هل الأمم المتحدة ضرورة؟


خاص 9 آذار, 2024
لبنان

المشهد اليومي في غزة يكفي وحده للمطالبة بإصلاح الأمم المتحدة، وبالأحرى استبدالها ببنية أممية جديدة، وتعديل ميثاقها، وتأكيد تمويلها، والأهم احترام رسالتها، ومهمتها، بدل تحكم مصالح الدول القادرة في قراراتها، وحتى إجهاضها


كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

بين إقامة المستوطنات الإسرائيلية وتدمير المساكن الفلسطينية، والجرائم المستفحلة، تطل الأمم المتحدة كأبرز “مخصيّ” في الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية، بما يدعو إلى التساؤل: هل لا تزال الأمم المتحدة ضرورية الوجود، وما جدواها في العلاقات الدولية؟ لكن لا يجب أن تُلقى عليها كل المسؤولية في ما وصلت إليه، فهي في الواقع والوقائع، ليست إلّا تعبيراً عن إرادة دولها الأعضاء. وعليه فإنّ انتقادها هو في الحقيقة انتقاد لدولها التي همها الوحيد الدفاع عن مصالحها، بينما ميثاق الأمم المتحدة ينص على أنّ الغاية من إنشائها هي “المحافظة على السلم والأمن الدوليين عن طريق اتخاذ تدابير جماعية فعّالة لمنع وإزالة الأخطار التي تهدد السلام العالمي”.
تأسست المنظمة على أنقاض “عصبة الأمم” التي أنهتها الحرب العالمية الأولى، عقب مؤتمر باريس للسلام عام 1920 فولدت خليفتها في 25 نيسان 1945، باجتماع 50 دولة في سان فرانسيسكو، وكان من أهدافها المقررة حفظ حقوق الإنسان، ودعم القانون الدولي، وأن تكون “شرطيّاً دولياً” ينسق المصالح بين القوى النووية، التي يمكن أن تؤدي الصدامات بينها إلى تدمير البشرية، فكانت الحرب الباردة عنوان العالم حتى نهاية التسعينات، ويزعم بعض الباحثين بأنّ تاريخ انتهاء الحرب الباردة مرتبط بتوقيع أول معاهدة في العالم حول نزع السلاح النووي عام 1987، أو عند انتهاء المرحلة التي كان فيها الاتحاد السوفييتي قوة عظمى في العالم نتيجة اشتعال ثورات 1989، وانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
قررت واشنطن، عقب ذلك، أنّ بإمكانها أن تنفرد بإدارة شؤون العالم، وأن تنهي دور موسكو في حفظ السلم الدولي، وضمناً، إلغاء دور الأمم المتحدة، ووجودها، وتهميشها إلى أداة للسياسة الأميركية.
كان تشكيل التحالف العسكري الدولي بقيادة واشنطن، لغزو العراق، في أيار 2003، أبرز صورة لإجهاض الأمم المتحدة ودورها. وكان قرار جورج بوش في هذا الصدد
يتعارض مع المثل العليا لميثاق الأمم المتحدة، إذ تخطى تهديد فرنسا، وربما الصين، باستخدام حق النقض، بالدعوة إلى إنشاء تحالف دولي بوجه العراق، وتجاهل المناشدات الدولية لحل الأمر سلمياً، وهو النهج نفسه الذي لجأت إليه واشنطن في الأزمة الكورية في مطلع الخمسينات.
اليوم تحذو إسرائيل المنحى ذاته: تختار ما يناسبها من قرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، وترمي ما لا تريده في غياهب النسيان، وحتى تنفذ عكس منطوقه، وإذا صعُب عليها الأمر، تبادر واشنطن إلى حماية موقف تل أبيب باستخدام حق النقض أي الفيتو في وجه الغالبية العظمى من أعضاء الجمعية العمومية.
في حرب العراق، دفعت فرنسا الأمم المتحدة إلى الإعتراف بالأمر الواقع، أي بتصرف واشنطن الأحادي ببلد بعد غزوه العسكري من دون الضوء الأخضر من المنظمة ومن دون أن تتولى الوصاية عليه. وقد عادت واشنطن، يومها، من جديد إلى الأمم المتحدة لسببين: الصعوبات التي واجهها الجيش الأميركي في العراق، وقرب الانتخابات الرئاسية الأميركية.
كانت حرب العراق فشلاً مؤلماً للمنظمة الدولية، وجاءت الحرب في غزة اليوم، وما تحمله من “شبكات التواصل الإجتماعي” لتصعّب أكثر محاولات إخفاء الحقائق الميدانية ومآسيها، وطمس صور المجازر، وأعمال التنكيل والتدمير الممنهج، فيما يتنامى النفوذ الأميركي على الأمم المتحدة، ويتحول مجلس الأمن إلى ما يشبه نادياً لدول غنية.
المشهد اليومي في غزة، يكفي وحده للمطالبة بإصلاح الأمم المتحدة، وبالأحرى أستبدالها ببنية أممية جديدة، وتعديل ميثاقها، وضم أعضاء جدد إلى مجلس الأمن كالهند واليابان وألمانيا، وتأكيد تمويلها، والأهم احترام رسالتها، ومهمتها، بدل تحكم مصالح الدول القادرة في قراراتها، وحتى إجهاضها.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar