تنامي معدّل الجريمة.. استسهالٌ وشعورٌ بضعف الدولة


خاص 10 أيار, 2024

مسألة تنامي الجريمة في لبنان لم تعد بالمسألة العادية، فهي باتت تشكّل مصدر قلقٍ كبير بالنسبة للمواطن اللبناني لا سيما ممن يجد في دولة القانون التي نشأ عليها الملاذ الآمن.

كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:

لا يكاد يمرّ أسبوعٌ في لبنان من دون جريمة.. قتل، اغتصاب، سرقة، خطف، طعن وغيرها. جرائم ينفّذها مرتكبون بدمٍ بارد وسط انحلالٍ تام لمؤسسات الدولة وأجهزتها، وعجزها حتى عن تطبيق الأمن الاستباقي، ما فتح المجال أمام عصاباتٍ وأفرادٍ من هنا وهناك، أن يسرحوا ويمرحوا كما يحلو لهم ضاربين أمن المجتمع وأخلاقياته بعرض الحائط، مستشعرين بضعف الدولة وقضائها ومعوّلين وبثقة مرتفعة على الإفلات من العقاب.

مسألة تنامي الجريمة في لبنان لم تعد بالمسألة العادية، فهي باتت تشكّل مصدر قلقٍ كبير بالنسبة للمواطن اللبناني لا سيما ممّن يجد في دولة القانون التي نشأ عليها الملاذ الآمن.

عند محاولة البحث عن أسباب تنامي الجريمة في لبنان لا بدّ من التطرّق إلى كلّ الظروف الاستثنائية التي مرّ بها لبنان ولا يزال منذ سنوات عديدة، سواءً على المستوى الإقتصادي أو الأمني أو السياسي أو الاجتماعي وربما يصبح السؤال المنطقيّ مشروعاً: ماذا بقي من لبنان كي لا تنمو الجريمة؟

استسهال الجريمة وضعف الدولة

“لقد سقط لبنان في أزمة اقتصادية لم تكن الدولة فيها على قدر من المسؤولية ولم تتمكن من وضع خطة للخروج منها”، هذا ما يراه الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية العميد المتقاعد خالد حمادة، خلال إجابته على هذه المسألة، مشيراً إلى “تفكّك الإدارات وتحلّل القطاع العام والالتزام الوظيفي والأخلاقي تجاه الحيّز العام في الدولة تحت وطأة الضغط المالي”، مستشهداً بجريمة مرفأ بيروت “التي بيّنت تورّط العديد من المسؤولين والوزراء، دون أن يتمكن القضاء من القيام بدوره ما انعكس سلباً على مسألة الثقة بالدولة وبالسلطة القضائية، فأصبح القانون بيد كل من يريد التجريح به، وازدادت الحوادث الأمنية والاشتباكات العابرة للحدود بين لبنان وسوريا، ومعها ازداد ضعف الدولة فلم تعد قادرة على فرض سيطرتها، فبات القاطن فيها يستسهل ارتكاب الجريمة لأنه يدرك تماماً أنّ مكوّناتها ملوّثة وفاسدة ومتورّطة”.

وحول مسألة وجود النازحين السوريين وعلاقتها بزيادة نسبة الجريمة يقول حمادة: “عندما يتجاوز عدد السوريين ثلث سكان لبنان فمن الطبيعي أن ترتفع نسبة الجريمة خاصة وأنّ الدولة لم تضع حدّاً لهذه المسألة منذ وجدت وهي لم تأتِ بالصيغة المناسبة لضبط هذا الوجود أمنيّاً وإداريّاً ووظيفيّاً والاستفادة من يده العاملة كما فعلت الأردن وتركيا ومصر”، ولاحظ العميد المتقاعد أنّ النازحين السوريين أتوا من بيئات مختلفة هي في الغالب ريفيّة أو دينية وهم بمجملهم يتحلّون بالأخلاق والقيم، ولكن البعض منهم يجنح نحو الجريمة عندما يكتشف أنّ المجال متاحٌ أمامه في ظل كلّ هذا الإنفلات الأمني والقانوني.

طبقة سياسية خاضعة

إلى ذلك، يعوّل حمادة على أسس التربية والقيم الأخلاقية المتبقية في العائلات اللبنانية، لأنّ هذا ما يمنع تفلّت الجريمة أكثر، ويضيف: “يُحكى عن تنامي مستوى الجريمة في لبنان، لكن لو توفّرت كل الظروف الموجودة عندنا من تحلّل دولة وفوضى وعجز أجهزة أمنية وقضائية في أي بلد في العالم، لكان مستوى الجريمة فيه أكبر بكثير من لبنان”. ويختم “تنامي الجريمة مسؤولية الحكومة ومجلس النواب، هي مسؤولية الطبقة السياسية مجتمعة والتي لا تجرؤ على تطبيق القانون في وقت تكون فيه خاضعة لقوى أمر واقع محلية أو إقليمية ولم تعد تمتلك الرغبة أو الإرادة لإقامة دولة حقيقية وحماية مجتمعها”.

عدم “المواطنة” واحترام القانون

بدورها رأت الدكتورة في علم النفس الاجتماعي ناديا شحرور “أنّ ارتفاع الجريمة في أيّ مجتمع مردّه إلى نتيجة عوامل عدة كالتربية والاحتكاك بالأشخاص (قل لي من تُعاشر) وعدم احترام القانون ومدى الارتباط بالوطن، ويعتبر العامل الأخير أساسيًّا جداً لأنّه عندما تغيب المواطنة يغيب المجتمع السليم. لقد أحدثت الأزمة الاقتصادية الأخيرة شرخاً كبيراً بين المواطنين وأنتجت تفاوتاً طبقيّاً ملحوظاً بين غنيّ وفقير، وهذا التفاوت قد يدفع إلى أن يُشرّع الفرد لنفسه ارتكاب الجريمة لأنه يشعر بالغبن وبكثرة المجهود في العمل وقلّة المردود الماديّ”.

كبح الجريمة

وعن ارتفاع معدّل الجرائم وارتكاب نسبة كبيرة منها من قبل السوريين أشارت شحرور” أنّ النازحين يأتون من بيئة مختلفة ومهما كانت قريبة جغرافيّاً للبنان لكن ثقافاتهم تبقى مختلفة، ومنهم من لا يستطع التكيّف مع المجتمع الذي حضر اليه، فكيف إذا كان هذا اللاجئ لا يتمتع بدرجة عالية من العلم والتنشئة الاجتماعية فقد لا يكون مهتمّاً بالمحافظة على هذا المجتمع الجديد الذي انضمّ إليه كما يهتمّ المواطن اللبناني نفسه”، وختمت “تبقى مسؤولية الأمن وكبح الجريمة من مهمة الدولة أولاً وأخيراً ولا يمكننا أن نُعوّل على أن يضبط الفرد نفسه بنفسه إن لم يكن هناك عوامل رادعة تضبطه بدءاً بتربيته وسلوكه، وصولاً إلى أجهزة الدولة المسؤولة عن مراقبته وتطبيق القانون على كلّ موجود على أراضيها”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us