أميركا واستراتيجية حفظ الاستقرار في الشرق الأوسط: هل لبنان موجود على الخارطة الدولية؟


خاص 2 أيار, 2024

استعادت منطقة الشرق الأوسط أهميتها لدى أميركا بعد عملية طوفان الأقصى، فعادت إلى المنطقة بثقل غير مسبوق، في محاولة لحصر النيران، وتأمين الأهداف الأساسية والحيوية عبر استعمال التواجد العسكري الضخم لردع كل محاولة لهز الاستقرار

كتب جوني فتوحي لـ”هنا لبنان“:

تقوم استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط على ثوابت ومتغيرات، في طليعتها الدفاع عن إسرائيل والبلدان الحليفة وضمان أمن النفط والمعابر البحرية، وتأمين التفوق الأحادي في مواجهة القوى الصاعدة وأبرزها الصين. في وقت بدا في السنوات المنصرمة أنّ أميركا أسقطت المنطقة عن جدول أولوياتها لمصلحة الشرق الأقصى حيث بدأ التركيز لاحتواء الصين، استعادت المنطقة أهميتها بعد عملية طوفان الأقصى، فعادت أميركا إلى المنطقة بثقل غير مسبوق، في محاولة لحصر النيران، وتأمين الأهداف الأساسية والحيوية، عبر استعمال التواجد العسكري الضخم لردع كل محاولة لهز الاستقرار. فأين يقع لبنان في استراتيجية أميركا إذًا؟ وهل هو موجود فعلاً، وما هي انعكاسات الحرب الدائرة في المنطقة عليه، وهل سيستعيد وضعه الطبيعي كدولة مستقلة ومحايدة؟

حرب: هناك قناعة أميركية بأنّ لبنان سقط بيد حزب الله

قال توم حرب رئيس التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديموقراطية: لا يمكننا أن نرى أنّ الولايات المتحدة الاميركية لديها سياسة واضحة، في الوقت الحاضر تجاه الشرق الأوسط، لأنّ سياسة أميركا هي سياسة الإدارات المتعاقبة. فمنذ العام 2008 قررت إدارة بايدن تغيير الشرق الأوسط، لاسيما في علاقة أميركا مع الدول التقليدية، فانتقلت إدارته إلى التعاطي مع التيارات المتشددة، لجذب هذه التيارات إلى الحل الوسط، لذلك وقعت أميركا الاتفاق النووي مع إيران وأظهرت تقارباً مع الإخوان المسلمين. ولكن عندما انتخب الرئيس ترامب، ألغى الاتفاق النووي، وعاد إلى التفاهم مع الدول التقليدية في المنطقة، ورفض التعامل مع الإخوان المسلمين، ووصل إلى حد تطبيق عقوبات بحقهم. ثم عاد أوباما وبايدن من بعده إلى محاولة إحياء الاتفاق النووي، ولم يعد مستعجلاً لاستكمال الاتفاقات الأبراهيمية التي سار بها ترامب.

وأضاف: عندما نتحدث عن سياسة أميركا واستراتيجيتها في المنطقة، لا يمكن الحديث عن استراتيجية واحدة لكل الإدارات الأميركية، ولا يمكن تصنيف من هم الحلفاء ومن هم الخصوم. فمثلاً الأهم في استراتيجية ترامب كان بروز العلاقة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي نفذ خرقاً كبيراً ضمن المجتمع السعودي باتجاه الانفتاح، ما أدى إلى إراحة المشرعين في الولايات المتحدة والمحللين والمراقبين ومراكز الأبحاث، الذين وجدوا أنّ الاعتدال الإسلامي مكّن وضعيته في العالم العربي.

وأشار حرب إلى أنّ بايدن لم يستطع العودة إلى الاتفاق النووي، لأنّ حكومة نتنياهو عارضت هذا الاتفاق، كما لقي معارضة شديدة في الكونغرس وفي مجلس الشيوخ. ثم أتت أحداث 7 أكتوبر لتغير المعادلة، بين إدارة بايدن وإيران، مما أجبر الإدارة على التخلي عن الاتفاق، وباتت الإدارة تعمل على تهدئة الوضع، في مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية.

