فوائد “الآيباد” من منظار علم النفس: “للاستفادة من هذا التطوّر بدلاً من قمعه أو سوء استعماله”


خاص 16 آذار, 2024

استخدام “الآيباد” إدمان جديد يهدد صحة وحياة الأطفال بشكل كبير، إذ يعمل على تقليل درجة التركيز لدى الطفل ويقلل من انتباهه للأمور التي تدور من حوله ويشتت أفكاره، إلاّ أنّه ككافة الأجهزة الإلكترونية سلاح ذو حدّين

كتبت ريتا صالح لـ”هنا لبنان”:

بفضل التكنولوجيا العالمية التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة البشر، يعتبر “الآيباد” أحد أهمّ الاختراعات الحديثة التي تغزو المجتمع وتؤثر على كافة الفئات العمرية وخصوصاً الأطفال. وفيما يصعب على المجتمعات التخلي عن الأجهزة الإلكترونية، التي باتت أهم مكوّن في الحياة اليومية بحيث لم يعد أحد قادراً على العيش بعيداً عن التكنولوجيا، يتمّ اليوم الاعتماد على جهاز “الآيباد” في الكثير من الأمور، إلّا أنّه ككافة الأجهزة الإلكترونية سلاح ذو حدّين، إذ له تداعيات سلبية على شخصية الأطفال ونموّهم الفكري والجسدي، وعلى علاقاتهم الفردية والمجتمعية، فقد يتسبّب بتقليل درجة التركيز لدى الطفل، يقلل من انتباهه للأمور التي تدور من حوله، يشتّت أفكاره، يسبب له مشاكل تعليمية، مشاكل في النوم، في المهارات، السمنة، العنف، بالإضافة إلى خطر التعرّض لمحتوى غير مناسب… لكن ذلك لا يلغي الجانب الإيجابي، فللـ “آيباد” إيجابيات عدة، وخصوصاً في المجال المعرفي والتعليمي للأطفال، كما يزيد من مهارات التواصل لديهم، إذ يعتبر وسيلة لإنشاء طفولة مختلفة وجديدة ويساعد في تنمية المهارات بطريقة سريعة، ولكنه ربما غير صحيحة وغير صحية. وبحسب علم النفس، فإنّ الأطفال الذين يستخدمون “الآيباد” في عمر صغير لمدّة تزيد عن ساعتين يوميًّا يكونون أكثر عرضةً للإصابة بمشاكل عاطفية واجتماعية.
وللوقوف عند البعد النفسي لخطورة وأهمية استخدام “الآيباد” عند الأطفال، يقول الأخصائي والمعالج النفسي وخبير برامج حماية الطفل إيلي نصار لـ”هنا لبنان” أنّ التعلّق التكنولوجي يشغل اهتمام الأهل ومقدمي الرعاية، وتكثر التساؤلات حول تأثيراته النفسية والتربوية والاجتماعية عند مختلف الفئات العمرية لدى الاطفال. إلّا أنّ الموضوع الأساسي يبقى في مكان أشمل من ذلك حيث تكمن أهمية النظر إلى توافر العناصر الأساسية المرتبطة مباشرة بالتطور والنمو النفسي لدى الأطفال. ولفت نصار إلى أنّه من الناحية المبدئية فكل تطور علمي له إيجابيات كثيرة إن أحسنّا استعماله، وسلبياته إذا أسيء استخدامه، مؤكداً أنه لا يمكن الوقوف في وجه هذا التطور، وإبقاء أولادنا بعيدين عنه، فهذا أمر لا يمكن أن يكون واقعياً وبالتالي تكمن أهمية التنبّه إلى كيفية الاستفادة من هذا التطوّر بدل محاولة قمعه أو سوء استعماله.
وأوضح نصار أنّ معظم علماء النفس من فرويد وإريكسون ووينيكوت وآخرين يتكلمون عن حاجة الطفل من أولى سنين حياته إلى التواصل مع الآخر لإشباع حاجاته الأساسية الحسية والعاطفية والاجتماعية فتبدأ عملية التواصل عبر مسار لبلوغ هوية “الأنا” ضمن الخصائص الثقافية لانتماء الطفل. فكلما كان هذا التفاعل إيجابياً خاصة بين الأهل وأطفالهم كلما ساد التفاهم والتواصل والتأثير الإيجابي والثقة والتفاعل. وتابع أنه من هنا تكمن عملية قدرة الأهل على الدعم والتوجيه وتقديم البدائل وقبولها بإيجابية من الطفل بدل القمع والرفض حيث تكثر الاستراتجيات السلبية عند الأطفال لإشباع رغباتهم الحسية والعاطفية.
وبالتالي، شدد نصار على أنّ الوسيلة الإلكترونية ليست خطراً على الطفل بحد ذاتها فهي أيضاً لها دور في تطوير قدراته الإدراكية والتكنولوجية إذا استعملت بشكل متوازن وصحيح ومدروس، وقد أصبحت من مقومات الحياة في عصرنا. أما استعمالها كبديل عن التواصل الإنساني ولإشباع الحاجات النفسية لغياب الأهل عن لعب دورهم هو الذي يجعل منها ضرراً على الطفل فتزيد من انعزاله وعدم تفاعله وتدني قدراته ومهاراته الإنسانية والاجتماعية وتقلل من اكتساباته الاجتماعية.
ورأى أنّ الطفل الذي يلقى عناية أهله واهتمامهم والتفاعل والتواصل اللازمين، والوقت الكافي ليلعب معهم ومحاورتهم بجوّ من الثقة، قادر على إيجاد التوازن إن كان بالوقت أو بنوعية التواصل، في ظلّ مراقبة مرنة من أهله تحترم خصوصيته حسب فئة عمره ولكن في الوقت ذاته تساعده على تقبّل متابعة أهله لتواصله الافتراضي أو الإلكتروني.
وختم أنّ مرافقة الأهل المتوازنة تبقى العامل الأساس حيث يمكنهم أيضاً تقديم الفرص والأنشطة الخارجية والرياضية والكشفية والموسيقية وغيرها وتشجيع أطفالهم على المشاركة بها ضمن برنامج يوازن بين الترفيه والدراسة والتكنولوجيا والتواصل الاجتماعي المباشر أو غير المباشر.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar