لبنان عصي على الإصلاح


خاص 16 أيار, 2024

جميع الخطط المطروحة والمتداولة للإصلاح أكانت أمنية أم اجتماعية أو اقتصادية هي مجرد “طبخة بحص” لا تطعم الجائع ولا تروي العطشان ولا تطمئن الخائف ولا تشفي العليل. لأنّ جميعها تتجاهل أو تتناسى أو تتغاضى عن حقيقة علمية تقول إنّ الخروج من قعر هوة الانهيار يبدأ بمعالجة “أسباب الانهيار” بدلاً من إضاعة الوقت في محاولات صعود سيتكرر فشلها حتماً كما تكرر دائماً 

كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:

لبنان عصي على الإصلاح في مختلف المجالات. وجميع الخطط المطروحة والمتداولة للإصلاح أكانت أمنية أم اجتماعية أو اقتصادية هي مجرد “طبخة بحص” لا تطعم الجائع ولا تروي العطشان ولا تطمئن الخائف ولا تشفي العليل.
لماذا تشبيه خطط الإصلاح بطبخة بحص؟
لأنّ جميعها تتجاهل أو تتناسى أو تتغاضى عن حقيقة علمية تقول إنّ الخروج من قعر هوة الإنهيار يبدأ بمعالجة “أسباب الإنهيار” بدلاً من إضاعة الوقت في محاولات صعود سيتكرر فشلها حتماً كما تكرر دائماً.. وما هي أسباب الإنهيار؟
لجميع الإنهيارات، مهما تعددت صفاتها، سبب واحد هو “الفساد”.. وكيف يعالج الفساد؟
يُعالَج الفساد، وأفضّل عبارة يُستأصل الفساد، “بمعاقبة الفاسد اللبناني” الذي يغطي جميع المخالفات، على تعدد أوصافها وأهدافها، التي أدت إلى السقوط في هوة الإنهيار.
في تشريح لهيكلية الفساد يتبين أنّ الفاسد اللبناني هو “رئيس العصابة” التي تستخدم وتغطي غير اللبنانيين فتجندهم كأيدٍ عاملة رخيصة تحتاج إلى استرزاق وحماية ثم تدخلهم في صلب لعبة الفساد كشركاء بعد تنشئتهم على الطاعة المطلقة، تماماً كما اعتدت عصابة اغتصاب الأطفال على ضحاياها ثم حولتهم إلى شركاء، بعضهم مرغم وبعضهم مدمن.
مثال آخر على حقيقة أنّ الفاسد اللبناني هو رئيس العصابة ورأس المعصية نجده بوضوح في عدم تمكن لبنان الرسمي، حتى الآن، من استرداد رأسين لبنانيين لعصابة مقيمة في سوريا ومتهمة بالمسؤولية عن عملية إختطاف منسق القوات اللبنانية في قضاء جبيل باسكال سليمان ونقله إلى سوريا التي وصلها مقتولاً، علماً بأنّ سوريا سلّمت الجيش اللبناني ثلاثة سوريين من ضمن المطلوبين الخمسة بهذه القضية.
ما يثير الإستغراب والفضول وصولاً إلى الشبهة هو أن سوريا سلّمت الجيش اللبناني مواطنيها السوريين الثلاثة بسرعة قصوى ومن دون إخضاعهم لأي تحقيق في دولتهم ومن دون الرجوع إلى شروط أي إتفاقية إسترداد مطلوبين، إذا وجدت، فيما نامت عن تسليم المطلوبين اللبنانيين ز.ق. و أ.ن. اللذين كانا قد أوقفا في لبنان سنة 2019 بتهمة تكوين عصابة سرقة؟
ولماذا استقر ز.ق. و أ.ن. في سوريا بعد تخليتهما في لبنان وتولى كل منهما مسؤولية معبر غير شرعي تمر عبرهما في الإتجاهين جميع العمليات المخالفة من تهريب مخدرات وبشر ومؤن وأسلحة وذخائر؟
سيل التساؤلات المطروح على النظام السوري لا يستثني منظومة السلطة اللبنانية المنهمكة بتنفيذ خطة إعادة النازحين السوريين غير الشرعيين، الذين يقارب عددهم المليون وتشمل توقيف جميع السوريين من غير الداخلين شرعاً إلى لبنان وغير الحاصلين على إقامات وأذونات عمل.
السؤال المطروح هو: ألا ترجع تواريخ دخول وتواجد هؤلاء النازحين السوريين غير الشرعيين إلى ما قبل عملية خطف وقتل باسكال سليمان في 7 نيسان الماضي؟؟
الحقيقة هي أن تواجد النازحين السوريين في لبنان وتزايد أعدادهم عمره من عمر الثورة السورية التي إنطلقت شعلتها في العام 2011، وتزايدت أعدادهم بعد تدخل إيران وروسيا لإنقاذ نظام الأسد من هزيمة كانت مرجحة.
فلماذا استقروا وتزايدوا من خارج أي إطار قانوني؟
الجواب سمعته من صاحب دكان لبناني في أحد أحياء بيروت صودف وجودي عنده أثناء توقيف سوريين وإقفال دكانهما المجاور وختمه بالشمع الأحمر.
قال لي الحاج: “بكرا بيرجع صاحبو بيأجروا لنازح سوري غير شرعي، أو للبناني مغطّى بيشغلوا قهوة معسّل وتعاطي مخدرات ومراهنات”.
سألته: برأيك شو الحل يا حاج كي لا تتكرر المهزلة؟
أجاب: “إذا ما تعاقب اللبناني يللي عم يأجر أو يشغّل (يستخدم) غير لبناني أو حتى إذا عم يأجر لبناني من خارج القانون حتستمر المهزلة وما حيتصلح شي، ويضل البلد فالت أمنياً والسرقات والخطف شغالة بالشوارع، والدعارة صارت مخترقة الأحياء السكنية بالليل.”
في هذا الصدد إنشغل لبنان الرسمي بملفين متداخلين، ملف عبء النازحين السوريين وملف تنفيذ الخطة الأمنية لمدينة بيروت وضواحيها التي أعدّها وزير الداخلية بسام المولوي والتي تعرضت قبل تنفيذها بساعات قليلة إلى امتحان صعب عبر هجوم مسلّح إستهدف مساء الإثنين مجموعة من أعضاء الحزب التقدمي الإشتراكي كانوا يجلسون في مقهى مجاور لمكتبهم بمنطقة كركول الدروز ما أدى إلى إصابة ثلاثة منهم تم نقلهم إلى مستشفى الجامعة الأميركية هم مدير مكتب الحزب شادي جمال ورفيقيه مهدي سنو وأحمد محيو.
وبعد يومين على الحادثة أعلنت المديريّـة العـامّـة لقــوى الأمــن الـدّاخلي ـ شعبة العـلاقـات أن المتورطين في الحادثة هم ثلاثة على متن دراجتين وقد أوقف مطلق النار اللبناني ع.ي. مواليد العام 2000 وإعترف أن المتورطين معه هما أيضاً المدعو ع. ي. (من مواليد عام ١٩٩٤، لبناني) و ح. ش. (من مواليد عام ١٩٩٦، لبناني ) ” وقد أوقفوا وأودعوا المرجع المختص.
أما ملف النازحين السوريين فقد بحثه المجلس النيابي بحضور رئيس وأعضاء حكومة تصريف الأعمال وأعلن في بيان أنه يسعى إلى “… إعادة الداخلين والمقيمين السوريين غير الشرعيين في لبنان إلى بلدهم، وخلال مدة أقصاها سنة من تاريخه.”
ولتحقيق هذا الهدف أقر المجلس تسع توصيات أبرزها “تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة وعضوية وزراء الدفاع والداخلية والمهجرين والشؤون الاجتماعية وقيادة الجيش والأمن العام والأمن الداخلي وأمن الدولة، للتواصل والمتابعة المباشرة والحثيثة مع الجهات الدولية والإقليمية والهيئات المختلفة، لا سيما مع الحكومة السورية، ووضع برنامج زمني وتفصيلي لإعادة النازحين، باستثناء الحالات الخاصة المحمية بالقوانين اللبنانية والتي تحددها اللجنة.”
بدا نافراً وغير مبرر ضم وزارة المهجرين إلى اللجنة كون مهمتها، منذ تأسيسها في العام 1992، هي داخلية حصراً متعلقة بالمهجرين اللبنانيين من مناطق الصراع ولا علاقة لها بالنزوح أو اللجوء إلى لبنان، علماً بأن لبنان مصنف بلد عبور لا بلد لجوء.

