هل تتحقق “معجزة” التقارب المسيحي تحت عباءة بكركي؟


خاص 5 نيسان, 2024

تؤكد الوقائع على أنّ الماضي المسيحي والخلافات على الزعامة، هي التي تحول دون أجواء المصالحة الفعلية والمطلوبة، بينما تستمر مساعي بكركي للمّ الشمل المسيحي لكنّ التناحر على الزعامة ما زال في طليعة الأسباب التي تحول دون هذا التقارب

كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:

في ظل الإنقسامات العميقة الطاغية على الساحة السياسية، وسعي المرشحين إلى الرئاسة لاسترضاء أفرقاء النزاع للوصول إلى قصر بعبدا، وجهود بعض الأطراف المعرقلة للبحث عن مرشح باهت اللون سياسياً، كي يدير الأزمة ولا يحلّها، تبقى نزاعات الأقطاب المسيحية حديث الساعة الرئاسية، فلا بحث جديّاً لتجاوز هذه الأزمة المارونية، من خلال اتفاق الزعامات الرئيسية على مرشّح توافقي، يستطيع الفوز بأصوات 65 نائباً توصله إلى القصر الجمهوري، لأنّ التناحر المسيحي لا يزال سيّد الساحة، الأمر الذي سيؤدي في حال استمراره إلى استحالة وصول رئيس قوي تحتاجه المرحلة، وبالتالي سيسمح للبعض بأنّ يفرض مرشحاً يضعف دور المسيحيين. في ظل مؤشرات تؤكد أنّ الفراغ الرئاسي سيمتد لأشهر إضافية، من دون أي بوادر جديّة في أفق المصالحة المسيحية الحقيقية، التي توّحد كلمة الأقطاب خصوصاً في ملف هام كالرئاسة، لأنّ التنازل عن المصالح الخاصة أمام مصلحة لبنان يبدو بعيداً.

فيما تؤكد الوقائع على أنّ الماضي المسيحي والخلافات على الزعامة، هي التي تحول دون أجواء المصالحة الفعلية والمطلوبة، على الرغم من أنّ الجميع يتحدث بإيجابية، لكن البوادر الحقيقية لم تتواجد في أيّ مرة، بينما تستمر مساعي بكركي للمّ الشمل المسيحي، لكن التناحر على الزعامة ما زال في طليعة الأسباب التي تحول دون هذا التقارب.

الخلاف على الزعامة والكرسي الرئاسي

إلى ذلك يقول وزير ونائب سابق عايش فترات طويلة من الحياة السياسية اللبنانية خلافات الأقطاب الموارنة لـ “هنا لبنان” : “كل واحد من هؤلاء يرى أنه الأحقّ بالزعامة المسيحية، وما مِن ماروني يتقبّل الآخر حين يتعلق الأمر بالكرسي الرئاسي، وذلك منذ بداية الاستقلال الأول وصولاً إلى اليوم”، ويشير إلى وساطات عديدة قامت بها مرجعيات سياسية لتوحيد الكلمة، والاتفاق على شخص الرئيس المرتقب، لكنها باءت بالفشل، معتبراً أنّ تدخلات رجال الدين لم تفلح أيضاً، ومنها المساعي التي قام بها الكاردينال بشارة الراعي والرابطة المارونية، وكان سبقهما إلى ذلك قبل سنوات عدة الكاردينال الراحل نصرالله صفير، إذ لم يكن هناك أي قرار جدّي لدى القيادات المعنية بذلك، خصوصاً أنهم لم يقوموا بأيّ خطوة عملية في ظل عدم وجود حماس لديهم، وكأنه ممنوع على المسيحييّن أن يتفقوا، فتاريخهم الحافل بالانقسامات لم يشجعهم على ذلك، أو بالأحرى لم يفتح شهيتهم على الوفاق من أجل طبق الرئاسة…

وتابع المصدر: “نحن نؤمن بالتعددية لكن التوافق السياسي ضروري، والحل الأفضل اليوم هو الوصول إلى وحدة في المواقف الهامة، وفي ترسيخ التنوّع السياسي على قاعدة الإقرار بحق الاختلاف، وتنظيم الخلاف السياسي بعيداً عن الخلافات”، وأشار إلى أنّ زمن الكبار قد انتهى، لأنّ ما قام به الأجداد قد زال بفضل بعض السياسيين الحالييّن، لذا يجب أن نخفف من السياسة ونكثر من العمل الوطني، من أجل مصلحة لبنان أوّلاً وأخيراً”.

