكن، في موازاة هذه الخطوط المفتوحة، لم يتورع الأميركيون عن تهديد إيران. فقد حملوها المسؤولية عن العمليات التي نفذتها التنظيمات الرديفة ضد قواتهم في الشرق الأوسط، ولوحوا بردود قاسية تستهدفها مباشرة، أي أن يأتي الرد في قلب إيران لا في العراق وسوريا واليمن فحسب.
وللإمعان في الضغط، بدأ الأميركيون بإثارة ملف طهران النووي، الذي كان نائماً في الأدراج منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. وقبل يومين، وجه مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي اتهاماً إلى إيران بتخصيب ما يقارب الـ7 كيلوغرامات من اليورانيوم، النقي بنسبة 60%، شهرياً.
وفي المقاييس العلمية، تعتبر هذه كمية هائلة للتصنيع العسكري. فالقنبلة التي دمرت هيروشيما، خلال الحرب العالمية الثانية، استلزمت 16 كيلوغراماً لا أكثر، وفق بحث نشرته قبل أيام صحيفة “الواشنطن تايمز”.
ومنعاً لقيام طهران والتنظيمات الرديفة باستغلال الحرب الدائرة في غزة، تعمل إدارة بايدن على تسويق تسوية متكاملة للملف الفلسطيني، تقضي بإنهاء الحرب وإقرار خطة سياسية تتضمن اعترافاً بحد أدنى من أشكال الدولة الفلسطينية، ما يبرر تحريك مسار التطبيع بين العرب وإسرائيل، بدءاً بالمملكة العربية السعودية.
ويرى ديبلوماسيون أن سياسة العصا والجزرة الأميركية قد أثمرت. فطهران أوعزت إلى القوى الرديفة بأن تتجنب أي استفزاز للأميركيين في الساحتين العراقية والسورية. وجاء هذا الإيعاز في أعقاب عملية البرج 22، في الصحراء الأردنية على مثلث الحدود مع العراق وسوريا، حيث تعرضت القاعدة الأميركية لاستهداف بالمسيرات أوقع فيها 3 قتلى وعشرات الجرحى. وحملت العملية توقيع “حزب الله” العراقي.
فقد ردت واشنطن بقسوة على العملية في 7 مواقع تتوزع بين العراق وسوريا. وعلى الأثر، جرى تسريب معلومات مفادها أنّ التنظيم العراقي نفذ العملية بمبادرة منه، ومن دون التنسيق مع الإيرانيين. وفعلاً، تنصلت طهران من أي مسؤولية لها عن العملية، بل طلبت من التنظيم وقف عملياته فوراً ضد القوات الأميركية. وقد أصدر بياناً علنياً بذلك. وتردد أنّ قائد الحرس الثوري اسماعيل قاآني هو الذي تولى في بغداد مهمة إبلاغ المعنيين بهذا الأمر.
وباب التوتر الوحيد المفتوح في الخليج حالياً يبقى اليمن. لكن الوضع هناك مختلف. فالحوثيون لا يستهدفون الأميركيين في الأساس، بل السفن المتوجهة إلى إسرائيل. والردّ الأميركي عليهم يندرج في هذا السياق التقني المتعلق بأمن الملاحة في البحر الأحمر، ولا يترجم اشتباكاً أميركياً- إيرانياً مباشراً، كما جرى في العراق وسوريا والأردن، كما أنه لا يثير هواجس انفجار حرب واسعة بين الطرفين في تلك البقعة.
إذاً، في الاستنتاج، خرجت الساحتان العراقية والسورية من المواجهة مع الأميركيين، ظرفياً على الأقل، وتبقى الساحة اليمنية تحت السيطرة. ولأن دمشق كانت اختارت أساساً تجنب أي مواجهة مع الإسرائيليين أيضاً، على الحدود، ونأت بنفسها عن حرب غزة منذ لحظتها الأولى، فهذا يعني أن الجبهة الوحيدة المفتوحة بين إيران وأعدائها، والتي يمكن أن تتحول حرباً واسعة هي لبنان.
طلبت إيران من رؤوسها تجنب المواجهة المباشرة مع واشنطن على مساحة الشرق الأوسط، لكنها أبقت رأسها ناشطاً في لبنان فقط، ولو ضمن ضوابط منعاً لانفجار واسع لا تريده. والهدف السياسي الذي تعمل له هو استخدام الساحة اللبنانية لتثبيت حضورها السياسي والشراكة في أي معادلة يتم إنتاجها في “اليوم التالي” لحرب غزة.
وهذا ما أوحى به وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، خلال زيارته الأخيرة لبيروت، عندما تحدث عن مناخات تسوية لا عن حرب. وعلى خلفية هذا الموقف، لم يتبنَّ “حزب الله” أي مسؤولية عن إطلاق الصواريخ الدقيقة التوجيه على مدينة صفد. ويدور لغط كبير حول الجهة التي أطلقتها. فلا “الحزب” ولا إيران مستعدان لتحمل مسؤوليتها ولا الردود المحتملة عليها.
إذاً، “الحزب” وحده يبقى مكلفاً إيرانياً “مشاغلة” إسرائيل. فيما الحلفاء الآخرون في الإقليم أخفوا رؤوسهم ورأس طهران حرصاً عليها وعليهم. ولبنان وحده بقي يخوض حرباً لا يُعرف مداها وعواقبها، فيما سائر ساحات المحور الإيراني سارعت إلى المهادنة وفضلت الاستقرار.
وفي كل يوم، سيدفع “الحزب” والجنوب ولبنان أثماناً باهظة، بالأرواح والاقتصاد، لحربٍ تبدو رقعتها آخذة في الاتساع يوماً بعد يوم، كيلومترات أخرى بعد خط الليطاني، وسط القلق من تحولها، في أي لحظة، انفجاراً شاملاً يفوق قسوةً حرب تموز 2006.
وإذ يربط “الحزب” مصير الجنوب ولبنان بمصير غزة، فإن حرب غزة نفسها معلقة على المجهول. ولا أحد يضمن انطفاءها في القطاع قبل اشتعالها في مكان آخر، كالضفة الغربية مثلاً، كما يخشى كثيرون. وسيدفع لبنان، حتى إشعار آخر، أثماناً باهظة لحروب أُجبِر على تَحمّل عواقبها وحدَه، بسبب طبيعة موقعه ومعادلات القوة التي تتحكم به، فيما الآخرون يخبّئون رؤوسهم في رمال الصحارى.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us