وتضمنت إحدى التوصيات “نقل رسالة واضحة للدول والهيئات العاملة بملف النزوح، بأن لبنان لم يعد يحتمل جعله سداً أمام انتقال النازحين إلى بلدان أخرى، وأنه بكل الأحوال لن تكون مهمته حماية حدود هذه الدول…”
وهنا يصح التساؤل: هل تتوافق هذه التوصية مع ما دعا إليه أمين عام حزب إيران من فتح البحر أمام النازحين، ما يهدد بإغراق شواطئ أوروبا ويؤدي واقعياً إلى تهديد علاقات لبنان مع دول الغرب عموماً بعدما تشوهت علاقاته مع الدول العربية، وخصوصاً دول الخليج، بسبب المد الفارسي الذي يتحكم بلبنان وسياسته؟
يبقى أن بيان الإجتماع البرلماني لم يحدد مصير مبادرة إعادة السوريين إذا لم تتحقق خلال مهلة السنة التي حددها في مقدمته وما إذا كانت الولايات المتحدة سترفع عقوبات قانون قيصر عن الدول التي تقدم مساعدات للسوريين العائدين، علماً بأنّ مصادر في الإدارة الأميركية تتحدث عن إمكانية رفع هذه العقوبات إذا كانت المساعدات ستدفع “مباشرة” للعائدين السوريين ومباشرة للشركات التي سيتم إختيارها بموجب مناقصات شفافة لتقوم بعمليات إعادة إعمار البنية التحتية في مناطق العودة من دون المرور بدوائر النظام.
ويبقى السؤال: هل سيقبل الأسد بعودة شعبه الذي هجره بتحالفه مع روسيا وإيران وأذرعها من دون حوافز مالية تشجعه على هذه الخطوة التي يبدو أنها أبعد من الأفق في وقت الغسق؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us