أما في ما يخص العلاقة الأميركية مع لبنان فقال حرب: لسوء الحظ، لبنان ليس ضمن استراتيجية أميركا في الشرق الأوسط، لأنه لا يوجد حكومة لبنانية قوية ولا مؤسسات تعمل، ويبدو لبنان وكأنه متسول دائم، يطلب المساعدة من الدول العربية والأوروبية والأميركية. هناك قناعة في الكونغرس بأنّ لبنان سقط بيد حزب الله، أما المساعدة السنوية للجيش فسببها أنّ أميركا تريد للجيش أن يبقى كمؤسسة حامية بالحد المعقول للأمن، لكن لا ترى أميركا أنّ لبنان باستطاعته أن يفاوض وأن يكون على الطاولة كلاعب، لا مع الدول العربية، ولا مع الأميركيين ولا مع الأوروبيين، وللأسف نسمع عن لبنان في الكونغرس بأنه دولة فاشلة. وأشار حرب إلى أنّ الأميركيين ينظرون إلى المنطقة من منظار أنّ إيران هي البعبع، وأنّ دول الخليج اتجاهها التنمية والازدهار، وأنّ مصر تمتلك الثقل العسكري. فالجو العام في واشنطن يميل إلى المساعدة في إنتاج عملية سلام، هي تلك التي بدأت بترتيبها إدارة ترامب، خصوصاً مع السعودية، وإذا تمت هذه العملية، سيؤدي ذلك إلى انهيار النظام الإيراني.

ومن الواضح أنّه خلال السنوات القليلة المقبلة، سيحصل الانهيار من داخل النظام الإيراني، لأنّ الشعب الإيراني ثائر ضد النظام، وهو خائف من شعبه، النظام خائف من الداخل الإيراني وليس من الخارج، وآخر عملية قام بها ضدّ إسرائيل، وحدت الدول العربية وتضامنت مع إسرائيل. وقد لاحظت إيران وراقبت الحشد الدولي الذي وقف ضدها، وهي تقف بشكل بآخر وراء بعض المظاهرات التي تحصل في الجامعات الأميركية، هي مظاهرات منظمة ومسيسة من اليسار الدولي، واللوبي الإيراني ولوبي الإخوان المسلمين.

وفي مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية تتصاعد شعبية ترامب، الذي في حال فوزه سيركز جهده على تحقيق تطبيع سعودي إسرائيلي، وإذا حصل ذلك ستكون إندونيسيا الدولة الإسلامية الأكثر حضوراً للدخول فيه، هذا بالإضافة إلى أكثر من ثلاثين دولة إسلامية.

مرقص: إذا بقي لبنان مشتتاً فالتسوية ستكون على حسابه

بدوره قال الدكتور بول مرقص رئيس منظمة جوستيسيا لـ “هنا لبنان”: الولايات المتحدة تعمل في المنطقة ضمن استراتيجية تحافظ على مصالحها القومية، وبالتالي فإنّ احترام حقوق الإنسان هو من المرتكزات التي تعول عليها الإدارة في الداخل الأميركي أكثر مما ينسحب على حركتها في الخارج، وبالتالي فإنّ الانطلاق من هذه المصالح القومية والتحالفات التي تشيدها مع دول المنطقة وبالتحديد إسرائيل، هي التي تطغى على كل هذه التحركات.

وعن إمكانية استفادة لبنان والمنطقة من استراتيجية أميركا القائمة على الحفاظ على الاستقرار قال: إنّ سعي الإدارة الاميركية دوماً يهدف للحدّ من النزاعات بين إسرائيل ودول المحيط وبالتالي فإنّ هذا الهم استراتيجي ووجودي ليس بالنسبة لإسرائيل فحسب، إنما أيضًا بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، التي تكمن بوصلة تحركاتها في اتجاه حماية مصالح إسرائيل، وخصوصاً عندما يكون الأمر ساخناً كما في الشهور الماضية فهو ينعكس ليس على العلاقات الأميركية الإسرائيلية فحسب وإنما على الداخل الأميركي أيضاً.

أما في ما يتعلق بلبنان فيقول مرقص: إذا لم يتخذ لبنان موقفاً جامعاً موحداً فهو لن يستفيد من أيّ تقدم يحرز في المنطقة لا بل ستأتي هذه التسويات على حسابه بسبب التشتت الداخلي، وبسبب قوة فريق داخلي هو “حزب الله” الذي يريد أن يقطف ثمار هذه التسوية التي إن لم ترجع بالخير على عموم البلاد، فإنها تعود بالنفع عليه تحديداً وعلى المحور الذي يمثله.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us