عقوبة الإعدام بين مؤيّد ومعارض.. هل باتت ضرورة للحدّ من تفلّت الجريمة؟


خاص 29 نيسان, 2024

مع تطوّر العصور باتت عقوبة الإعدام موضع تجاذب بين مؤيّد ومعارض، وإزاء تفشي ظاهرة القتل في لبنان مؤخراً، عادت الأصوات لترتفع مطالبة بإعادة تفعيل هذه العقوبة المجمّدة منذ سنوات ليكون إعدام القاتل خير رادعٍ لكلّ من تسوّل له نفسه التفكير في إزهاق روح إنسان أياً كانت الحجة

كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:

عرفت المجتمعات عقوبة الإعدام منذ فجر التاريخ وكان الهدف ردع القاتل ليكون عبرة لسواه، عملاً بالآية الكريمة “ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب”.ومع تطوّر العصور باتت عقوبة الإعدام موضع تجاذب بين مؤيّد ومعارض، وإزاء تفشي ظاهرة القتل في لبنان مؤخراً، عادت الأصوات لترتفع مطالبة بإعادة تفعيل هذه العقوبة المجمّدة منذ سنوات، ليكون إعدام القاتل خير رادعٍ لكلّ من تسوّل له نفسه التفكير في إزهاق روح إنسان، أياً كانت الحجة، سواء بدافع الثأر، أو السرقة، أو الخطف، أو الخلافات العائلية والشخصيّة.

أجازت القوانين اللبنانية تنفيذ عقوبة الإعدام، إن كان قانون العقوبات وقانون العقوبات العسكري وقانون المخدرات وقانون المحافظة على البيئة وسواها، وتعاقب مواد قانونية من قانون العقوبات “بالإعدام على القتل العمدي”، لكل من ارتكب الجريمة عن سابق تصوّرٍ وتصميم”.

إلا أنّ عقوبة الإعدام أخذت طابعاً عالمياً من خلال بروتوكولات واتفاقات دولية، إذ نصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948على أنّه “لكلّ شخص الحق في الحياة والحريّة والأمان ولا يجوز تعذيبه أو تطبيق العقوبات القاسية واللاإنسانيّة بحقه”، ويؤكد الميثاق العربي لحقوق الانسان الصادر عام 2004 على “الحق في الحياة كحق ملازم لكل فرد”.

ومع عودة مسلسل جرائم القتل في لبنان وآخرها جريمتا قتل باسكال سليمان وياسر الكوكاش، علت الأصوات المطالبة بإنهاء تجميد تنفيذ عقوبة الإعدام التي تصطدم دائماً بتصدي المنظمات الحقوقيّة. فهل بات الإعدام ضرورة للجم مرتكبي جرائم القتل؟

تفعيل مؤقّت لضبط الفلتان الأمني

يرى الخبير الدستوري القانوني الدكتور سعيد مالك في حديث لـ “هنا لبنان” “أنّه بالعودة إلى قانون العقوبات اللبناني فإنّ الجرائم الجنائيّة الكبرى والتي تتّسم بالقصديّة والعمديّة، توجب تطبيق أقصى العقوبات بحق الفاعلين والمشتركين والمتدخلين وصولاً إلى عقوبة الإعدام”. ويؤكد أنه “بغض النظر عمّا يُسمى المبادئ الإنسانية وحقوق الإنسان التي تستبعد هذه العقوبة، إلا أنّ الظروف عندما تكون قاهرة كالوضع الذي نمرّ به في لبنان ومع كلّ الفلتان الأمني المتمادي، فإنّ العودة الى عقوبة الإعدام وتفعيلها بات أمراً لا بدّ منه ولو مؤقّتاً من أجل إعادة ضبط الأوضاع ومن أجل إعادة تقييم الأمور ليتخّذ بعدها القرار المناسب في حينه”.

الإعدام غير فعّال؟

آراء كثيرة ترى أنّ عقوبة الإعدام تخالف المواثيق الدولية وخصوصًا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومنها مديرة مركز الدفاع عن الحقوق والحريات المدنية المحامية ديالا شحادة، التي تعتبر أنه “لم يثبت إحصائيّاً فعالية الإعدام في حصر الجريمة، فهي عقوبة أقلّ حدّة من السجن نفسه خصوصاً في ظلّ ظروفٍ سجنيّة صعبة كما هو حال السجون في لبنان ومعظم دول العالم، كما أنّه من العقوبات التي لا يمكن جبرها أي تصحيحها والتعويض عنها في حال تمّ التحقّق من وقوع خطأ وهذا أمرٌ مقلق”. وتقول شحادة لـ “هنا لبنان”: “الإعدام هو تشريعٌ للقتل وكأنّه حقٌ للدولة في سياق العقاب في وقت لا يجوز فيه أن يكون القتل قراراً لأيّ إنسان أو سلطة، لهذه الأسباب أنا مع إبقاء عقوبة الإعدام مجمّدة ومع إلغائها تماماً وضرورة تحسين وضع القضاء والقيام بإصلاحات داخل السجون اللبنانية”.

بين الإعدام والتأهيل

وُضِعَ العقاب منذ القدم ليكون وسيلة لتهذيب النفس الإنسانية ونهيها عن السلوك العدواني الذي يتجه إلى الإيذاء والتخريب وصولاً إلى القتل، وتشير الدكتورة في علم النفس الاجتماعي فريال عبد الله، إلى أنّ “العقوبة كانت تقوم سابقاً على مختلف أشكال التعذيب الواقعة على الجسد ثم تحوّل، بفعل عوامل عدة إلى العقوبة التي تنصبّ على سلب الحرية دون إيذاء الجسد”. وتضيف: “لا أحبّذ تطبيق الإعدام لأنّه يعود بنا إلى زمن حمورابي حيث كان الإعدام أساساً لمعاقبة القاتل، أما اليوم فلا بدّ أن يكون السجن مكاناً لتأهيل الأشخاص وتعديل سلوكهم”. وتعبّر عبد الله عن أسفها “لأنّ في لبنان وبسبب الأزمات المتتالية التي يمرّ بها ومؤسساته، لم يعد السجن قادراً على أداء المهمّة الأساسية التي أُنشئ من أجلها، وذلك بسبب الاكتظاظ وعدم توفّر الأساسيات الإنسانية للسجناء وربّما تكون إعادة تفعيل عقوبة الإعدام آنيّاً رادعاً يحول دون ارتفاع نسبة الجريمة والتفلّت الأمني المتمادي”.

الإعدام الأوّل والأخير

اعتمد الإعدام بعد الحرب اللبنانية، عقوبة حتمية لمجرد القتل القصدي، بحيث سادت قاعدة “كل قاتل يقتل” دون منحه الأسباب التخفيفية. ويعود تنفيذ آخر حكم إعدام في لبنان إلى عام 2004 حيث أُعدم ثلاثة أشخاص اثنان منهما رميًا بالرصاص وواحد شنقًا وهم أحمد منصور وبديع حمادة وريمي أنطوان زعتر. أما أول حكم بالإعدام فنفّذ عام 1947 بحق سعيد متري لطيف لقتله الياس اسطفان.

فهل يحدّ تفعيل عقوبة الإعدام من استفحال الجريمة فعلاً، أم أنّ إصلاح المجتمع والسجون وتفعيل أجهزة الدولة الأمنية يكون أكثر نفعاً للحدّ من تلك الجرائم؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us