حتى الصلاة والتأمل لم ينفعا

في السياق لا بدّ من التذكير بالسعي المتكرّر لجمع القيادات المسيحية في بكركي، لكن كل المحاولات لم تصل إلى هدفها، لعدم تكرار تجربة العام 2014، أي قبل انتخاب الرئيس ميشال عون، حين تمّ التفاهم على أن يكون رئيس الجمهورية أحد القيادات المسيحية الأربع (أمين الجميّل، ميشال عون، سمير جعجع وسليمان فرنجية)، وكان الفشل الذريع مع وصول عون إلى بعبدا، لذا لم تعد تلك الفكرة واردة، واستبدلت بفكرة أخرى من خلال التقارب الذي سعى إليه راعي أبرشية أنطلياس المارونية المطران أنطوان بو نجم، بطلب من البطريرك الراعي، لزيارة القيادات والشخصيات المسيحية بهدف التوافق على مرشح رئاسي، لكن المطران بو نجم لم يتوصل معهم إلى نتيجة إيجابية، ما اضطر البطريرك الراعي إلى دعوة النواب قبل عام تحديداً، إلى جلسة صلاة وتأمل في بيت عنيا – حريصا، حضرها 53 نائباً ولم تحقق مبتغاها أيضاً.

في غضون ذلك بقيت مهمة جمع القيادات المسيحية ضمن خانة “الوساطات الشاقة”، منذ أيام البطريرك صفير، لتصبح تركة ثقيلة لدى البطريرك الراعي، الذي ذاق الأمريّن بسبب خلافاتهم المتواصلة، فقام بالمهمة مرات حتى يئس، بعد أن ُخذل ولم تفلح وساطاته في جمعهم، باستثناء المصالحة التي جرت في تشرين الثاني من العام 2018 بين رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، ورئيس “تيار المردة” النائب السابق سليمان فرنجية، وهذا بحد ذاته يعتبر إنجازاً كبيراً سُجّل للراعي، نظراً إلى العداوة التي كانت سائدة بينهما. ومع ذلك يمكن القول أنّ المصالحة أنهت القطيعة والاحتقان، لكن لم تتطور أكثر، بسبب التباين السياسي الكبير بين الحزبين فلا شيء يجمعهما، لأنّ المبادئ بعيدة جداً، لا بل ضمن خطين من الصعب أن يلتقيا.

الوضع المسيحي لا يحتمل المزيد من السقطات

تعليقاً على ذلك يصف مرجع كنسي خلال حديث لـ “هنا لبنان” ما يجري من إنقسامات مسيحية بالمعيب، ناقلاً استياء الراعي من كل يحصل، وقال: “الوحدة المسيحية قوة لا يستهان بها، وفي حال تحققت ستؤدي إلى إيجابيات ننتظرها جميعاً، لكن لا يُخفى على أحد بأنّ المهمة صعبة جداً، لذلك ندرس خطواتنا برويّة بهدف الوصول إلى خاتمة سعيدة، وسنبقى نحاول لأنّ الوضع لا يحتمل المزيد من السقطات، مع الأمل في أن يعي المسؤولون المسيحيون حقيقة مخاوفنا”.

ورداً على سؤال حول مدى امتداد الخلافات المسيحية ومنعها من الاتفاق على وثيقة بكركي، التي تضم عناوين وطنية جامعة، وتناقش الأزمات المستشرية، وفي طليعتها مسألة السلاح غير الشرعي، أمل المرجع الكنسي أن تحصل المعجزة ويتم التقارب المنتظر، ليختم “بأنّ لقاءً ثانياً مرتقباً لبحث تلك الوثيقة، لكن الموعد لم يحدّد بعد، في انتظار تجهيز الصياغة النهائية”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar