إذا فسد الملح!


خاص 26 آذار, 2024

بات مشهد القضاء مقلقاً لا يشبه ماضيه، قبل الحرب، أو الحروب اللبنانية المتنوعة، ويكاد يُنزله من عليائه وقدسية مهامه، ويبعده عن هيبته، ويوحي بتفاقم التدخلات في ما يقرر ويقضي، حتى بات تشابك الصلاحيات، وتنازعها، مثيراً للسخرية بين العامة


كتب راشد فايد لـ”هنا لبنان”:

لا تذكر القاضية غادة عون إلّا ويتذكر اللبنانيون المماحكات القضائية التي أثارتها والمناوشات التي استجرتها، ووفاة ميشال مكتف كمداً وحزنا وقد لحقه من غلّها ما لم يتحمله قلبه، ومنه مداهمة مكاتبه في “إغارة” أين منها مداهمة “الأف بي آي” لمكاتب آل كابون تاجر الكحول غير الشرعية، تحت يافطة التهرب الضريبي، حتى أبدت نسخة من سلوك ميليشياوي، أبرز صوره استعانتها بمسلحين مدنيين، وغير مدنيين، و”مصادرتها” ملفات ووثائق، في تصرف لا إخلاص فيه لأصول التقاضي والتعقبات.

لم تكن السيدة عون وحيدة في الإساءة إلى القضاء، لكنها عنونت وغيرها، مرحلة سوداء في تاريخ السلطة القضائية، وهي إحدى السلطات الثلاث التي تقوم عليها بنية الدولة، إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية، في بلد يتغنى بديموقراطيته، والفصل بين سلطاته، واحترام الحريات، والالتزام بالقوانين، وإعلاء شأن الدستور، واحترام نصه وروحه.

هي لم تكن وحيدة في نهجها، فلقد ماشاها، من دون تنسيق، نواب ووزراء رأوا في استدعائهم إلى التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت إساءة إلى “قدسية” أشخاصهم، وتواروا خلف مزاعم إجرائية للإمتناع عن المثول أمام التحقيق القضائي، فيما رؤساء وزعماء ووزراء في دول العالم يخضعون لأمر القضاء في بلدانهم، إذا استدعاهم، فيكبرون في عيون ناسهم، وتكبر الديموقراطية، في بلادهم، بهم. ومن أسف أنّ رئيس مجلس النواب “منح” هؤلاء “بركته” وغطى على امتناعهم، وعزز بذلك منعتهم تجاه القانون.

هذه الوقائع، وغيرها كثير، جعل مشهد القضاء مقلقاً لا يشبه ماضيه، قبل الحرب، أو الحروب اللبنانية المتنوعة، ويكاد يُنزله من عليائه وقدسية مهامه، ويبعده عن هيبته، ويوحي بتفاقم التدخلات في ما يقرر ويقضي، حتى بات تشابك الصلاحيات، وتنازعها، مثيراً للسخرية بين العامة، خصوصاً إذا توضحت صلات القربى، أو المصالح، بين المتداعين، وبين القضاة، ولاكت الألسن سيرة هذا وذاك على أرصفة المقاهي، وفي المنتديات.

لم تكن مسيرة غادة عون بداية أزمة القضاء اللبناني، فقد تبيّن أنّ هناك قضاة، وفي مواقع مفصلية، يخضعون للسلطات السياسية والطائفية.

في المقابل، يجد القضاء ضالته في الإعلام فيخضع الباحث والكاتب السياسي اللبناني مكرم رباح، لساعات متواصلة من التحقيق بعدما تلقى استدعاءً من المديرية العامة للأمن العام، للمثول أمام دائرة الأمن القومي، من دون أن تُحدد أسباب هذا الاستدعاء، ليُقرر بعدها مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، القاضي فادي عقيقي تركه رهن التحقيق، بعدما تمنع عن تسليم هاتفه الخلوي، لكون ذلك مخالفة قانونيّة تنتهك الخصوصيّة.

أسباب الاستدعاء لم تُذكر، وهو الأمر الذي تنتهجه الأجهزة الأمنية في كل مرة يُطلب فيها من أي صحافي أو ناشط سياسي الحضور إلى جلسة للتحقيق معه، ليتبين لاحقًا أنّ أسباب استدعاء رباح جاءت إثر مقابلة إعلامية، اعترض فيها على “جرّ” لبنان إلى حربٍ مع إسرائيل، معتبرًا أنّ “حزب الله هو الذي استفز إسرائيل في الثامن من تشرين الأول”، كما تناول في مقابلته بعض التفاصيل حول مناطق لبنانية تعرضت لقصف إسرائيلي “نتيجة توزع مراكز ومخازن تابعة لحزب الله”.

جرى ذلك فيما تبحث لجان نيابية مشروع “إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان”، بدعم من الاتحاد الاوروبي. لكن “إذا فسد الملح، بم يملّح”؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar